أحمد الأسير.. ضحية مؤامرة أم “إرهابي”؟

أحمد الأسير.. ضحية مؤامرة أم “إرهابي”؟

حكم عليه بالسجن 20 عاما مع الأشغال الشاقة، وتجريده من حقوقه المدنية بتهمة قتل عسكريين، وتمويل المجموعة التي نفذت العملية في منطقة بحنين-المنية وتغريمه 51 مليون ليرة لبنانية. 

على عكس ما هو عليه الآن، فقد نشأ في بيت فني، لم يكن فيه متسع للتدين، فوالده كان عازف عود.. ومن باب الفن والطرب والموسيقى نسجت علاقة خاصة بين الأب والمطرب اللبناني المعروف فضل شاكر الذي أعلن “توبته” عن الفن، وانضم إلى صفوف “المجاهدين” ثم عاد سيرته الأولى. 

تلقى علومه الأولى في “مدرسة ألكسندرا” التي كانت تديرها الراهبات في صيدا، ومنها انتقل إلى النقيض تماما، فأكمل دراسته بكلية الشريعة في جامعة بيروت الإسلامية. 

برز اسمه بشكل كبير عام 2011 إثر اندلاع “الثورة السورية”، حين طالب عبر المظاهرات بدعم “الثورة”، وفي عام 2012 حين قاد الاعتصام الذي شل مدينة صيدا لأسابيع من أجل نزع سلاح “حزب الله”.  

تصريحاته العدائية لم تتوقف عند حدود “حزب الله” الذي يصفه بـ”حزب اللات”، وإنما شملت أيضا تيار “المستقبل” حيث إنه وصف أحمد الحريري بقائد “الصحوات” (مقاتلين عراقيين من السنة) في لبنان، ليرد عليه الحريري بأنه “صنيعة حزب الله”. 

ولد أحمد الأسير الحسيني عام 1968 في صيدا، واشتهر بلقب الأسير، وهو لقب عرفت به عائلته لأن أحد أجداده أسر من طرف الفرنسيين بمالطة أيام الانتداب الفرنسي على لبنان. 

وتقول مصادر مقربة منه في تصريحات صحفية إن أحد أجداده واسمه يوسف بن عبد القادر بن محمد الحسيني، كان شاعرا وفقيها وكاتبا، ولد قبل 200 عام في صيدا، وأقام في دمشق والقاهرة، وشغل منصب مفتي عكا، وكان واحدا من رواد النهضة الفكرية في بلاد الشام. 

وبناء على هذه الحكاية، فقد تقدم أحمد الأسير في عام 2005، بدعوى لدى محكمة الأحوال الشخصية في صيدا لإضافة الحسيني إلى اسمه فأصبح، بحسب الحكم، أحمد محمد هلال الأسير الحسيني، محققًا بذلك ربما رغبة دفينة في الانتساب إلى “آل البيت”. 

بدأ نشأته الأولى في صيدا، وأخذ علومه الشرعية الأولى فيها، حيث أتقن القرآن الكريم حفظًا وتجويدًا في السابعة من عمره.  

بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، التحق بصفوف “الجماعة الإسلامية” لموجهة الاحتلال الإسرائيلي، والتزم بالعمل مع “الجماعة” نحو أربع سنوات، قبل أن ينضم إلى “الدعوة والتبليغ”، ثم تمايز الأسير عن “الدعوة والتبليغ” في مسائل عدة، فشيد مع مجموعة من رفاقه مسجد بلال بن رباح عام 1997 في منطقة “عبرا” بمدينة صيدا. 

 حرص الأسير منذ البداية على أن يكون المسجد على “نهج الكتاب والسنة”، يعتمد في تمويل نشاطاته على تبرعات المصلين والمحبين. 

وقيل عنه إنه يتمتع بشخصية هادئة، وهو متحدث متمكن من اللغة العربية، كما أنه يتمتع بالقدرة على تجنيد محبيه لنصرة دعوته ومواقفه، ما جعله مرجعية اجتماعية لهم، الأمر الذي جعلهم يعودون إليه في حل نزاعاتهم واستشاراتهم التربوية والعائلية. 

لم يكن خطاب أحمد الأسير بعيدًا عن مقاربة الأمور السياسية في لبنان والملفات التي تظهر على السطح من حين إلى آخر، بدءًا من فلسطين إلى حرب أفغانستان والعراق، والمشروع الإيراني في المنطقة. 

وأعلن عن تحركه بهدف إعادة التوازن في لبنان، ورفع هيمنة الأحزاب التابعة لإيران، وتحقيقًا لهذا المسعى فقد نفذ “اعتصام الكرامة” الذي قطع فيه الطريق الرئيس الرابط بين الضاحية الجنوبية لبيروت وبين جنوب لبنان 35 يوما.  

أثيرت العديد من الشبهات حول تمويل الأسير وتبعيته السياسية إلا أنه يصر دائما على عدم تبعيته لأحد. 

والموقف من الشيعة هو أحد أبرز النقاط المركزية في سيرة الأسير، حيث ألقى الكثير من الخطابات التي شن فيها حملة ضد مراجعهم. 

وبسبب الانقسام اللبناني على خلفية الأزمة السورية، فقد تعزز ظهور الأسير على مسرح الأحداث في بيروت. وبفضل وقوفه في وجه “حزب الله” تمكن الأسير من جذب العديد من الشباب لاتباعه، وتوفرت له الأموال، فتحول إلى حالة “سنية ” في وجه الحالة “الشيعية”. 

ولا يعرف بشكل حاسم ما إذ كان قد انضم الأسير إلى “القاعدة” أم لا.. وتخيم حالة من الغموض حول انضمامه إلى “جبهة النصرة” ذراع “القاعدة” في سوريا، وسط أقاويل تقول إن عُين سرا أميرا لـ”جبهة النصرة في لبنان”، وإعلان لبنان “ساحة جهاد”، بعد أن بايع زعيم “النصرة” أبا محمد الجولاني. 

ووسع الأسير نشاطه، فتنقل من الاعتصام إلى المناصر الأول للطائفة “السنية ” في عدد من المناطق اللبنانية، وبات له أنصار يدافعون عنه. 

وكانت الأمور مستقرة في مسجد بلال بن رباح حتى منتصف عام 2014 عندما قرر الجيش اللبناني، وعناصر من “حزب الله” مداهمة مسجده، وقتلوا عددا كبيرا من أنصاره. 

وفي ظروف غامضة، اختفى الأسير وصديقه الفنان فضل شاكر الذي عاد بعد قليل واستعادة حياته الفنية، متخليًا عن لحيته الطويلة، وعن ملهمه الأسير. 

واتهم 54 شخصا، بينهم الأسير، بتهمة “تأليف مجموعات عسكرية تعرضت لمؤسسة الدولة المتمثلة بالجيش، وقتل ضباط وأفراد منه، واقتناء مواد متفجرة وأسلحة خفيفة وثقيلة استعملت ضد الجيش”. 

وذلك على خلفية الاشتباكات التي شهدتها صيدا عام 2013 بين الجيش اللبناني و”حزب الله” من جهة، وبين أتباع الأسير وعناصر محسوبة على “جبهة النصرة” من جهة أخرى، وقتل فيها ضابطان و16 جنديا من الجيش اللبناني، فيما خسر الأسير خلالها العشرات من مقاتليه. 

وبعد تنفيذ الجيش اللبناني عمليات رصد وملاحقة لأتباع الأسير الذين ساندوه فيما عرف بمواجهات “عبرا” شرق صيدا، ألقي القبض عليه عام 2015، في مطار رفيق الحريري ببيروت، خلال محاولته السفر إلى نيجيريا عبر القاهرة ، مستخدمًا جواز سفر مزورًا بعد أن غَيَّر مظهره. 

وكانت المحكمة العسكرية قد قضت في عام 2017 بإعدام الأسير في القضية المعروفة إعلاميا باسم “أحداث عبرا”. 

الأسير الذي ترعرع في منطقة حارة صيدا ذات الغالبية الشيعية، صنعته شهرته من خلال مناكفته معسكر إيران في لبنان، وما يزال يؤكد أن ما جرى مع حركته وأنصاره مؤامرة محبوكة شاركت فيها أطراف سياسية لبنانية مختلفة، لصالح “حزب الله” وحلفائه. وأن وزير الداخلية السابق مروان شربل اتصل به قبل “معركة عبرا” في صيف عام 2013، وأبلغه بأن قرارًا اِتُّخذ لإنهائه. 

هل الحكم الأخير هو الضربة القاضية التي يوجهها معسكر إيران في لبنان له؟

علي سعادة – السبيل

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: