عبد الرحمن الدويري
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

العشيرة والعشائرية والزوبعة المثارة

عبد الرحمن الدويري
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

لا يخفى على الناظر، أن هناك استهدافا واضحا، لكل مكونات المجتمع الأردني المدنية جميعها: حزبية ونقابية، وعشاىرية ومهنية وعمالية، وفنية، وإعلامية، يهدف لضرب بعضها ببعض، وتحييدها عن مربع صنع القرار، أو الإسهام فيه، أو التكاتف، لإنتاج صيغة حكم وإدارة، غايتها تغيير النهج، الذي جر الويلات على الدولة، والشعب والقيادة، لتُخرج الوطن من مأزقه العسير، الذي انحدر إليه، عبر أكثر من عقدين من الزمن، ممثلا بـ:
سوء الإدارة، وفشل السياسات، وتراجع التنمية، والدور العربي والإقليمي، ومراكمة المديونية، وهدر الموارد، والتفريط بالمؤسسات والشركات السيادية، وإعدام التنمية، وارتفاع نسبة البطالة، وانخفاض مستوى المعيشة، وتفشي العنف، والفساد المالي، والإداري والأخلاقي، وانتشار الجريمة والمخدرات، واحتكار مقطورة القيادة، من قبل فئة انتهازية، ذات ارتباطات وامتدادات مشبوهة، كادت تودي بالدولة، ووضعتها على حافة الهاوية والانهيار!!
وفي هذا السياق تم احتواء الحراك الشعبي وتفكيكه، وتهميش الأحزاب عموما، والإسلامية خصوصا، وتغوّل السلطة التنفيذية، على كل السلطات، إذ غدت الانتخابات والحكومة ومجلس الأمة (الأعيان والنواب) والمؤسسات الرسمية كلها، مجرد هياكل تنفيذية فارغة، يديرها موظفون، يتبعون مباشرة للسلطة التنفيذية، وأجهزتها الامنية، وفي ظل هذا الفراغ، بدأت تظهر الأصوات العشائرية هنا وهناك، بعد أن طالها مسلسل الإهمال والتهميش والإلغاء، وتدحرج الوضع -بفعل فاعل- إلى أن أنتج المشهد المؤلم، الذي عشناه في الأسابيع الفائته، وتدور حوله عشرات علامات الاستفهام، في مستوى آلية صنعه، وإخراجه، وتناميه، وإنهائه، بالصور ة التي تمت، والأهداف والغابات التي دفعت إليه، والجهات المستفيدة منه، ولست هنا بصدد تَعقُّبِها وإحصائها، فهذه مهمة مراكز الدراسات، والابحاث، وكل القوى الوطنية والحزبية، ومنها العشائرية، لرصدها، وإبراز معالهما، وتحديد أهدافها وغاياتها، واستخلاص العبر والدروس التي فيها!!
لكنني هنا، بصدد توضيح بسيط، لطبيعة دور العشيرة المفترض، في ضوء الانتكاسة، والصورة المشوهة التي أُريد تقديمها بها للوعي الجمعي، كي يفقد الثقة بذاته، ومكوناته، ينفض يديه من الأمر، ويستسلم للإحباط، ويدفن أحلامه وأشواقه للتغيير، ويقبل بالأمر الواقع، وبالصيغة المعروضة!!
ومنطلقا من استشهاد أحدهم، على قيمة عُصبة العشيرة، وأهميتها في المجتمع، أنها ذكرت في القرآن وبقوله تعالى: ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾ وهو استشهاد بالغ الخطورة، إذا وضع في غير محله، وقَدّمَ العشيرة، كمكون سياسي، وصيغة حكم، ما دفعني لتقديم ومضات سريعة هادئة، تعصمنا من هذا المنزلق، في مستوى المجتمع والدولة، فأقول:
إن العشيرة إطار اجتماعي، توجب علاقة القربي فيها على روادها، السعيَ في صلاحها، وسوق الخير لها، والحرص على تماسكها، ومتانة بنائها، لكن بقانون الله، وتشريعاته، وأحكامه، لا بقانون العشرة، ونوازعها: حَسَبِها، ونسبها، وأصالتها، وكثرتها، أو غناها، أو نوعية رجالها، محاباة لها، واستقواء بها على غيرها!؟
فالعشيرة في الفهم الإسلامي الرصين، ركيزة حماية وإيواء لأفرادها، إذا ضيموا أو ظُلموا، وطالهم الحيف، والجور، ولم يجدوا عدالة من قانون أو سندا، أو حاميا من سلطة، ومثاله انتصار بني هاشم لرسول الله ﷺ وللمؤمنين معه، يوم حوصروا في شِعبِ أبي، ودخولهم الشِّعب معه، وهم على الكفر، حين قرر سادة القبائل في قريش، مقاطعتهم في الصحيفة المشهورة: لا يشترون منهم، ولا يبيعونهم، ولا يناكحونهم، فتدخلت العشيرة للتضامن معه وحمايته، مع أنه يدعو، ويدافع عن قيم مبادئ عقدية، تخالف ما هي عليه -أصلا- من موروث عقدي، وانتمائي، والأتباع الذين معه، ليسوا من عشيرته، ولا من عشيرة بعينها، بل هم خليط من شتى العشائر، والقبائل، ومع ذلك انحازت له، عشيرته وضُرب عليها الحصار معه، لأنهم رأوا أن قضيته ومن معه، كانت عادلة، فأوجب عليهم احترامهم لأنفسهم، وشهامتهم، ونخوتهم، التدخل لنصرتهم، والدفاع عنهم!!
والأمر الآخر، أن مكونات المجتمع والدولة، في المجتمع المسلم، متعددة العشائر والقبائل، بل والأجناس، وأن الرابط الذي ينظم هذه المكونات جميعها، في بوتقة واحدة، ليس رابط الرحم، ولا وشيجة القربى، ولا رباط القوم، وإنما رابط قيمي وعقدي، وأخلاقي إنساني، وهو ما أشار إليه النبي ﷺ مادحا هذه الصيغة المجتمعية، والسياسية، والإيمانية، بقوله: «يأَيُّها النَّاسُ، اسمَعوا واعقِلوا، واعلَموا أنَّ للَّهِ عبادًا، لَيسوا بأنبياءَ ولا شُهَداءَ، يغبِطُهُمُ النَّبيُّونَ والشُّهداءُ علَى مَنازلِهِم، وقُربِهِم منَ اللَّهِ. فجَثا رجلٌ مِنَ الأعرابِ مِن قاصيةِ النَّاسِ، وأَلوَى بيدِهِ إلى النَّبيِّ – ﷺ – فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ: ناسٌ منَ النَّاسِ، لَيسوا بَأنبياءَ ولا شُهَداءَ، يغبِطُهُمُ الأنبياءُ والشُّهداءُ علَى مجالِسِهِم وقُربِهِم منَ اللَّهِ؟!! انعَتهم لَنا، جَلِّهِم لَنا – يعني صِفهُم لَنا- فسُرَّ وجهُ النَّبيِّ بِسؤالِ الأعرابيِّ، وقالَ هم ناسٌ من أفناءِ النَّاسِ، ونَوازعِ القبائلِ، لم تصِلْ بينَهُم أرحامٌ متقاربةٌ، تحابُّوا في اللَّهِ وتصافَوا، يضعُ اللَّهُ لَهُم يومَ القيامةِ مَنابرَ من نورٍ، فيَجلِسونَ عَلَيها، فيجعَلُ وجوهَهُم نورًا، وثيابَهُم نورًا، يفزَعُ النَّاسُ يومَ القيامةِ ولا يفزَعونَ، وَهُم أولياءُ اللَّهِ لا خَوفٌ عليهم ولا هُم يَحزَنونَ».
وبالمقابل فقد صرح النبي في أحاديث أخرى، بخطورة اعتماد العشيرة، كمرجعية للسلطة والقرار، في أكثر من محطة، أشهرها يوم تلاحى المهاجرون والأنصار، بعد خلاف وقع بين راعيين، من كلا الطرفين، على السقي من البئر، في غزوة بني المصطلق، فلطم أحدهما الآخر: وتنادى الرجلان: «فقال الأنصاريُّ: يا لَلأنصارِ وقال المُهاجريُّ: يا لَلْمُهاجِرينَ. قال: فسمِع النَّبيُّ ﷺ ذلك فقال: ( ما بالُ دَعْوى الجاهليَّةِ؟؛ قالوا رجلٌ منَ المُهاجرينَ كسعَ رجلاً منَ الأنصارِ )، وتحاجز ما بين القوم، وأمر بالرحيل.

وفي موقف آخر أشد وضوحا، في قصة شأس بن قيس اليهودي، الذي أثار النعرة بين الأوس والخزرج، يوم ذكرهم حرب “بُعاث”، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا، وتفاخروا، حتى تواثب رجلان من الحَيّين، فقال أحدهما لصاحبه: «إن شئتم والله رددناها الآن جَذَعَة (حربا)»، وغضب الفريقان، وقالوا: «قد فعلنا، السلاحَ السلاحَ .. موعدكم الحَرَّة (مكان في المدينة)»، فبلغ ذلك رسولَ الله ﷺ، فخرج إليهم، فيمن معه من المهاجرين من أصحابه، حتى جاءهم، فقال: «يا معشر المسلمين! الله، الله!! أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم؟! بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألَّف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً ؟!)
في هذا الإطار، يجب فهم دور العشيرة، في المجتمع المسلم، إذ لا يصلح، ولا ينبغي، أن تكون العشيرة، إطارا سياسيا، أو سلطة حكم، أو مطية لسلطة حكم، لما ينطوي على ذلك من مخاطر، تهدد الأمن والاستقرار العام، حتى قال النبي ﷺ محذرا من هذه السقطة، بشكل ساطع: «ومن قاتل تحت رايةٍ عَمِيَّةٍ، يغضبُ لعَصَبِيةٍ، أو يَدْعُو إلى عَصَبِيَّةٍ، أو ينصرُ عَصَبِيَّةً، فقُتِلَ، فقَتْلُه جاهليةٌ».
لكنها يجب أن تبقى خارج هذا الإطار، كمكون مجتمعي، يسهم في تمتين بنية الدولة، وترابط مكوناتها، وصيانة اعرافها، وأخلاقها، وقيمها النبيلة، القائمة على النخوة، والكرم، والشهامة، وإغاثة الملوهف، وذي الحاجة، والسعي في المعروف، والإصلاح بين الناس، وتترك العمل السياسي، ليمارسه أبناؤها، عبر الأطر والهيئات المدنية، من أحزاب ونقابات وروابط، بمرجعياتها القانونية، في ظل حكم تعددي مدني، محتكم لدستور حكم كامل، عبر استفتاء شعبي، مرجعيته الإسلام، يرد السلطة إلى الشعب، بشكل فعلي، عبر قانون انتخاب عصري ملائم، وضامن لمخرجات ممثلة للمجتمع تمثيلا حقيقيا، ومؤسسات، تدار بحيادية تامة، مع فصل كامل حازم، بين السلطات!.

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts