حسن أبو هنية
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

أزمة الإسلام أم أزمة ماكرون؟

حسن أبو هنية
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

لا يكف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تصدير أزمات فرنسا المزمنة وفشل سياساته بتنوير بلاده والعالم، في كل مناسبة أو بدون مناسبة، بأن الإسلام مصدر أزمات العالم وسبب مشكلاته. وقد أتحفنا مؤخراً بقوله إن الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم، وإن على فرنسا التصدي لما وصفها بالانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية.

ورغم أن ربط الإسلام بكل ما هو سلبي باعتباره نقيضاً لليبرالية والعلمانية سمة غربية راسخة، إلا أن ماكرون يتفوق على أسلافه وعلى أقرانه، أمثال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فإذا كان الأخير يكشف دون لبس عن عنصرية جاهلة وإمبريالية فاضحة، فإن ماكرون يتلبس بمعرفة زائفة وعدالة كاذبة، لإخفاء السمات اللائكية العنصرية والأطماع الكولونيالية والنزعة الإمبريالية.

في خطابه التنويري الأخير في غرب باريس، حول الإسلام، استخدم ترسانة من المصطلحات العنصرية من “التشدد الإسلامي”، و”النزعة الإسلامية الراديكالية”، و”الانفصال الإسلامي”. وكلما اقترب ماكرون من موعد الانتخابات زادت عنصريته للاقتراب من اليمين المتطرف. فقد سبق أن هاجم “الإسلام السياسي” وقال إنه “ليس له مكان”، وادعى أنه “يمثل تهديداً ويريد أن يحدث انقساماً داخل جمهوريتنا”. وعندما زار مصر العام الماضي والتقى الرئيس الدكتاتوري الانقلابي عبد الفتاح السيسي، استخدم مصطلح “الإرهاب الإسلامي”.

وقد تفتقت قريحته عن نحت مصطلح “الانفصال الإسلامي”، الذي يهدد فرنسا، واقترح مشروع قانون ضد “الانفصال الشعوري”، بهدف “مكافحة من يوظفون الدين للتشكيك في قيم الجمهورية”، وهو مشروع يستهدف الجالية المسلمة دون مواربة.

ومع تلك العنصرية الفاضحة، ادعى ماكرون أن فرنسا لا تستهدف الإسلام أو المسلمين، وإنما التشدد والتزمت اللذين خلّفا العنف والضياع على حد تعبيره. وأضاف أن هناك تأثيرات خارجية في فرنسا لجماعات مثل الوهابية والسلفية والإخوان المسلمين، وأن السلطات الفرنسية تركت هؤلاء يتطورون وينتشرون على الأرض الفرنسية، ويقيمون مشاريع سياسية بتمويلات خارجية، على حد قوله.

قدم ماكرون تفصيلا لتصريحاته التي ألقاها في شباط/ فبراير الماضي حول وضع حد لجلب أئمة من الخارج، وفرض رقابة مالية أكثر صرامة على المساجد الخاضعة لـ”تدخل خارجي”. وأعلن عن تعديل قانون عام 1905 بشأن فصل الكنيسة عن الدولة الذي يمثل عماد العلمانية الفرنسية، وفرض رقابة أكثر صرامة على الجمعيات الإسلامية، ولا سيما تلك التي تتضمن “مدارس” لتعليم الأطفال. وسوف يقدم مشروع القانون لمجلس الوزراء بداية كانون الأول/ ديسمبر المقبل، ثم تتم مناقشته في البرلمان في النصف الأول من عام 2021، أي قبل الانتخابات الرئاسية عام 2022، وهو ما يكشف الاستثمار السياسي الانتخابي للإسلاموفوبيا ومعازلة اليمين المتطرف.

ظاهرة العنصرية وكراهية المسلمين لها جذور تاريخية راسخة في فرنسا، لكنها تنامت بصورة لافتة منذ عام 2015، عقب هجوم شارلي إيبدو وهجمات باريس. ففي ظل حالة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة آنذاك، والتي امتدت حتى نهاية 2017 وأسفرت عن قانون “الأمن الداخلي ومحاربة الإرهاب” بعد رفع حالة الطوارئ، أغلقت عشرات المساجد وقاعات الصلاة بدعوى ترويجها للتطرف، وخضع المسلمون للرقابة، ووضع العشرات تحت الإقامة الجبرية.

وفي كانون الثاني/ يناير 2019، أسس ماكرون “الجمعية الإسلامية للإسلام في فرنسا”، لتكون مسؤولة عن مراقبة جمع التبرعات وجمع مداخيل ضريبة المنتجات الحلال، بالإضافة إلى تدريب الأئمة واستقدامهم. وجرى الإعلان عن خطة تهدف إلى مواجهة ما سماه ماكرون “الانفصال الإسلامي”.

لا جدال في أن فرنسا تعد واحدة من أسوأ الدول الغربية في التعامل مع مواطنيها المسلمين، نتيجة تبنّي نموذج متطرف في العلمانية استُخدم كمبرر للتمييز ضد المسلمين، بدعوى الاندماج ومحاربة التطرف. ويشير مفهوم الاندماج على الطريقة الفرنسية ببساطة إلى التخلي عن الإسلام. ولا يقتصر التنوير الفرنسي لأزمات العالم على الداخل الفرنسي، فالقراءة الفرنسية الماكرونية للأزمة أنها انعكاس لأزمة الإسلام ذاته، ولذلك تدعم فرنسا الأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي بذريعة محاربة الأرهاب الإسلامي والإسلام السياسي، وتتدخل مباشرة في مستعمراتها القديمة بحجة مكافحة الإرهاب الإسلامي في مالي وليبيا وسوريا وغيرها.

لا تزال فرنسا تحتفظ بالرؤى الاستشراقية والجيوستراتيجية بتعريف الإسلام كنقيض للغرب وعدو للعلمانية الليبرالية، فالتعددية والمساواة لا تشمل المسلمين.

وحسب الفيلسوف عبد النور بيدار، في فرنسا التي تتشكل من “أرخبيل” من المجتمعات”، فإن الجزيرة المسلمة هي التي ينصب على الانتباه أكثر من غيرها، حيث يوصف سكانها بأنهم خطر محتمل على الجمهورية. ويتساءل: متى يتوقف الفرنسيون عن استفزاز الرأي العام بشماعة الإسلام؟ وهل هذا الإسلام هو العدو؟ وهل إعادة أسلمة الشباب المسلمين هي التي يجب أن تثير قلقنا أكثر، أم الحالة المتدهورة عموما للمجتمع الفرنسي، حيث إن الشباب عموما، والشباب المسلمين المهاجرين خاصة، لا يجدون لأنفسهم مكانا؟ ولماذا يعزل دائما موضوع الإسلام من بين هذه الأسباب الاجتماعية الخارجة عن الإسلام؟ إذ لا ينبغي أن يبدو الإسلام المتشدد والراديكالي سببا لقلقنا أكثر من كونه أحد أعراض حالات إفلاسنا، لأن “السياق العام للفقر المدقع، من صراع هوية وانهيار أسرة وتغيب عن المدرسة” هو المسؤول الأول عن ظهور الإسلام المتشدد بين الشباب.

إن الأسباب العميقة والجذرية للتطرف تستند إلى معطيات وظروف موضوعية، سياسية واقتصادية واجتماعية، ففي الحالة الفرنسية يؤكد فرانسوا بورغا على ضرورة الربط الجدلي بين التصرفات المتطرفة التي تتجلّى في فرنسا أو الغرب مع “آلام حقبة ما بعد الاستعمار، حيث تماهي الشباب مع القضية الفلسطينية ورفضهم التدخلات الغربيّة في الشرق الأوسط وإقصائِهم داخل مجتمعٍ فرنسيّ عنصريّ ومعادٍ للإسلام”. ويرفض نفي العلاقة بين التطرف وصلتها بالأداءِ السيّئ لفرنسا تجاه سياسات الاندماج وماضيها الاستعماري، أو الأخطاء السياسيّة التي سبق وارتكبتها في العالم الإسلامي، “إذ يتقاسم هذا الموقف مع نظيرِه الثقافوي سبيلاً من شأنه أن يؤدّي إلى التنصل من مسؤوليتنا”.

إن سبب هذا التناقض ذو صلة بتاريخ وحاضر السياسات الفرنسية، فالفظائع الاستعمارية الفرنسية يصعب حصرها. وحسب جوزيف مسعد، تشمل تقديرات الذين قتلوا على أيدي الفرنسيين أكثر من مليون فيتنامي ومليون جزائري، أما بالنسبة لمدغشقر، فتصل التقديرات إلى أكثر من مئة ألف شخص قتلوا على أيدي الفرنسيين. وهذه ليست سوى أمثلة قليلة على الوحشية الاستعمارية الفرنسية في بعض المستعمرات، وليست قائمة شاملة على الإطلاق.

أما الاستعمار الفرنسي الذي طرح نفسه كحامل لواء “مهمة حضارية”، فقد أخفق بشكل واضح بتحضير الفرنسيين أنفسهم قبل أن يحضّر أي شعب آخر، إذ لا تقتصر مسألة الكيفية التي يُنظر بها للفرنسيين فقط على التاريخ، بل هي ذات صلة أيضاً بالحاضر. ففي حين كان دمج السكان الأصليين في ثقافة وحضارة الفرنسيين المستعمِرين جوهر الكولونيالية والبرنامج الاستعماري الفرنسي، فقد راحت هذه الفلسفة تطارد الفرنسيين أنفسهم بعد انسحابهم الجزئي من المستعمرات، ووجدوا أن المهاجرين الأفارقة والعرب والهنود الصينيين، وغيرهم في فرنسا؛ “غير قابلين للاندماج” في السبل “الفرنسية”.

يبدو أن المهاجرين إلى فرنسا من الألمان والروس والإسبان والإيطاليين، والمجريين على وجه الخصوص، هم فقط القابلون للدمج والاستيعاب الآن في المجتمع الفرنسي، بخلاف المهاجرين ذوي البشرة الغامقة، ولا سيما غير المسيحيين منهم

ويبدو أن المهاجرين إلى فرنسا من الألمان والروس والإسبان والإيطاليين، والمجريين على وجه الخصوص، هم فقط القابلون للدمج والاستيعاب الآن في المجتمع الفرنسي، بخلاف المهاجرين ذوي البشرة الغامقة، ولا سيما غير المسيحيين منهم. والسمة الأخيرة هذه، أي العلمانية المزعومة، هي التي أصبحت جزءاً من العنصرية الرسمية وغير الرسمية ومن الحملات الطائفية التي يروِّج لها الفرنسيون الكاثوليكيون، “العلمانيون” بالطبع، ضد الفرنسيين المسلمين، ناهيك عن المسلمين خارج فرنسا. ومن هنا يوصف المسلمون الفرنسيون بأنهم من أصول جغرافية ودينية وثقافية أجنبية، من خارج فرنسا، وهي تهمة لا توجه البتة للمواطنين الفرنسيين من أصول إيطالية وألمانية وروسية وإسبانية ومجرية مهاجرة.

خلاصة القول أن الإسلام الذي بات بلا دفاعات، بوجود أنظمة عربية دكتاتورية تتماهى مع أطروحات داعميهم من الإمبرياليين حول مصطلحات الإرهاب الإسلامي، تفسح المجال واسعاً لرؤساء غربيين إمبرياليين متعبين يعانون من فشل سياساتهم، بتصدير أزماتهم باعتبارها انعكاساً لأزمة الإسلام. فالرئيس الفرنسي الذي يعاني من انخفاض شعبيته بسبب عقم سياساته المحلية التي انكشفت مع احتجاجات السترات الصفراء في السابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، وبسبب إفلاس سياساته الخارجية في ليبيا ومالي وسوريا، وضد تركيا.

يسعى ماكرون إلى تعويض شعبيته على حساب إسلام بلا دفاعات، وهي لعبة مكشوفة لدى اليمين الذي يغازله ماكرون

إذ يسعى ماكرون إلى تعويض شعبيته على حساب إسلام بلا دفاعات، وهي لعبة مكشوفة لدى اليمين الذي يغازله ماكرون. ففي تعليقه على خطة ماكرون ضد التطرف الإسلامي في الأحياء الفرنسية، انتقد المتحدث من “التجمع الوطني” اليميني المتطرف في فرنسا، سيباستيان تشينو، قيام ماكرون بهذه “الخطوات الكبيرة والتي جاءت قبل الانتخابات لإشعال الموضوعات المزعجة في البلاد”.

ويبدو أن الجيل الجديد من الزعماء العرب الدكتاتوريين لا يعنيهم وصف الإسلام بالإرهاب والتطرف والتشدد والانعزال، طالما أن مشغليهم الإمبرياليين راضون عن وجودهم في السلطة، وفي ظل هذه الوضعية من إسلام بلا دفاعات، يتعرض لهجوم متواصل، هل يمكن السؤال عن أسباب التطرف في المنطقة، أم أن السؤال المحيّر يجب أن أن يكون لماذا لا يتطرف المسلمون الذين يتعرضون للعنصرية والاضهاد والظلم والحصار داخل بلدانهم وخارجها، ويوسم إسلامهم كل يوم بكافة الصفات السلبية والنعوت القدحية؟ ذلك هو السؤال..

(عربي21)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts