الأسطول العثماني.. كيف حوَّل بربروس البحر المتوسط إلى بحيرة تركية؟

الأسطول العثماني.. كيف حوَّل بربروس البحر المتوسط إلى بحيرة تركية؟

أصبحت الدولة العثمانية قوة بحرية كبيرة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلادي، واستطاعت بحريتها تعزيز سطوتها على البحر الأسود وبحرَي مرمرة وإيجة، فضلاً عن السيطرة بالكامل على طرق التجارة البحرية داخل مياه البحر الأبيض المتوسط، وإخضاع الدول في القارات الثلاث (آسيا وأوروبا وإفريقيا) على مدار 6 قرون.

وحتى اليوم يستلهم الأتراك في القوات البحرية التركية خطى أسلافهم من البحارة العظام، أمثال خير الدين بربروس باشا وعروج رئيس وبري رئيس وغيرهم العديد، وذلك أثناء حمايتهم للسيادة الوطنية داخل حدود مياه الوطن الأزرق المحيط بالجمهورية التركية الحديثة.

وفي هذا التقرير نلقي الضوء على أبرز محطات البحرية العثمانية، بدءاً من نشأة الأسطول البحري العثماني، مروراً بمرحلة النهضة التي مكنته من منافسة أساطيل الدول الأوروبية في شرق البحر الأبيض المتوسط ووسطه، وصولاً إلى خير الدين بربروس الذي ساهم بتحويل الأبيض المتوسط إلى بحيرة تركية بعد فرض سيطرته على مياه المتوسط بشكل كامل.

مرحلة التأسيس الأولى

على الرغم من أن الدولة العثمانية اعتمدت في الأساس على قوتها العسكرية البرية عند تأسيسها على يد الغازي أرطغرل إبان فترة الحكم السلجوقي فإنها لم تهمل الجانب العسكري البحري، خصوصاً مع بدء سيطرتها على المدن البحرية والمواني على شواطئ بحري مرمرة وإيجة في عهد عثمان الأول نجل أرطغرل الذي اتخذ مدينة يني شهير عاصمة للإمارة عام 1301.

فيما شهد عهد الأمير سليمان بن أورخان مزيداً من الفتوحات للمدن البحرية، فقد فتح مدينة بورصة عام 1317الواقعة على الساحل الجنوبي الشرقي لبحر مرمرة واتخذها عاصمة للدولة، لتصبح أول عاصمة بحرية للعثمانيين، لتمتد بعدها سواحل الدولة العثمانية من سواحل البحر الأسود شمالاً مروراً ببحرَي مرمرة وإيجة وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط بحلول القرن السادس عشر.

وبعد وصول العثمانيين إلى بحر مرمرة وازدياد نفوذهم عام 1323 أُسس الأسطول الأول الذي كانت مهمته حينها حماية بحر مرمرة وتأمينه أمام حركة التجارة العثمانية، وعام 1337 قَوي النفوذ العثماني في منطقة بحر مرمرة بعد سيطرتهم على مدينة أزميت ثم على حصن رومالي عام 1353، لحقه إنشاء مصانع لصناعة السفن في جيليبولو وأزميت، وفور ذلك كلف الأسطول البحري في السيطرة على مضيق الدردنيل واستخدم في محاولات الفتح الأولى لمدينة إسطنبول بعهد السلطان بايزيد الأول.

وعام 1430 انتصر الأسطول العثماني على أسطول البندقية الذي حاول فك الحصار عن جزيرة سالونيك وتمكن من إخضاع الجزيرة للحكم العثماني. ومع مجيء السلطان محمد الثاني (الفاتح) إلى سدة الحكم عام 1451 باشر اتخاذ الاستعدادات اللازمة من أجل فتح إسطنبول وأدخل العديد من التجديدات على الأسطول البحري للاستفادة منه أثناء حصار المدينة، إذ لعب الأسطول دوراً محورياً بفتح المدينة بعد أن أمر السلطان بنقل السفن عبر اليابسة وإنزالها بميناء المدينة المحصن بالسلاسل والمدافع بليلة واحدة.

فرض الهيمنة العثمانية

عقب فتح مدينة إسطنبول أسس السلطان محمد الفاتح دار صناعة السفن الأميرية عام 1455، وعينت إسطنبول قاعدة للبحرية العثمانية وأصبحت الدولة العثمانية تملك أكثر من أسطول بحري تمكنت من خلالهم من إخضاع مدينتَي طرابزون وآماسره على الشاطئ الجنوبي للبحر الأسود بعهد الفاتح.

وعام 1463 بدأت الحرب بين الدولة العثمانية ومملكة البندقية واستمرت قرابة 16 عاماً حقق خلالها الأسطول العثماني انتصارات وسيطر على مناطق ببحر إيجة، وبين 1479 و1480 سيطر الأسطول على جزر في البحر الأيوني ومدينة أوترانتو في البحر الأدرياتيكي لحصار مملكة البندقية وخنقها.

ومع جلوس السلطان سليم الأول على عرش الحكم عام 1512 باشر تحسين قدرات الأسطول العثماني لاستخدامه بالحرب على المماليك وفتح مصر وسيطر على التجارة بالبحر الأبيض المتوسط، وخلال حكمه زاد من عدد سفن الأسطول إلى 130 سفينة، فضلاً عن استخدام المدن البحرية المطلة على الشواطئ الغربية للبحر الأبيض المتوسط قواعد بحرية للأسطول العثماني، أمثال السويس وروسه والبيرة (أورفة)، وعام 1513 قدم البحار العثماني بيري رئيس خريطة العالم التي رسمها للسلطان سليم الأول.

وعلى مدار القرنين الخامس عشر والسادس عشر تجاوز عدد سفن الأسطول العثماني 350 قطعة بحرية عسكرية وسيطر العثمانيون على مياه المتوسط وحولوه إلى بحيرة تركية، ما أثار حفيظة بابا الفاتيكان بولس الثالث ودفعه إلى تنظيم حملة بحرية صليبية ضد البحرية العثمانية عام 1538، إلا أن القبطان خير الدين بربروس كان بالمرصاد وقاد الأسطول العثماني لإلحاق هزيمة مذلة بالصليبيين.

خير الدين بربروس

بزغ اسم البحار العثماني خير الدين بربروس بعد الانتصار الضخم الذي حققه أثناء الغزو الصليبي ضد البحرية العثمانية عام 1538 عندما قاد أندريا دوريا أحد رجال الدولة في مملكة جنوة أسطولاً بحرياً من 250 سفينة لإخماد نفوذ البحرية العثمانية بالبحر المتوسط، بينما أسطول خير الدين 122 سفينة فقط.

وعلى إثر الانتصار الساحق الذي قاده القبطان بربروس استقبله السلطان سليمان القانوني بإسطنبول ورقاه إلى رتبة قبطان باشا (كبير أدميرالات) في الأسطول العثماني فضلاً عن تعيينه حاكم حكام شمال إفريقيا ورودس التي ضمها خير الدين تحت راية الدولة العثمانية.

ولد خير الدين بربروس باشا عام 1478 بجزيرة لسبوس (التابعة لليونان اليوم). اسمه الحقيقي خضر ولقب بـ”بربروسا” بسبب لحيته الحمراء، وخير الدين اسم منحه إياه السلطان سليمان القانوني تشريفاً وتكريماً له. عرف أيضاً بلقب “أسد البحر الأبيض المتوسط” وعند موته في عام 1546 أعلنت الإمبراطورية العثمانية عن موت “زعيم البحار”.

وفي الوقت الذي شغل به خير الدين بربروس منصب أدميرال للبحرية العثمانية أوائل القرن السادس عشر أظهر مهارةً بحرية رائعة فازدادت القوة البحرية العثمانية تحت قيادته أضعافاً مضاعفة وتمكن من توسعة رقعة النفوذ العثماني على كامل مياه البحر الأبيض المتوسط وعلى السواحل الأوروبية، فضلاً عن ضم تونس والجزائر وليبيا إلى الأراضي العثمانية إبان فترة تولِّيه قيادة الأسطول العثماني.

TRT عربي

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: