جميل أبو بكر
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية: منع الحرص على الإمارة (12)

جميل أبو بكر
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

 إعداد وعرض: جميل أبوبكر

قيم البنـــــاء السياسي         

11- منع الحرص على الإمارة :

ولان المنصب العام أمانة, كان الحرص عليه مظنة الخيانة. فإغراء السلطة وإغواؤها مما يوجب على المجتمع اليقظة الدائمة، وسوء الظن بالطامحين الطامعين في المناصب السياسية, خصوصا مع ما انتبه إليه ابن خلدون ونبه عليه من ان” الملك منصب شريف ملذوذ, يشتمل على جميع الخيرات الدنيوية، والشهوات البدنية، والملاذ النفسانية, فيقع فيه التنافس غالبا”.

وحري بموقع هذا إغراؤه وإغواؤه ان لا يمنح للحريصين المتلهفين. ولذلك جاءت السنن النبوية محذرة من الحرص على الإمارة, ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: “أنكم ستحرصون على الإمارة, وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة “.

وقد سن الإسلام سنة سياسية لا مثيل لها في فلسفات الأخلاق السياسية, وهي منع كل حريص على المنصب من تولي المنصب. فقد رفض النبي صلى الله عليه وسلم تأمير من طلبوا إمارة أو اظهروا بين يديه حرصا عليها, وجعل ذلك مبدا ثابتا في سياسته وسنة ماضية في امته: “عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من قومي, فقال احد الرجلين: أمّرنا يا رسول الله، وقال الآخر مثله, فقال: إنا لا نولي هذا الأمر من سأله, ولا من حرص عليه”. وبدلا من تأمير هذين الطامحين الحريصين امّر النبي صلى الله عليه وسلم على اليمن اثنين من عظماء الصحابة الزاهدين في الأمرة, وهما : ابوموسى الأشعري ومعاذ بن جبل.

لكن قول يوسف عليه السلام لملك مصر: “اجعلني على خزائن الأرض اني حفيظ عليم”, يدل على ان منع طلب الإمارة ليس منعا مطلقا, إذ قد تظهر ظروف استثنائية تجعل طلب الإمارة مقبولا، وربما متعينا شرعا. قال الطرطوشي:

“يستفاد من الاية ان من حصل بين يدي ملك لا يعرف قدره، أو أمة لا يعرفون فضله، فخاف على نفسه, لو أراد إبراز فضله جاز له ان ينبه إلى مكانته وما يحسنه, دفعا للشر عن نفسه، وإظهارا لفضله, فيجعل في مكانه. وفيه فائدة أخرى وهو انه اذا رأى الأمر في يد الخونة واللصوص ومن لا يؤدي الامانة, ويعلم من نفسه أداء الأمانة والكفاية، جاز له ان ينبه السلطان

على أمانته وكفايته,….”.

وهكذا يدل الجمع بين الاحاديث النبوية المانعة من سؤال الإمارة والحرص عليها, وما ورد في قصة يوسف -عليه السلام  –  من طلب المنصب, على ان النص الإسلامي جمع بين المبدئية والروح العملية هنا, فحرم المتلهفين إلى تولي المنصب العام من الحصول على مبتغاهم، لما في تلهفهم من مظنة الطمع والطموح الشخصي, لكنه فتح الباب لأهل الأمانة والقوة في طلب الإمارة في حالة الفراغ من أهل الكفاءة.

12- المدافعة ضد الفساد :

من اعظم الظواهر في القران الكريم ذلك التوتر الدائم بين العدل والظلم في قصص الأنبياء وفي ثنايا النص القرآني كله. وقد بين الله عز وجل في القران الكريم ان المدافعة هي التي تعصم من الفساد:” ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين “. فهذه الآية درس بليغ في ان السياسة مواقف وموازين قوى،لا مجرد مواعظ ونيات حسان, فما يعصم من الفساد ليس التزام الحاكم الفرد بالقيم السياسية, بل الزامه من خلال المدافعة الاجتماعية. فلا يحصل العدل وتتحقق الحرية بوعظ الظالم ان يترك ظلمه، بل بإقناع المظلوم ان ينتزع حقه.

وقد ورد الترخيص في القتال في القران الكريم- أول ما ورد – ضمن الحديث عن مبدأ المدافعة. فالقتال في الإسلام مجرد أداة لتحقيق المدافعة الضرورية لتحرير البشر وصيانة الأرض من الفساد. فالسلم مقصد من مقاصد الإسلام الكبرى, ومظلة شرعية يجب على كل المؤمنين الدخول فيها والاستظلال بظلالها: “يا أيها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافة”. لكن لا سلم ولا حاجز أمام الاستبداد إلا بمدافعة. وما سوى ذلك أحلام زاهية وأقاصيص وردية, لا قاعدة عملية للحياة.

وقد حصر الإسلام مسوغات القتال في الإسلام في ثلاثة أمور: أولها حق الدفاع عن النفس ورفع الظلم عنها، قال تعالى: “أذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير. الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا ان يقولوا ربنا الله “. وفي ختام هاتين الآيتين جاء مبدأ المدافعة مفسرا حكمة القتال في الإسلام: “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا”.

وثاني مسوغات القتال في الإسلام هو نصرة المستضعفين العاجزين عن الدفع عن انفسهم :”وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا.”

وثالثهما ضمان حرية العبادة للجميع،:”وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله”.

• ولا تخلوا النفوس البشرية من الشر, فتطبيقا لسنة المدافعة, ودرءا للشر الكامن في النفوس المتحررة من أي رادع، سن الإسلام الجهاد لرفع الظلم, فقال صلى الله عليه وسلم :”من قتل دون ماله فهو شهيد, ومن قتل دون أهله, أو دمه, أو دون دينه, فهو شهيد, و”من قتل دون حقه فهو شهيد”, و”من قتل دون مظلمته فهو شهيد”.

على ان المدافعة في الإسلام مفهوم واسع يتجاوز القتال, ليشمل كل توازن في القوى المادية والاجتماعية والمعنوية يحول دون الاستبداد بالقرار والفساد السياسي. وهنا أهمية هذا المفهوم في دلالته السياسية والدستورية. ويقتضي مبدأ المدافعة – بمعناه السياسي والدستوري –  وجود تعددية حزبية ونقابية وإعلامية وغيرها، مما يضمن التوازن ويحول دون أي استبداد بالراي أو استفراد في بالقرار في الدولة والمجتمع.

وبهذا المعنى يمكن القول ان الفكر الدستوري الغربي المعاصر طبق مبدأ المدافعة عبر آلية “توزيع السلطات ” التي نظر لها الفيلسوف القانوني الفرنسي مونتسكيو, وآلية “التوازن والتضابط ” التي صاغها  منظرو الثورة الأمريكية في الأوراق الفدرالية, وترجموا بها نظرية مونتسكيو إلى نصوص دستورية وصيغ إجرائية عملية. وكان المسلمون اجدر بان يكونوا السباقين إلى ذلك لوجود هذا المبدأ في نصوص دينهم.           

يتبع…

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts