القاضي سامر مازن القبج
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

الانقلاب الاجتماعي 3

القاضي سامر مازن القبج
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

القاضي سامر مازن القبج                                                                       

رئيس محكمة استئناف عمان الشرعية

ونختمُ بالمقالةِ الثّالثةِ، وهي عن مشروع الموت؛ والموت مصيبةٌ بما تحمل الكلمة من معنى، والله سبحانه يقول:” يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَٰدَةُ بَيۡنِكُمۡ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ حِينَ ٱلۡوَصِيَّةِ ٱثۡنَانِ ذَوَا عَدۡلٖ مِّنكُمۡ أَوۡ ءَاخَرَانِ مِنۡ غَيۡرِكُمۡ إِنۡ أَنتُمۡ ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَأَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةُ ٱلۡمَوۡتِۚ تَحۡبِسُونَهُمَا مِنۢ بَعۡدِ ٱلصَّلَوٰةِ فَيُقۡسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرۡتَبۡتُمۡ لَا نَشۡتَرِي بِهِۦ ثَمَنٗا وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰ وَلَا نَكۡتُمُ شَهَٰدَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذٗا لَّمِنَ ٱلۡأٓثِمِينَ ”  المائدة 106

والبكاءُ على المصيبةِ غريزةٌ إنسانيَّةٌ لا يأثَمُ عليها المرءُ طالما لم يتخلَّلْه سَخَطٌ أو نَوْحٌ أو عدمُ رضاً بقضاء الله وقدَرِه.

 قال أنس بنُ مالك: شَهِدْنَا بنْتَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جَالِسٌ علَى القَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمعانِ، فَقَالَ: هلْ فِيكُمْ مِن أحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ أبو طَلْحَةَ: أنَا، قَالَ: فَانْزِلْ في قَبْرِهَا، فَنَزَلَ في قَبْرِهَا فَقَبَرَهَا. قَالَ ابنُ مُبَارَكٍ: قَالَ فُلَيْحٌ: أُرَاهُ يَعْنِي الذَّنْبَ قَالَ أبو عبدِ اللَّهِ: {لِيَقْتَرِفُوا} [الأنعام: 113]: أيْ لِيَكْتَسِبُوا. رواه البخاريُّ في صحيحه.

بكتِ النساءُ على رقيةَ رضيَ اللهُ عنها ، فجعل عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ ينهاهنَّ ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : مَهْ يا عمرُ ، قال : ثم قال : إياكنَّ ونعيقَ الشيطانِ ، فإنَّهُ مهما يَكُنْ من العينِ والقلبِ فمن الرحمةِ ، وما يكونُ من اللسانِ واليدِ فمن الشيطانِ ، قال : وجعلت فاطمةُ رضيَ اللهُ عنها تبكي على شفيرِ قبرِ رقيةَ ، فجعل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يمسحُ الدموعَ عن وجهها باليدِ أو قال : بالثوبِ . رواه البيهقيُّ في السُّنن الكُبرى.

دَخَلْنَا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وكانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عليه السَّلَامُ،( أبًا له مِن الرَّضاعةِ) فأخَذَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ، وشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عليه بَعْدَ ذلكَ وإبْرَاهِيمُ يَجُودُ بنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَذْرِفَانِ، فَقالَ له عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: وأَنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَقالَ: يا ابْنَ عَوْفٍ إنَّهَا رَحْمَةٌ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بأُخْرَى، فَقالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، (مِن الحمدِ والاسترجاعِ، وسؤالِ الخلَفِ الصَّالح)وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ. رواه البخاري في صحيحه.

حثَّت الشَّريعةُ على إظهارِ المُواساةِ والتَّعاضُدِ بين المُسلمين في مُصيبةِ الموت؛ قال رسول الله ﷺ منْ حفر قبرًا ؛ بنى اللهُ له بيتًا في الجنةِ، ومنْ غسَّل ميتًا ؛ خرج منْ ذنوبهِ كيومِ ولدتهُ أمهُ، ومن كفَّن ميتًا ؛ كساهُ اللهُ من حُللِ الكرامةِ، ومنْ عزَّى حزينًا ؛ ألبسهُ اللهُ التقوى وصلَّى على روحهِ في الأرواحِ، ومنْ عزَّى مصابًا ؛ كساهُ اللهُ حُلَّتينِ منْ حُللِ الجنةِ، لا تقومُ لهما الدُّنيا، ومنِ اتَبع جنازةً حتى دفنَها ؛ كُتبتْ لهُ ثلاثةُ قراريطٍ ؛ القيراطُ منها أعظمُ منْ جبل أُحُدٍ، ومنْ كفلَ يتيمًا أو أرملةً ؛ أظلَّهُ اللهُ في ظلِّهِ وأدخلَهُ جنَّتَهُ. أخرجه الطبراني في الأوسط.

وقد نصَّ الفُقهاءُ على عددِ أيَّامِ التَّعزيةِ؛ فقالوا بأنَّها ثلاثةُ أيامٍ؛ قال الإمامُ زكريّا الأنصاريّ الشّافعيّ: ولاتعزيةَ بعد ثلاثٍ من الأيّام؛ أي تُكرَهُ بعدَها؛ إذ الغرضُ منها تسكينُ قلبِ المُصابِ؛ والغالبُ سكونُهُ فيها فلا يُجَدَّدُ حُزنُهُ؛ وقد جعلها النَّبيُّ ﷺ نهايةَ الحُزن؛ ”  فقد روت أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَتْ: سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: لا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ، تُحِدُّ علَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلَّا علَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْرًا. ثُمَّ دَخَلْتُ علَى زَيْنَبَ بنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بطِيبٍ، فَمَسَّتْ به، ثُمَّ قالَتْ: ما لي بالطِّيبِ مِن حَاجَةٍ، غيرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى المِنْبَرِ يقولُ: لا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ، تُحِدُّ علَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إلَّا علَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعَشْرًا. رواه البخاريُّ في صحيحه.

ولفظُ التَّعزيةِ أن يقول ما قاله رسول الله ﷺ لابنته حينما قُبِضَ ولدُها؛ أَرْسَلَتِ ابْنَةُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلَيْهِ إنَّ ابْنًا لي قُبِضَ، فَأْتِنَا، فأرْسَلَ يُقْرِئُ السَّلَامَ، ويقولُ: إنَّ لِلَّهِ ما أَخَذَ، وله ما أَعْطَى، وكُلٌّ عِنْدَهُ بأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ، ولْتَحْتَسِبْ، فأرْسَلَتْ إلَيْهِ تُقْسِمُ عليه لَيَأْتِيَنَّهَا، فَقَامَ ومعهُ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ، ومعاذُ بنُ جَبَلٍ، وأُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ ورِجَالٌ، فَرُفِعَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصَّبِيُّ ونَفْسُهُ تَتَقَعْقَعُ – قالَ: حَسِبْتُهُ أنَّهُ قالَ كَأنَّهَا شَنٌّ – فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقالَ سَعْدٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، ما هذا؟ فَقالَ: هذِه رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ في قُلُوبِ عِبَادِهِ، وإنَّما يَرْحَمُ اللَّهُ مِن عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ. رواه البخاريُّ ومسلم.

ويُعزّى المسلم بالمُسلم بما تَيَسَّرَ من عباراتٍ حسنةٍ تُحقِّقُ المقصودَ كقوله:” أعظم الله أجرك، وأحسنَ عزاءك، وغفرَ لميِّتك” .

ويُعزَّى المسلم بقريبه غيرالمُسلم: ” أعظم الله أجرك، وأحسنَ عزاءك، ” .

ويُعزّى غير المُسلم بالمُسلم:” أحسنَ اللهُ عزاءك، وغفرَ لميِّتك” .

ويُعزّى غير المُسلم بغيرالمُسلم:” أخلفَ الله عليك” .

بيوت العزاء:  أمّا ما يفعلُهُ النّاسُ اليومَ من الجلوس في مكان ليقصِدَهُم من أراد التعزية؛ فمذهبُ الشّافعيةِ والحنابلة على الكراهة، بِأَنْ يَجْتَمِعَ أَهْلُ الْمَيِّتِ فِي مَكَانٍ لِيَأْتِيَ إِلَيْهِمُ النَّاسُ لِلتَّعْزِيَةِ ؛ لأَنَّهُ مُحْدَثٌ وَهُوَ بِدْعَةٌ ؛ وَلأَنَّهُ يُجَدِّدُ الْحُزْنَ . وَوَافَقَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى كَرَاهَةِ الْجُلُوسِ لِلتَّعْزِيَةِ عَلَى بَابِ الدَّارِ ، إِِذَا اشْتَمَلَ عَلَى ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ ، كَفَرْشِ الْبُسُطِ وَالأَطْعِمَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ : إِِلَى أَنَّ الأَفْضَلَ كَوْنُ التَّعْزِيَةِ فِي بَيْتِ الْمُصَابِ. ويُكرهُ الجُلوسُ على بابِ الدّارِ للمُصيبةِ فإنَّ ذلك عَمَلُ أهلِ الجاهليّةِ، ونهى النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلَّم عن ذلك، ويُكره الجلوسُ في المسجدِ ويُكرهُ تقديمُ الضِّيافةِ من أهلِ الميِّت لأنَّها شُرِعَت في السُّرور لا في الشُّرور؛ وهي بدعةٌ مستقبحةٌ؛ والتّعزيةُ المقصودةُ بالشَّرع هي بعدَ الدَّفنِ لمدَّةِ ثلاثةِ أيّامٍ إذا رآه في المسجدِ أو الطَّريقِ أو غيرِ ذلك؛ فإن زاد على الجُلوس للعزاءِ بدعةً أخرى من البِدَعِ المُحرَّمة كالإسرافِ والتَّبذيرِ والنِّياحةِ والتَّفاخُرِ بالأنساب؛ كان ذلك حراما من قبائح المحرمات.

ويُستحبُّ لجيرانِ الميِّت والأباعدِ من أقارِبِه تهيئةُ طعامٍ لأهلِ الميّت يُشبِعُهُم يومَهُم وليلَتَهُم؛ لقوله ﷺ” اصنعوا لأهلِ جعفرٍ طعامًا، فإنه قد جاءهم ما يَشغَلُهُم “. رواه الترمذي.

والأصلُ عدمُ جوازِ إعدادِ الطَّعامِ وتقديمِهِ للمُعزّين من قِبَلِ أهل ِ الميّت؛ يقولُ ابنُ قُدامةَ وهو مذهبُ الحنابلةِ: فأما صُنعُ أهلِ الميّتِ طعاماً للنّاس فمكروهٌ؛ لأنَّ فيه زيادةً على مصيبتِهِم وتَشَبُّهاً بصُنعِ أهلِ الجاهليّةِ.

وقال الحطّابُ المالكيُّ وهو مذهبُ المالكيَّةِ: كَرِهَهُ جماعةٌ وعَدّوه من البِدَع.

وقال ابنُ الهُمام الحنفي وهو مذهبُ الحنفيَّةِ: ويُكرهُ اتّخاذُ الضِّيافةِ من الطّعام من أهلِ الميّت وهي بدعةٌ مُستقبحةٌ.

وقال النّوويُّ وهو مذهبُ الشّافعيةِ: وأمّا إصلاحُ أهلِ الميّت طعاماً وجمعُ النَّاسِ عليه فلم يُنقَل فيه شيء وهو بدعةٌ غير مُستحبّة.

واستثنى العلماءُ جوازَ أن يُعِدَّ أهلُ الميِّتِ الطعام لضُيوفِهِم إكراماً لهم وحِرصاً على راحَتِهِم إذا كانت بهم حاجةٌ؛ كمن جاء من أماكنَ بعيدةٍ للقيام بالتَّعزيةِ؛ قال الإمامُ ابنُ قُدامةَ الحنبلي:” فأما صُنعُ أهلِ الميّتِ طعاماً للنّاس فمكروهٌ لأنّ فيه زيادةً على مصيبتهم وإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز، فإنه ربما جاءهم من يحضُرُ ميّتَهم من القُرى والأماكنِ البعيدةِ ويبيتُ عندَهم ولايُمكِنُهُم إلا أن يُضِّيفوه. المغني/ابن قدامة 2/410

 “عن جرير بن عبد الله – رضي الله عنه – قال : كنا نُعِدّ الاجتماعَ إلى أهلِ الميتِ وصنيعةَ الطعامِ بعد دفنهِ من النياحةِ”.  رواه أحمد

وإذا كان الوليُّ مُقتدراً وأطعَمَ الفُقراءَ من ماله فلا بأس؛ ” وإن اتّخذَ طعاماً للفُقراءِ كان حسَناً ” الفتاوى البزازية.

” وإن اتّخذَ وليُّ الميّتِ طعاماً للفقراءِ كان حسناً إلا أن يكون في الورثةِ صغيرٌ فلا يُتَّخذُ ذلك من التركة” الفتاوى الخانية.

ولو اضَّطر أهلُ الميّتِ إلى إقامةِ بيتِ عزاءٍ فإن الواجبَ في تَرِكَةِ الميّت الإنفاق على تكاليف دفنهِ ووفاءِ ديونه؛ وما سوى ذلك من تكاليفِ العزاءِ لا يجوزُ أخذُها من تَرِكًةِ الميّت إلا بإذن الورثة؛ فإن كان بينهم من هو قاصرٌ أو عديمُ الأهليَّةِ فلا يجوزُ الأخذُ من حقِّهِ؛ ولا يعتبرُ إذنُهُ؛ فإذا قرَّر الوارثُ البالغُ إقامةَ عزاءٍ واستئجارَ القاعاتِ؛ فالإثمُ عليه والغُرم عليه إذ هو من يتحمَّلُ تكاليفَ ذلك.

هذه جملةُ أحكامِ الشَّرعِ في مثلِ هذه الأمور؛ لنصلَ إلى حقيقةِ أنَّ كُلَّ ما نفعَلُهُ اليومَ ليسَ من الشَّرعِ؛ بل ميتٌ مسلمٌ روحُهُ بين يدي ربِّهِ وأهلُهُ يقومون بأعمالِ الجاهليَّةِ والرِّياءِ والسُّمعة وتكاتُفِ الفساد، فنحنُ بحاجةٍ لتصحيحِ المفاهيم وليس تقليدُ المُرائين والفاسدين.

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله رَبِّ العلمين.

(البوصلة)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts