إخوان مصر بعد حادث “عزت”.. قرارات “علاجية”؟

إخوان مصر بعد حادث “عزت”.. قرارات “علاجية”؟

أخضعت جماعة الإخوان المسلمين بمصر، نفسها لأول مرة منذ تأسيسها عام 1928، لعمليات أشبه بالجراحية الاضطرارية، لتفادي تداعيات حادث التوقيف المفاجئ للقائم بأعمال مرشدها العام محمود عزت في 28 أغسطس/آب الماضي، بعد 7 سنوات من الملاحقة والتضييق.

قبل توقيف عزت شرقي العاصمة القاهرة، كان هناك مكتب إرشاد يعد السلطة التنفيذية الأعلى بالجماعة، دون الاقتراب من صلاحياته بالتغيير أو التعديل، رغم تواجد أغلب أعضائه في السجون المصرية منذ 2013، عقب إعلان السلطات المصرية الجماعة محظورة في أعقاب الإطاحة بالرئيس الأسبق الراحل محمد مرسي.

** من الداخل

وكان المشهد من داخل الإخوان، يسير رغم الضربات الأمنية المتكررة، بعزت قائما بأعمال المرشد بمعاونة لجنة إدارية للجماعة من داخل مصر، فضلا عن مجلس شوري عام للجماعة (أعلى هيئة رقابية) أغلبه خارج البلاد، بجانب عضو مكتب إرشاد وحيد خارج مصر، يتولى منصب الأمين العام له، ونائب للمرشد يتواجد في الأغلب بلندن.

انقلب المشهد بصورة دراماتيكية، بتسمية نائب المرشد إبراهيم منير مسؤولا للجماعة ولأول مرة من خارج مصر، وتجميد مكتب الإرشاد أيضا لأول مرة بتاريخها، واختيار لجنة إدارية جديدة، وإلغاء منصب الأمين العام (محمود حسين)، في قرارات وصفت من مراقبين بأنها “غير مسبوقة”، وأشبه بـ”جراحة اضطرارية عاجلة”.

وتفاصيل إتمام هذا المشهد المفاجئ، جاءت في أعقاب ارتباك داخلي “غير معهود” طيلة سنوات، وعقبات إدارية “شديدة التعقيد”، منذ توقيف عزت، إذ كان أمام الجماعة أزمة اختيار قائم بأعمال المرشد، من خارج مصر، في ظل عدم وجود قيادة بالداخل تحمل المواصفات التنظيمية المناسبة، إذ أغلب القيادات العليا بالسجون.

وتكشف التفاصيل هنا، عن تدخل اسمين بارزين لعلاج أزمة الجماعة، ومواجهة حالة القلق والتسريبات والضغوط “المتصاعدة” خارج غرفة العمليات الداخلية للجماعة، الأول إبراهيم منير (83 عاما)، وهو نائب المرشد العام للجماعة، والثاني طلعت فهمي المتحدث باسمها.

** مرحلة جديدة

في 14 سبتمبر/أيلول الماضي، وبعد أيام على توقيف عزت، أصدر منير بيانا مفاجئا يحمل اسمه، يتحدث عن “مرحلة جديدة” للجماعة، وسط تسريبات نشرها إعلام داعم للجماعة في الخارج، تشير إلى “الإطاحة” بالأمين العام محمود حسين.

ووسط حالة من اللغط، تدخل فهمي سريعا عبر تصريح على فضائية “وطن” الناطقة بلسان الجماعة، ليكشف أن منير أصبح بالفعل المسؤول الأول بالجماعة والقائم مقام المرشد، وسط تأكيد أن بيان الأخير لم يتطرق لمنصب الأمين العام.

قبل أن تعلن الجماعة عن بيان ثان لمنير في 17سبتمبر/ أيلول الماضي، أبرز ما فيه إلغاء مسمى الأمانة العامة وتشكيل لجنة إدارية تضم في عضويتها حسين بصفته عضو مكتب الإرشاد، بعد يوم من تسريبات حملت المضمون ذاته.

وفي اليوم ذاته، خرج طلعت فهمي في حوار ملتفز مع فضائية “وطن”، ليوضح تفاصيل ما يحدث في الجماعة، وليرد على كيفية تسريب مداولات إدارية بوسائل الإعلام قبل أن تعلنها الجماعة، مشيرا لأزمة “تجاوز أمانات المجالس”، في إشارة لوجود تسريبات من الداخل.

وظلت الجماعة نحو أسبوع من تلك القرارات بين إعلام مؤيد للنظام يتحدث عن انقسامات جذرية داخل التنظيم الأبرز بتاريخ مصر، ومحاولات لتأكيد تماسك صفها الداخلي في لقاءات متلفزة لمنير، حتى تداولت منصات تواصل وإعلام مؤيد للنظام بيانا منسوبا لمجلس شوري الجماعة يتحدث عن الإطاحة بالأخير.

ولم تعلق الجماعة آنذاك، قبل أن يخرج منير في حوار متلفز بفضائية “وطن” في 24 سبتمبر/ أيلول، ليضع النقاط على الحروف ويحسم ملفات ويرسم مشهد الجماعة المقبل.

وأقر منير بوجود “صدمة تمت جراء النقلة (الداخلية) أحدثت بلبلة بسبب وجود قيادة الجماعة خارج مصر لأول مرة في تاريخها الذي يعود لعام 1928”.

وأكد أن اللجنة الجديدة معاونة له بعد تعطيل عمل مكتب الإرشاد، على أن تستمر عامين أو عام على الأقل، وستكون حاملة لمهامه وليس اسمه، وتنسيقية بين الداخل والخارج.

وكشف عن أن اللجنة الجديدة من اختياراته باعتبارها ترتيبات إدارية داخلية بعد توقيف عزت، وليست إنشاء لكيان جديد، ولا تحتاج مشاورة مجلس شوري الجماعة.

** للبقاء أم للتطوير

وفق مراقبين، فإن اللجنة الإدارية الجديدة التي عالج بها منير أزمة القيادة بالجماعة، تعكس عدة أمور إيجابية، بينها ضم شخصيات مقبولة تنظيميا لأجيال عديدة مثل حلمي الجزار، ومحمد البحيري، ما يقلل احتمالات الهيمنة الفردية على سياق أعمال الجماعة، ويفتح مجال لم الشمل الداخلي بعد خروج وإبعاد قيادات وكوارد وتشكيل كيان موازي.

في مقابل حالة “قلق” و”هواجس سلبية” لا تبدو خافية عن مستقبل تلك اللجنة قصيرة الأمد، ومدى قدرتها على تسيير الأعمال بالداخل والخارج والتغلب على أزمات الجماعة المتكررة.

غير أن المؤكد حتى الآن أن تلك العملية الجراحية التي قادها منير البالغ من العمر 83 عاما، بصفته التنظيمية كانت “خروجا” غير مسبوق على النهج التقليدي المعروف بالإدارة داخل الجماعة، وكان الهدف الظاهر منها هو إنقاذ العمل الإداري لجماعة داخل مصر وضخ دماء جديدة في جسد تنظيمي سعى طوال 7 سنوات على البقاء رغم “المحنة” الأكبر في تاريخه، وفق مراقبين.

على الجانب الآخر، لا تبدو خطط التطوير الداخلي، واضحة في معالم “المرحلة الجديدة”، غير أنه وفق مراقبين يبدو وصول منير إلى رئاسة الجماعة، قد يعطي دلالة لتحرك الراكد، في ظل ما يعرف به الأخير بأنه شخصية هادئة قادرة على الإصغاء ولا تميل للمعارك والمناكفات.

غير أن منير كان أحد أكبر دعائم الجماعة على الساحة الدولية بعد سنوات القيود والملاحقات منذ 2013، فضلا عن ما تحمله اللجنة من وجوه إصلاحية كالجزار، وذات شعبية كالبحيري.

إلا أن امتناع منير المتكرر إعلاميا والمعتاد تنظيما، عن الحديث عن تفاصيل التحرك الإخواني المستقبلي، خشية الملاحقات، قد يعطي أولوية للبقاء على التطوير، خاصة والأخير لا يزال موقفه صلبا من رفض النظام ولا يزال أيضا يبدى ممانعة في التعاطي مع كل ما هو له علاقة برأس النظام.

** قرارات استثنائية

يعتقد مراقبون أن القرارات الاستثنائية غير المسبوقة قد لا تتكرر مرة ثانية في الجماعة، سيما على المدى القريب، لأسباب أبرزها أن عقل الجماعة الآن يدار من خارج مصر، إذ لن تخاطر الجماعة بإعلان أسماء تقود من الداخل.

وفي ظل التواصل الإلكتروني على الأرجح بين الداخل والخارج، ستنصب أولويات المشهد الجديد للإخوان في البقاء وإدارة الملفات الحرجة للجماعة داخليا وخارجيا والمتعلقة أهمها بالتكافل ودعم المطاردين وأسر السجناء.

وبالتالي، لن يكون في أولويات الجماعة في هذه المرحلة أيضا تصدر دعوات مناهضة للنظام، لذا قد يفهم حديث منير المتكرر إعلاميا بأن “الجماعة لن تتقدم ولن تتأخر عن حراك الشعب”، في هذا الصدد، وأنها ستتواجد حال تحرك الشارع.

ولا تزال الجماعة تواجه سيلا متدفقا من الشائعات عقب توقيف عزت وتعطيل مكتب الإرشاد وتشكيل لجنة إدارية، إذ بات منذ اللحظة الأولى تحت سندان “الآمال بتحقيق إنجاز على المستوى الداخلي” ومطرقة “الشائعات والضغوط الإعلامية”.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: