أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

“الداعشية” نهج لا تنظيم

أسامة أبو ارشيد
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

بإعلان الولايات المتحدة قتل أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، قبل أيام، في إحدى قرى مدينة إدلب السورية، تكون المنطقة قد طوت واحدةً من صفحات تاريخها الأسود، غير أن الحقيقة المُرَّة أن ثمَّة صفحات أكثر سوداوية لا زالت تلوح في الأفق. لم يكن “داعش” مؤامرة استخباراتية، عربية أو إيرانية أو غربية خالصة، مع أن أصابع عبثت في انبعاثه وتمكينه. كما أنه لم يكن نتاجاً لفكر متطرّفٍ منحرفٍ وحسب، بل إنه مثّل أيضاً، ولا زال، عارضاً من عوارض أزمةٍ أعمق تعيشها المنطقة العربية، وبعض أطراف العالم الإسلامي، تتجسّد في القمع والفساد وغياب الحريات وانعدام الكرامة، داخلياً وخارجياً، فضلاً عن غياب الأفق المستقبلي أمام أجيالٍ صاعدةٍ تعد بعشرات الملايين. تلك هي المعادلة ثلاثية الأضلاع التي انبثق من بوتقتها التنظيم. وضمن نسق عارض الأزمة الأعمق، فإن “داعش” مثّل في وعي نسبةٍ معتبرةٍ من الشباب العربي والمسلم حالةً من الممانعة والرفض والمقاومة لقوى بطشٍ محليةٍ وأجنبية، إلا أن المشكلة أن تلك الحالة قامت على فكر منحرفٍ مريضٍ، تلبس لبوس الإسلام، ولكن بشكل زائف، وانتهى الحال بالتنظيم مبضعاً مزّق جسّد الأمتين، العربية والإسلامية، في كثير من بقاعهما.

كان “داعش”، ولا يزال، بمثابة حصان طروادة، وظّفته أنظمة قمعية عربية، وإيران، وإسرائيل، والولايات المتحدة ودول غربية أخرى، وروسيا.. إلخ، لوأد طموحات الشعوب العربية. “داعش” وأشباهه صنيعة أفعال تلك القوى وغيرها، فركبوا موجتهم، ووظّفوا إجرامهم وحماقاتهم وانحرافاتهم، وهم استثمروا فيهم وغذّوا تطرّفهم. شخصياً، لا أنفي قناعتي أن معظم مقاتلي “داعش”، كانوا، ولا يزالون، مخلصين لما اعتقدوه حقاً، ولكنهم ضالّون، أحدثوا في صفوفنا الفتن والدمار ونكبوا مشاريعنا وطموحاتنا وآمالنا نحن الشعوب. لقد أنجز “داعش” ما تمنّاه أعداؤنا. من ناحية أولى، شوّه صورة الإسلام وكره الناس له، حتى المسلمون أصبحوا ينظرون إلى مصطلح “الخلافة” بكراهية وخوف. ومن ناحيةٍ ثانية، قدّم لخصومنا الخارجيين ذريعةً للعودة إلى بلادنا محتلين. ومن ناحية ثالثة، مكّن الأنظمة القمعية العربية من البطش بالثورات العادلة بحجة محاربة الإرهاب. في كثيرٍ من ثورات الشعوب العربية، كما في سورية والعراق وليبيا، بدا وكأن “داعش” يجيء على قدر لإفسادها وإرهاقها وحرفها عن مسارِها وتشويه صورتها. حتى تركيا وباكستان وأفغانستان والصحراء الأفريقية لم تسلم منه. ينسحب الأمر على الوجود الإسلامي في العالم الغربي، وفي أماكن أخرى كثيرة.

لا أريد هنا أن أتورّط في تبنّي “نظريات المؤامرة” عن جذور “داعش”، ومن يقف وراءه، أو من يوجه سياساته وفعله على الأرض، ولخدمة أي مصالح، فمثل هذه المزاعم لا توجد أدلة قاطعة حاسمة حولها وفيها، وإن كان ذلك لا ينفي وجود أدلةٍ ظرفيةٍ تعضد وجود أصابع مهدت الطريق لانسياحه. هذا ليس موضوعي الآن، إلا أن المؤكد أن أفعاله ضارّة مؤذيةٌ لأي ثورة حرية وكرامة عادلة. وسواء كان ذلك بتوجيه وتخطيط من طرف ثالث، أم نتيجة لحماقة “الداعشيين” ومن والاهم، فالنتيجة واحدة.

باختصار، ها قد مضى البغدادي، كما مضى من قبله أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي، ولكنْ، واهم من يظن أن هذا الفكر المنحرف، أو على الأقل غير البنّاء وغير المجدي، سينتهي. ما دام معظم العرب ومسلمون كثيرون محرومين من الحرية والكرامة والعدالة والأفق الواعد في بلادهم على أيدي أنظمةٍ قمعيةٍ مجرمة، وما دام هناك تدخل وعدوان أجنبي عليهم، وما دمنا عاجزين عن تقديم رد فعال وبناء على كل ذلك الظلم والعدوان، فإن هذا الفكر الهدّام سيبقى يتجدّد بنسخ أكثر وحشية، خصوصا في ظل وجود مرجعية تاريخية منحرفة ومتطرّفة. لقد هنَّأ دونالد ترامب نفسه بـ”إنجازه” في قتل البغدادي، وتلقى تهاني طغاة عرب كثيرين، ولكن الحقيقة أننا على موعدٍ مع عنف آخر سيتجدّد ما دام عنف الغرب والشرق، وعنف أنظمة البؤس، مستمرا على شعوب عربية ومسلمة كثيرة. في المحصلة، كلهم “دواعش” بإجرامهم، وإن بطرقٍ وأشكالٍ مختلفة، فـ”الداعشية” نهجٌ لا تنظيم.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts