القاضي سامر مازن القبج
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

اترُك مالا يعنيك

القاضي سامر مازن القبج
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

القاضي/ سامر مازن القبج
عضو المحكمة العليا الشرعية

عندما تسأل المقيمين في بلاد الغرب عن إيجابيات الحياة هناك؛ يُجيبونك بأن الناس لا يتدخّلون بالحياة الشّخصيَّةِ للآخَرين؛ ولا يَملِكون الفُضولَ القاتل لمعرفة أسرارحياتك كما الحال في بلادنا، فإنّ الواحدَ منهم يَحرِصُ كُلَّ الحِرصِ على معرفةِ خُصوصيّاتِ الآخَرين من سعادةٍ أو شقاءٍ ودَخلٍ وتوفير، وإنّ أقصى ما يتمنَّونَ معرفته هو أسرارُ الحياةِ الزَّوجيةِ للآخَرين.
وفي واقعِ وباءِ كورونا اليوم برزت طُرفة مُضحكةٌ مُبكيةٌ وهي أنّ العالمَ كلَّه يَحسِبُ الإصاباتِ بالأرقام وفي الأردن بالأسماء؛ مما حدا بالحكومة أن تُصدِرَ أمرَ دفاعٍ رقم 8 لسنة2020 صادر بمقتضى أحكام قانون الدِّفاع رقم 13 لسنة 1992 ومفادُهُ أنَّهُ يُحظرعلى كل شخص طبيعي أو معنوي القيام بما يلي: التَّعرُّضُ لخُصوصيَّةِ المُصابين أو المُخالطين أو المُشتبهِ بإصابتهم بالوباء؛ وكل ما يتعلق بحياتهم الخاصة كأسمائهم أو صورهم أو أماكن عملهم أو سكناهم.
فضولٌ قاتل في قلوبِ الناسِ وعقولهم يؤذي الآخَرين، أنت تُزعجُ أخاك المُسلم بالأسئلةِ الفُضوليَّةِ أو التَّدخُّلِ في شؤونهِ الخَّاصَّةِ التي لا تتعارضُ مع الشريعة، ويُخالفُ سنَّة سيِّد المُرسلين، فقد حرَّم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن ينظُرَ المسلمُ في كتابِ أخيه بغيرِ إذنه ، وإذا عدنا لديننا الحنيف وجدنا ما يأتي:
أولاً : روى التِّرمذيُّ في سُننه عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال : ” من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعْنيه وفي روايةٍ إنَّ من حسنِ إسلامِ المرءِ قلَّةَ الكلامِ فيما لا يَعْنيه “. رواه الترمذي وابنُ ماجه.
والمَقْصودُ أنَّ مِن كَمالِ مَحاسنِ إسْلامِ المُسلِمِ وتمامِ إيمانِهِ، ابتِعادُه عمَّا لا يَخُصُّه ولا يُهِمُّه وما لا يُفيدُهُ مِن الأقْوالِ والأفْعالِ، وعَدَمُ تدخُّلِه في شُؤونِ غَيرِهِ، وعدَمُ تَطفُّلِهِ على غَيرِهِ فيما لا يَنفَعُهُ ولا يُفيدُهُ؛ ومالا يعنيه: تركُهُ ما لا يُهِمُّهُ من شؤون الدنيا مثلَ كَثرةِ الفُضولِ، وتركُ مالا يُعنيه في أمورِ النَّاس.
قال العلماء: جِماعُ آدابِ الخيرِ تتفرعُ من أربعةِ أحاديثَ؛ قولُ النبي صلى الله عليه وسلَّم:
“ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ” وقولُهُ صلى الله عليه وسلَّم : ” من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُه ما لا يَعْنيه”. وقوله صلى الله عليه وسلَّم :” أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أوْصِنِي، قالَ: لا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا، قالَ: لا تَغْضَبْ. وقوله صلى الله عليه وسلَّم :” لا يُؤمنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسِه “.
قال ابنُ رجب: هذا الحديثُ أصلٌ من أصولِ الأدب .
وقال حمزةُ الكِناني: هذا الحديثُ ثلثُ الإسلام.
وقال ابنُ حجر الهيتمي: هذا الحديثُ ربعُ الإسلام؛ بل نصفُ الإسلامِ؛ بل هو الإسلامُ كُلُّه.
مرَّ رجُلٌ بلقمانَ والناسُ عنده؛ فقال له الرَّجل: ألستَ عبدَ بني فُلان؛ قال:بلى؛ قال:الذي كنتَ ترعى عند جَبلِ كذا وكذا؛ قال: بلى؛ فقال: فما بلغَ بك ما أرى؛ قال: صدقُ الحديث وطولُ السُّكوتِ عمّا لا يعنيني.
قال الحسنُ البَصريُّ: من علامةِ إعراضِ الله تعالى عن العبدِ أن يجعلَ شُغلَهُ فيما لا يعنيه خذلاناً من اللهِ عزَّ وجل.
ثانياً : صعد رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المنبر فنادَى بصوتٍ رفيعٍ فقال يا معشرَ من أسلمَ بلسانهِ ولم يُفضِ الإيمانُ إلى قلبهِ ، لا تُؤذُوا المسلمينَ ولا تُعيّروهُم ولا تَتّبعوا عوراتهِم ، فإنه من يتبِعْ عورةَ أخيهِ المسلمِ تتبعَ اللهُ عورتَهُ ، ومن يتبعِ اللهُ عورتهُ يفضحْه ولو في جوفِ رحلهِ. رواه الترمذي في سننه.
فيكونُ الجزاءُ مِن جِنس العَملِ، فكمَا تتبَّعوا سَقطاتِ المسلمينَ وزلَّاتهِم واغْتابوهم لفَضحِهم، سَخَّر اللهُ تَعالى له مَن يتَّبعُ عورتَه فيفضَحُه حتى وهو في بيتِه.
ثالثاً: روى مسلمٌ في صحيحه عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال : “لا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا في الدُّنْيا، إلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيامَة”.
فلنحرص على هذا الخُلُق؛ فنحنُ أمّةٌ حضاريةٌ؛ لا تتدخّل فيما لا يعنيك؛ ولا تتكلّم في شيءٍ لا تَفهمُه، فلكلٍ وظيفتُهُ في هذه الحياة؛ وكلٌ مطلوبٌ منه إتقانها .
ليس من وظيفتكَ أن تعرفَ أسرارَ النّاس والاطلاع على خُصوصياتهم؛ بل مطلوبٌ منك الاشتغالَ بعيوبِك وإصلاحِها.
لاحقتم المُصابين بالمرض ونقَّبتم عن هُوِيَّاتِهم وأهليهم؛ وشتمتم وأهنتُم؛ وكانوا بأمسِّ الحاجة لدعمكم؛ فإن كانوا مخطئين فالدَّولة هي التي تُقرِّرُ العقاب بعدَ أن تثبُتَ الإدانة.
الإنسانُ نفسٌ محترَمة ومصونةٌ؛ صانها الشرعُ والقانون؛ قليلاً ما سجَّلَ التاريخُ دولةً أرحمَ بالإنسان من أخيه الإنسان.
والله في عون العبد ما دام العبدُ في عون أخيه.

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts