إنما الأعمال بالنيات

إنما الأعمال بالنيات

نشرة ” فَاعتبِرُوا ” 107

د. عبدالحميد القضاة

      بعد هجرةِ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ من مكة إلى المدينةِ، لم يتبقىَ في مكةَ إلاّ عددٌ قليلٌ من المسلمين، لم يهاجروا لمرضهم وكبرِ سنّهم، وكان من بين هؤلاء الصحابيُ الجليل ”ضمرة بن جُندب”، لم يستطع أن يتحملَ مشقةَ السفرِ وحرارةَ الصحراءِ، فظلَ في مكةَ مرغمًا.

      لكنّه لم يتحمل البقاءَ بين ظهرانيّ المشركين، خاصة بعد أن علم بقوله تعالى:”أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا”، فقررَ أن يتحاملَ على نفسهِ، ويتجاهلَ مرضهِ وسنّه.

      خرجَ ضمرةُ بن جُندب متوجها إلى يثربَ، فلما بلغ التَّنعيم اشتد عليه مرضه فمات، فدُفن عند مسجد التنعيم، فنزل فيه قوله تعالى “وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ”، فحازَ شرفا لم يحُزهُ غيرهُ، بأن نزلَ فيه قرآنٌ كريم.

      فما على المسلم إلاّ أن يُحسن النية، ويُتقن العمل، ويأخذ بالأسباب ثم يُهاجر إلى اللهِ، وحيثما مات وقع أجره على الله، ولو لم يصل إلى هدفه، فمنهم من دخل الجنة ولم يسجد لله سجدة.

      فالله لا يحاسبُ على النتيجة بل على العمل، فهاهم أنبياء الله الذين أوصلوا الليل بالنهار، وهم يدعون الناس إلى الله، يأتي بعضهم وليس معه أحد كما جاء في الحديث الصحيح، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: “عُرِضَتْ عَلَيّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ النَّبِىُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِىُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ”.

حفظُ اللسانِ

      بلغنا أن قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا، فقال أحدهما لصاحبه، كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال: هي أكثر من أن تُحصى، والذي أحصيته منها ثمانية آلاف عيب، لكنني وجدتُ خصلةً إن صُنتها سترت عيوبَك كلها، قال وما هي؟، قال: حفظُ اللسانِ.

      قال عمرُ بن عبد العزيز: “أدركنا السلفَ وهم لا يرونَ العبادةَ في الصومِ، ولا في الصلاة ولكن في الكفِّ عن أعراضِ الناسِ، فقائمُ الليلَ وصائمُ النهارِ إنّ لم يحفظ لسانه؛ أفْلَسَ يومَ القيامة”. 

    قصةُ أبو بكر الصدّيقِ

      خاض مسطح بن أثاثة في حديث الإفك مع من خاضوا،  فغضب منه أبو بكر، وحلف أن لا يستمر بالإنفاق عليه بعد الذي قال عن عائشة، فلما نزل قوله تعالى” وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ، أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا “، أي إذا كنت تُحب أن يغفر اللهُ لك، أفلا تغفر لمن فعل السيئة معك ؟، قصد المولى بها أبا بكر الصديق، فيتراجع ابو بكر عن يمينه فورا طاعة لله، فما بالنا نُمضي أيماننا، ولا نتّبع أمر الله، ليرتد كيد الشيطان إلى نحره، ونفوز كما فاز أبوبكر الصديق.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: