الأبعاد السياسية للخلافات السعودية الإماراتية حول النفط

الأبعاد السياسية للخلافات السعودية الإماراتية حول النفط


ـ مجموعة “أوبك بلس” فشلت في التوصل إلى حل وسط، بعد رفض الإمارات مقترحا سعوديا بتمديد التخفيضات المُتفق عليها، من أبريل 2022 إلى آخر العام ذاته

ـ وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي طلب المعاملة بالمثل أو الإنصاف مثل بقية الدول، رافضا قبول بلاده “استمرار الظلم” حيث إن “أكثر دولة تضررت هي الإمارات”
ـ متابعون يرون أن المسعى السعودي بالضغط على الشركات العالمية عبر فتح مقرات إقليمية على أراضيها يشكل خطوة تنافسية تستهدف الاقتصاد الإماراتي

برزت الانقسامات داخل مجموعة الدول المنتجة للنفط خارج منظمة “أوبك”، المعروفة باسم مجموعة “أوبك بلس”، جلية بعد خلافات بين الرياض وأبوظبي في الأول من يوليو/ تموز الجاري، إثر فشل الجهود في التوصل إلى تسوية ترضي طرفي الخلاف: الإمارات، والسعودية بصفتها اللاعب الأهم إلى جانب روسيا في المنظمة.

من الناحية الفنية، فإن على مجموعة “أوبك بلس” خفض تدفق النفط إلى السوق العالمية بمعدل 5.7 ملايين برميل يوميا حتى نهاية أبريل/ نيسان 2022، وفق اتفاق وقعته دول المجموعة في الشهر نفسه من 2020.

ويشير متخصصون في القطاع النفطي إلى أن المخاوف من نقص المعروض لدى الدول المستهلكة، أدت إلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار ليتخطى خام برنت 75 دولارا للبرميل الواحد.

** الإمارات تتحدث عن “الظلم” اللاحق بها

تعتقد الإمارات أن الكمية المسموح لها بتصديرها لا تتناسب مع حجم الإنفاق على تطوير إنتاجها الذي بلغ عدة مليارات، وأن هناك حاجة لاستغلال زيادة أسعار النفط في السوق العالمية وما تمثله من عائدات مالية.

وبحسب تصريحات وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي، فإن ثلث الطاقة الإنتاجية لحقول النفط في بلاده “معطل” بسبب اتفاقية أبريل 2020، وأنه من غير المقبول استمرار الأوضاع على ما هي عليه بعد انتهاء الاتفاق في 2022.

وعطّل الموقف الإماراتي اقتراحا سعوديا يقضي بزيادة الإنتاج النفطي مليوني برميل يوميا بحلول نهاية 2021، وتمديد بقية القيود القائمة بموجب اتفاقية 2020، إلى نهاية 2022 بدلا من أبريل المقبل.

وبعد تراجع الطلب على النفط بسبب جائحة كورونا، خفضّت مجموعة “أوبك بلس” بموجب اتفاق 2020 إنتاجها بنحو عشرة ملايين برميل يوميا، مع خطط لإنهاء القيود على الإنتاج على مراحل تنتهي بنهاية أبريل 2022.

ويبلغ الخفض الحالي أكثر من 5.8 ملايين برميل يوميا.

بعد تولي محمد بن سلمان ولاية العهد في المملكة، ارتبط بعلاقات وثيقة مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وتنسيق عالي المستوى في السياسات الخارجية للبلدين.

وفي ما يشبه التحالف الثنائي بشراكة البحرين، قطعت الدول الثلاث علاقاتها مع قطر في يونيو/ حزيران 2017.

وتطورت علاقات البلدين في المجال الاقتصادي بعد الإعلان عن مجلس التنسيق السعودي الإماراتي عام 2016.

ومنذ تشكيل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن مارس/ آذار 2015، دخلت الإمارات التحالف واحتلت مكانة متقدمة في الشراكة بقيادته حتى انسحابها من اليمن عام 2019.

ووفقا لوسائل إعلام، فإن مجموعة “أوبك بلس” فشلت بعد يومين من الاجتماعات بحضور ممثلي الدول الأعضاء الـ 23 في التوصل إلى حل وسط، بعد رفض الإمارات مقترحا سعوديا بتمديد التخفيضات المُتفق عليها من أبريل 2022 إلى نهاية العام ذاته.

وطالب المزروعي بالمعاملة بالمثل أو الإنصاف مثل بقية الدول، رافضا قبول بلاده “استمرار الظلم” حيث إن “أكثر دولة تضررت هي الإمارات”.

** سعي سعودي إلى منافسة الإمارات

تسعى السعودية إلى جذب المزيد من المقرات الإقليمية للشركات الدولية إلى أراضيها، في مقابل منحها عقوداً للاستثمار أو تنفيذ المشاريع في المملكة.

وتتخذ معظم تلك الشركات من الإمارات مقرات لها.

لكن معظم الشركات الدولية تفضل أن تكون لها مقرات إقليمية في الإمارات حيث تتوافر ظروف أكثر ملاءمة لنشاطاتها الاقتصادية.

وتحتل الإمارات المرتبة 16 عالميا في تصنيف البنك الدولي لسهولة ممارسة الأعمال للشركات والأفراد، مقارنة بالسعودية التي تحتل المرتبة 62.

ويرى متابعون أن المسعى السعودي بالضغط على الشركات العالمية عبر فتح مقرات إقليمية على أراضيها يشكل خطوة تنافسية تستهدف الاقتصاد الإماراتي الذي يعتمد في نسبة مهمة منه على الاستثمارات الأجنبية لرجال الأعمال والشركات.

وقررت السعودية في فبراير/ شباط الماضي، إيقاف منح العقود الحكومية لأي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي بمنطقة الشرق الأوسط في أي دولة أخرى غير المملكة، بدءا من مطلع 2024.

ويعتقد وزير المال السعودي محمد الجدعان، أن بلاده لديها أكبر اقتصاد في المنطقة، في حين أن نصيبها من المقار الإقليمية ضئيل، أقل من 5 بالمئة حاليا.

ويهدف القرار إلى تعزيز مسعى الحكومة، وفق رؤية ولي العهد لعام 2030، إلى توفير فرص عمل للشباب السعودي واجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر لتنويع اقتصاد المملكة المعتمد على النفط.

كما غيرت السعودية في بداية يوليو قواعدها بشأن الواردات من دول الخليج الأخرى، لاستبعاد البضائع المصنوعة في المناطق الحرة أو التي استخدم فيها أي منتج إسرائيلي، وهو ما يعتبره محللون “تحديا مباشرا” لوضع ميناء “جبل علي” في الإمارات كمركز تجاري إقليمي.

** خلاف من الأبواب الخلفية.. إلى العلن

ثمة خلافات بين السعودية والإمارات في ملفات إقليمية، مثل إيران أو إسرائيل أو اليمن أو سوريا أو ليبيا، وما يتعلق بالخلاف الأخير داخل مجموعة “أوبك بلس”. لكن هذه الخلافات، وفق تصريحات مسؤولي البلدين، تبقى “هامشية” لا تؤثر على التحالف “العميق” بينهما.

وتسعى الإمارات إلى أن تكون منافسا إقليميا للدول الأخرى، مثل السعودية وإيران وغيرهما، بدلا من دور الشريك مع المملكة سياسيا أو اقتصاديا.

وفي خلافات سابقة، مثل الخلاف حول النشاطات العسكرية للمجلس الانتقالي الجنوبي اليمني، المدعوم إماراتيا، ضد قوات الحكومة الشرعية التي يقودها عبد ربه منصور هادي في عدن، يتم في الغالب تسويتها بزيارات لابن زايد إلى السعودية ولقائه ابن سلمان.

وكانت آخر زيارة لولي عهد أبو ظبي إلى الرياض في 5 أيار/ مايو الماضي، التقى خلالها ولي العهد السعودي لمناقشة مبادرة وقف الحرب المستمرة في اليمن، وملفات إقليمية ودولية أخرى، حسب وكالتي أنباء البلدين.

وكانت الرياض أعلنت في مارس الماضي مبادرة لوقف الحرب في اليمن.

لذلك يرى مراقبون، أن الخلاف الراهن يحمل أبعادا سياسية إلى جانب البعد الاقتصادي.

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي خلافات حادة نادرة الحدوث بين سعوديين وإماراتيين، بعد تصريحات وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان عن قبول جميع دول مجموعة “أوبك بلس” مبادرة الرياض وموسكو، بشأن تمديد اتفاق خفض الإنتاج، باستثناء “دولة واحدة”، في إشارة إلى رفض أبوظبي.

ويُوصف الخلاف بين البلدين داخل مجموعة “أوبك بلس” بأنه تصدع واضح في جدار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في ملفات عدة منذ بداية ثورات الربيع العربي عام 2011، وموقفهما الموحد في مواجهة تلك الثورات التي كانت حركات الإسلام السياسي تتصدر مشهدها في بلدان عدة.

وليست المرة الأولى التي تشهد علاقات البلدين خلافات كهذه غالبا ما يتم تجاوزها خلف أبواب مغلقة، مثل الخلافات حول التطبيع مع إسرائيل والحرب في اليمن وسوريا وليبيا والعلاقات مع تركيا أو إيران، وهي خلافات لا تظهر للعلن.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: