فضل داود
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

أمريكا التي نعرف

فضل داود
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

استهل الرئيس الأمريكي “بايدن” أول حديث له في التعليق عما يحدث في فلسطين أثناء الحرب الأخيرة قائلا: “أؤيد حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وفي حديثه مع رئيس الوزراء الاسرائيلي قال: “آمل في إنهاء الصراع عاجلا وليس آجلا، ومن حق اسرائيل الدفاع عن نفسها عندما يكون هناك آلاف الصواريخ التي تسقط عليها”.
وسبقه من قبل وزير خارجيته “بلينكين” في قوله: “الولايات المتحدة تؤيد حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها أمام الصواريخ التي تنطلق من غزة”. كما أكد وزير دفاع العدو الصهيوني بأن بلينكين لم يضغط على الاسرائيليين لوقف العمليات على غزة.

وكأنهما (بايدن وبلينكين) يريدان تذكيرنا عن غير قصد بتاريخ الولايات المتحدة وبطولاتها الكاذبة التي مارستها طوال تاريخها الممتد مند تأسيسها وحتى يومنا الحاضر، فالأحداث تتشابه والتاريخ يتكرر، ولكن تختلف الوجوه ويختلف المستضعفون، أما العقلية فهي واحدة، والكراهية التي تسيطر على القلوب واحدة، وذلك مبعثه سلسلة من الشواهد التاريخية التي يجدر بنا التوقف عندها اليوم، بعد أن هدأ غبار المعركة، وتم وقف إطلاق النار إلى حين، ولنبدأ بالهنود الحمر…

1- إبادة “الهنود الحمر”
قامت أمريكا بمحو تاريخ شعب بأكمله، وأعني بذلك “الهنود الحمر”، فقد قامت بأكبر عملية إبادة جماعية بحق السكان الأصليين للولايات المتحدة، وفوق ذلك كله قامت بمنعهم من ممارسة حقهم في الحياة بشكل طبيعي على أرضهم، فضيقت عليهم الوظائف، ومنعتهم من حقوقهم الطبيعية ومن العيش الكريم، وكل ذنبهم أنهم السكان الأصليين للأرض. وهذا بالـتأكيد ما يمارسه الكيان الصهوني بحق الشعب الفلسطيني اليوم، وللأسباب نفسها.
اتفق “الأمريكيون الجدد”، وهم شتات من الأوروبيين المحتلين، على أن “الهنود الحمر كائنات منحطة بالوراثة وأقل منزلة من الإنجليز والإسبان وعموم الأوروبيين”، وهذه النظرة الدونية كانت الشرط التمهيدي لتجريد السكان الأصليين من حقوقهم الإنسانية، وارتكاب المجازر الوحشية ضدهم.
وبعد اكتشاف الأوروبيين للقارة الأميركية، وبدء حركة الهجرة والاستيطان، اقترنت إبادة “الهنود الحمر” برؤية توراتية وعلمانية مزدوجة، فسمى المتدينون البيوريتان (إحدى طوائف البروتستانت) أنفسهم عبرانيين، وظنوا أنهم في مهمة مقدسة لتطهير أرض الميعاد من الكنعانيين. ولم يختلف الأمر كثيرا لدى العلمانيين الذين قدموا لإزاحة “الهمج” عن طريق العقلانية والتنوير”[1].

آمن “الأمريكيون الجدد” بأنهم أمة “استثنائية، وأنها متفوقة على أي أمة أخرى”، وهذا تشابه آخر بينهم وبين الكيان الصهيوني في رؤيته للآخر، وحربه ضد “الظلام والجهل” وأنهم مشعل النور وأداة التغيير في منطقة الشرق الأوسط المظلم.

جاء “الأمريكيون الجدد” إلى الأرض الجديدة، واحتفلوا سنويا بعيد الشكر (Thanksgiving) وبالنهاية السعيدة التي ختمت قصة نجاتهم من ظلم فرعون البريطاني و(خروجهم) من أرضه، و(تيههم) في البحر، و(عهدهم) الذي أبرموه على ظهر سفينتهم مع يهوذا، ووصولهم في النهاية إلى (الأرض الموعودة). ومن هنا نرى تشابها بين ما فعله المستعمرون الأوروبيون وما آمن به “العبرانيون القدامى” ومفاهيمهم عن السماء والأرض والحياة والتاريخ، فأطلقوا على فلسطين اسم “أرض الميعاد” و”صهيون” و “إسرائيل الله الجديدة” وغير ذلك من التسميات التي نعايشها اليوم.

واستمد “الأمريكيون الجدد” سياسة الإبادة الجماعية للهنود (وغير الهنود أيضا) من هذا التقمص التاريخي لاجتياح العبرانيين لأرض كنعان. فقد كانوا يقتلون الهنود الحمر أصحاب الأرض وهم على قناعة بأنهم عبرانيون فضّلهم الله على العالمين، وأعطاهم تفويضا بقتل الكنعانيين، وكانت تلك الإبادة، الإبادة الأكبر والأطول في التاريخ الإنساني، الخطوة الأولى التي مهّدت للوصول إلى مجزرتي هيروشيما وناجازاكي، والحرب الفيتنامية فيما بعد[2].
وتذكر الإحصاءات أنه تم إبادة ما نسبته 95% من الهنود الحمر في أميركا، وهو ما يمكن ان يشكل 300 مليون قتيل[3] في بعض التقديرات.

ويرى بعض المختصين بالتاريخ الأوروبي والولايات المتحدة أن عمليات القتل لم تكن عشوائية أو محض صدفة، وإنما كانت عملية مقصودة خُطّط لها من قِبَل المستعمرين، وأن الإنجليز هم أكثر القوى الاستعمارية ممارسة للإبادة الجماعية، فهدفهم في العالم الجديد هو إفراغ الأرض من أهلها وتملّكها ووضع اليد على ثرواتها، وهذا ما فعلوه في كل مكان وصلت إليه أيديه، كما حصل بعد ذلك في دول عدة في القارة الأفريقية والقارة الهندية وغيرها.

2- الحرب الأمريكية الفلبينية 1899 – 1902
ترتبط هذه الحرب برابط وثيق يتصل بالحرب السابقة بين أمريكا وإسبانيا، فبعدما احتلت القوات الأمريكية الفلبين -التي كانت خاضعة للحكم الإسباني وقتها- ساندت الولايات المتحدة الأمريكية الثوار الفلبينيين الذين كانوا قد بدؤوا الصراع بالفعل ضد الحكومة الإسبانيّة لتحرير الفلبين، ولكن الولايات المتحدة لم تمهل الفلبين؛ لأنه بمجرد انتهاء الحرب بين إسبانيا وأمريكا؛ خرجت اسبانيا وبقيت الولايات المتحدة وكأن ما تبدل هو علم الدولة المُحتلة فقط.
ولكن الثوار والقادة الفلبينيين لم يعترفوا باتفاقية باريس عام 1898م التي أنهت الحرب الأمريكية الإسبانية، التي نصَت على تسليم السيادة على الفلبين من إسبانيا إلى أمريكا، وظلوا على منهجهم في المقاومة ضد أي محتل، واستطاعوا السيطرة على أغلب أجزاء الأرخبيل الفلبيني فيما عدا مدينة “مانيلا” وهي مركز الدولة وعاصمتها، والتي ظلت تحت السيطرة الأمريكية، وبعد ثلاثة أشهر من احتلال مانيلا وصلت القوات الأمريكية وبدأت في الزحف للسيطرة على باقي أجزاء الفلبين حتى بدأت الحرب رسميًّا بين أمريكا وقوات الفلبين الوطنية في فبراير 1899 واستمرت الحرب الدامية التى تُعد واحدة من أكثر الحروب بشاعة وخسارة في أرواح المدنيين الفلبينيين. وقد قتل في هذا الاحتلال20 ألف جندي فلبيني و200 ألف مدني فلبيني.

3- الحرب العالمية الثانية 1942 – 1945
بإجمالي الخسائر البشرية والمادية في تلك الحرب؛ اعتبرها العالم أكثر الحروب ضراوة ودموية وتخليفًا للدمار في التاريخ الإنسانيّ المدوّن، الحرب التي بدأت عام 1939 بين دول المحور في مواجهة ودول الحلفاء، وفي عام 1941، أعلن الرئيس الأمريكي “فرانكلين دي روزفلت” الحرب على دول المحور، وتدخلت القوات الأمريكية بكل ما تمتلك من عتاد وجنود في أوروبا وشمال أفريقيا وانتهت بـالقصف النووي المريع لمدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، وخاضت الكثير من المعارك الدموية حتى انتهاء الحرب رسميًا وانتصار دول الحلفاء عام 1945 وفي هذه الحرب خَسر العالم ما يتراوح بين 45 و 55 مليون إنسان.

4- حرب فيتنام 1965 – 1975
واحدة من أكثر الحروب تعقيدًا في تاريخها والأطراف المتشابكة حولها، بدأت بانتهاء السيطرة اليابانية وانسحاب قواتها من فيتنام – التي كانت لعقود طويلة مستعمرة فرنسية – بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية.
وفي عام 1954 تدخلت الاستخبارات الأمريكية في الجنوب الفيتنامي حتى يستمر الدعم الرأسمالي لطرف المعركة التي بدا جليًا أنها صارت جزءًا من الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وبعد الكثير من الاضطرابات العسكرية والسياسية في فيتنام؛ ومن ثم بدأت القوات الأمريكية تغوص تدريجيًا في مستنقع فيتنام.
وفي عام 1964، جاء قرار أمريكا الرسمي بعد موافقة الكونجرس الأمريكي على التدخل بكامل العتاد العسكري للتخلص من فيتنام الشمالية عام 1965، الذي استمر لمدة 10 سنوات.
في العام 1973 وافقت أمريكا على توقيع اتفاقية سلام بينها وبين فيتنام الشمالية، وبدأت في اتخاذ قرار التراجع عن الحرب في فيتنام، وفي عام 1975 سقط الجانب الجنوبي من فيتنام بعد صراعات دامية بينه وبين فيتنام الشمالية، ثم بعدها بعام توافق الجانبان الشمالي والجنوبي على قيام دولة موحدة جمعت الطيفين بعد عقود طويلة من الصراع المسلح.
وقد كانت الخسائر البشرية حينها من 1.5 إلى 2 مليون مدني وعسكري فيتنامي.

5- حرب أفغانستان 2001 – 2014
في أكتوبر/تشرين الأول 2001تحرّكت القوات الجوية الأمريكية لقصف مواقع تابعة لحركة طالبان؛ بينما تحرّكت قوات أرضية بمشاركة بريطانية إلى أفغانستان، وبحلول نوفمبر/ تشرين الثاني 2001 زحفت قوات التحالف الأمريكي البريطاني نحو مدينة كابول دون مقاومة، وفي غضون عدة أسابيع سقطت المدينة وبدأت أمريكا عمليات عسكرية بهدف تصفية رموز وقادة المعارضة، وخاضت بعد ذلك قوات التحالف معارك ضارية خلال 14 عامًا ظلت فيها القوات الأمريكية في أفغانستان بكثافة حتى العام2014 ، وبقيت بعد ذلك القواعد العسكرية الأميركية في أفغانستان حتى يومنا هذا، وكانت الخسائر البشرية من الأفغان أكثر من 100 ألف إنسان، بين مدني وعسكري.

6- حرب العراق 2003
قامت الولايات المتجدة الأمريكية بقصف بعض المواقع العراقية في مارس/ آذار2003، وكان هذا القصف بمثابة البداية لحرب قامت على ادعاء بامتلاك العراق لأسلحة نووية والتي تبين لاحقا بأنها إدعاءات كاذبة ولم تنكرها ذلك الولايات المتحدة.
وبحلول شهر ديسمبر/كانون أول 2003كانت القوات الأمريكية قد دمّرت الكثير من المواقع المدنية والعسكرية وأحكمت السيطرة على العاصمة بغداد، وأغلب المدن العراقية الكبرى. وفي عام 2011 تم إنهاء العمليات العسكرية، وتسليم السلطة إلى حكومة عراقية، بينما ظل بعض التواجد للجيش الأمريكي لضمان سير ما يعرف بإعادة إعمار العراق.
وكانت البشرية ما يقرب من 500 ألف عراقي .

7- الحروب الأمريكية تتسبب بنزوح أكثر من 37 مليونا
كشف تقرير صادر عن جامعة أمريكية، أن الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة تسببت بنزوح ولجوء أكثر من 37 مليون شخص، منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001جاء ذلك في تقرير جامعة “براون” والذي يحمل عنوان: خلق أزمة اللاجئين – النزوح الذي سببته حروب الولايات المتحدة بعد 11 سبتمبر 2001.
وذكر التقرير أن الرقم المذكور “هو أكثر من أولئك الذين شردتهم أي حرب أو كارثة منذ بداية القرن العشرين، باستثناء الحرب العالمية الثانية”.
وقال إن معظم اللاجئين استضافتهم دول شرق أوسطية، رغم أن الولايات المتحدة استقبلت مئات الآلاف منهم.
وذكر التقرير أن 37 مليونا هو تقدير متحفظ للغاية، وأن إجمالي النازحين بسبب الولايات المتحدة بعد 11/9 حروب قد يكون أقرب من 48 إلى 59 مليونا.

خلاصة القول:
بعد ما تم ذكره من احصاءات وحروب وتدخلات من الولايات المتحدة في مناطق شتى من العالم وبيان أن الولايات المتحدة تسببت (وحدها أو بالمشاركة مع حلفائها) بقتل ما لا يقل عن 500 مليون إنسان حول العالم، خلال السنوات المائة الأخيرة فقط.
إننا أمام دولة ساهمت في جلب المآسي لملايين الشعوب المستضعفة حول العالم، إما بدافع الانتقام أو بحثا عن نفوذ، أو سعيا وراء مصالح ذاتية، أو انتصارا لحليفتها في المنطقة (دولة الكيان الصهيوني) التي تمارس كل أشكال العدوان بحق الشعب الفلسطيني الأعزل بدعم كامل من الولايات المتحدة الأميركية.
إن تغيير الإدارات الأميركية لم يغير من سياسات دعم الكيان الصهيوني والحفاظ على تفوقه وعلى أمنه، واعتبار ذلك الثابت الأساسي في السياسات الأميركية في المنطقة، لذا فإنني لست متفائلا بدعم أميركا لأي حق من حقوق الشعب الفلسطيني، وأرجح أن تواصل أميركا تحت إدارة بايدن دعم خطة السلام المسماه “صفقة القرن” مع بعض التعديلات البسيطة التي يتم ترتيبها بموافقة الكيان الصيوني، ووفقا لما يحقق أمنه وتفوقه.

مراجع:
[1] أحمد دعدوش، باحث سوري.
[2] منير العكش، الأستاذ بجامعة سفولك الأميركية:
[3] كلاوس كونور، الأستاذ بجامعة برينستون.
[4] وكالة الأناضول.
[5] موقع قناة الجزيرة – ميدان.

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts