إعمار غزة.. كيف ستفي مصر بوعد الـ500 مليون دولار؟

إعمار غزة.. كيف ستفي مصر بوعد الـ500 مليون دولار؟

يترقب الفلسطينيون البدء في عملية إعادة إعمار قطاع غزة الذي استهدفه العدوان الإسرائيلي، وذلك بعد إعلان وقف إطلاق النار فجر الجمعة الماضي، علما بأن مصر كانت قبل ذلك أول دولة تعلن عن تخصيص دعم مالي كبير لصالح جهود إعادة الإعمار.

فقد أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بعد اجتماع مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وملك الأردن عبد الله الثاني -في باريس، يوم الثلاثاء- عن تقديم بلاده مبلغ 500 مليون دولار (نحو 7.8 مليارات جنيه مصري) للمساهمة في إعادة إعمار قطاع غزة، مع قيام الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك في التنفيذ.

اللافت في الإعلان ليس مقدار المبلغ فقط، إذ تعاني مصر من عجز في الموازنة فضلا عن ارتفاع الديون الخارجية والداخلية، إنما في توقيته أيضا، فقد جاء قبل إعلان وقف إطلاق النار، مما زاد الأمر غموضا وتساؤلا عن هذا الإعلان المفاجئ.

ورغم مرور بضعة أيام على إعلان السيسي، فإنه لا أحد يعرف على وجه التحديد كيف ستوفر السلطات المصرية هذا المبلغ، خاصة أنها تعاني من عجز مزمن في الموازنة العامة، وهي مثقلة بديون داخلية وخارجية كبيرة، وهل ستعتمد على أموال التبرعات؟

وعقب المبادرة المصرية، أعلن صندوق “تحيا مصر” عن تخصيص حساب باسم إعادة إعمار غزة في كل البنوك المصرية، لتلقي المساهمات من داخل مصر وخارجها، وتلبيةً للاحتياجات المعيشية والدوائية لسكان قطاع غزة.

يذكر أن صندوق تحيا مصر هو صندوق يتمتع بالاستقلال المالي والإداري، ويتبع رسميا لرئيس الحكومة، لكنه يحظى برعاية خاصة من الرئيس السيسي الذي كان صاحب فكرة إنشائه في 2014، بهدف دعم مصر والتغلب على الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.

وجاء إعلان هذه المبادرة بعد ساعات من إعلان وزيرة الصحة المصرية هالة زايد إرسال 65 طنا من المساعدات الطبية إلى غزة، قيمتها 14 مليون جنيه (890 ألف دولار) للمساهمة في معالجة المصابين.

والسبت الماضي، قالت السلطات المصرية إنها قدمت أضخم قافلة مساعدات لقطاع غزة، وهي عبارة عن 130 شاحنة تحمل 2500 طن من المواد الغذائية والأدوية وألبان الأطفال والملابس والمفروشات والأجهزة الكهربائية، وغيرها من المواد المتنوعة المقدمة من صندوق “تحيا مصر”.

ليس واضحا حتى الآن

وعقب الإعلان المصري، لم تتوقف التساؤلات عن هذه المساهمة، وهل ستقدم السلطات المصرية المبلغ نقدا، أم أنه سيكون على شكل مساعدات ومواد بناء وتنفيذ لبعض المشروعات، مثل بناء بعض المستشفيات أو الوحدات الصحية والمدارس والوحدات السكنية وخطوط الكهرباء والمياه والصرف الصحي؟

وقد لا تملك الحكومة المصرية رفاهية التبرع النقدي، لكنها عادة ما تقوم بتقديم مساعدات عينية إلى العديد من الدول حول العالم التي تربطها بها علاقات جيدة، أو كخطوة رمزية للتضامن مع بعض الدول في محنتها، مثل الهند والصين وإيطاليا في جائحة كورونا.

وبالحديث إلى العديد من المسؤولين والسياسيين المصريين، فقد أكدوا أنه حتى الآن من غير المعروف كيف ستوفر السلطات المصرية مبلغ الـ500 مليون دولار، وهل سيكون نقدا أم في صورة مشروعات؟

وفي هذا السياق، قال مصدر صحفي نقلا عن مسؤول في صندوق “تحيا مصر” إن التعليمات الواردة تتعلق بفتح حساب في كل البنوك المصرية، لتلقي تبرعات المواطنين والشركات ورجال الأعمال والجمعيات والمؤسسات من الداخل والخارج.

وفي حديثه للجزيرة نت، استبعد المصدر أن يكون المبلغ الذي وعد به السيسي سيتم جمعه من خلال تبرعات صندوق “تحيا مصر”، لافتا إلى أن هذه التبرعات ستكون من أجل شراء مستلزمات طبية ومواد غذائية واحتياجات أساسية للأشقاء في قطاع غزة.

وقال مصدر صحفي نقلا عن مسؤول في حزب “مستقبل وطن” -الظهير السياسي للرئيس السيسي في البرلمان- إن مبلغ المساعدات لن يكون نقدا، وإن مصر لا تعطي مساعدات نقدية، وإنما ستكون عبارة عن مواد بناء ومشروعات في القطاع.

وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر المصدر أن وجود الشركات المصرية في قطاع غزة لتنفيذ العديد من المشروعات في البنية التحتية التي تضررت، هو مكسب مصري وفلسطيني على حد سواء، وسيعزز شعور التضامن لدى الإخوة في قطاع غزة، بعد سنوات من الفتور بسبب موقف حركة حماس التي تدير القطاع من النظام في مصر.

وأكد أن الشركات المصرية التي ستقوم الحكومة بإيفادها إلى هناك سيكون لديها الكثير لتفعله، والقطاع بحاجة إلى وقت من أجل إصلاح ما تضرر، وإعادة بناء ما تم تدميره خلال الحرب الأخيرة.

دعم مثير للجدل

وقد حاولت الجزيرة نت التواصل مع مسؤولين في الرئاسة والحكومة والبرلمان، لتوضيح كيفية جمع هذه المساعدات وطريقة تقديمها للجانب الفلسطيني، لكنها لم تتلق ردا.

من جهته، وصف محمد مسعد عضو لجنة الخطة والموازنة في البرلمان المصري سابقا، القرار بأنه يفتقر للشفافية، قائلا إن “مصر تعاني من عجز كبير في الموازنة العامة، ولا يوجد لديها فائض مالي، فمن أين لها بهذا المبلغ الكبير، كما أن الحكومة لم توضح كيفية إرسال أو إنفاق هذا المبلغ”.

وأشار مسعد -في تصريح للجزيرة نت- إلى أن مصر مطالبة بسداد التزامات خارجية بأكثر من 21 مليار دولار، لذا يجب ألا نحمل مثل تلك الوعود على محمل الجد. الكثير من وعود الدول المانحة لا تتحقق، وهي قرارات غير ملزمة، وقد يكون الغرض منها إظهار الدعم وأخذ اللقطة، فلا أحد يحاسب أو يراقب عمل النظام في مصر أو أقواله، بحسب وصفه.

ديون وعجز موازنة

ورغم أن مبلغ 500 مليون دولار هو رقم كلي كبير بالنظر إلى حاجة الحكومة المصرية الماسة للسيولة النقدية، فإنه ليس كبيرا مقارنة بحجم الموازنة العامة للدولة لعام 2020/2021، والبالغة 2.2 تريليون جنيه (139 مليار دولار).

وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن البنك المركزي إلى ارتفاع الدين الخارجي المصري إلى 129.2 مليار دولار حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، مرتفعا بنحو 14.7% على أساس سنوي.

كما أن الموازنة العامة للدولة تعاني من عجز مستمر، حيث بلغ 462.7 مليار جنيه خلال عام 2019/2020، أي ما يعادل 7.89% من الناتج المحلي الإجمالي (الدولار يساوي 15.75 جنيه).

استفادة داخلية وخارجية

وفي سياق متصل، يعتقد العضو السابق في البرلمان المصري محمد جابر أن النظام المصري يمكن أن يحقق العديد من الأهداف والمصالح عبر دعمه لقطاع غزة، منها ما هو داخلي أو خارجي.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح جابر -الذي كان عضوا في لجنة الأمن والدفاع- أن هذا الدعم يختصر خطوات طويلة كان على النظام المصري أن يخطوها لتحسين صورته أمام أميركا، وتوفر عليه نفقات كبيرة كان يخطط لإنفاقها في سبيل ذلك، أما على المستوى الداخلي فسيجعله يبدو في صورة النظام الوطني المناصر للقضية الفلسطينية.

وتحدث الرئيس الأميركي جون بادين للسيسي للمرة الأولى منذ وصوله البيت الأبيض، وناقش معه سبل وقف إطلاق النار، وأثنى على الرئيس المصري بعد التوصل إلى الاتفاق، وهو ما دفع السيسي للتعبير عن سعادته بمكالمة بايدن عبر حساباته الرسمية على مواقع التواصل.

أهداف خفية

ولم يخل الأمر من شكوك كبيرة عبّر عنها سياسيون معارضون وناشطون على مواقع التواصل بشأن إعلان السيسي عن المساهمة المصرية، حيث ذهب بعضهم إلى حد الاعتقاد أنها قد تخفي وراءها نوايا سلبية تجاه المقاومة الفلسطينية.

ولم يستبعد السياسي المصري المعارض عمرو عادل -في حديثه للجزيرة نت- أن “هذا الدعم سيكون من خلال وجود شركات مصرية تعمل في غزة، وبالتأكيد ستكون غطاء مناسبا لعمليات تجسس واسعة من الأجهزة الأمنية المصرية على شبكات البنية التحتية للمقاومة”.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: