برلماني بريطاني: لماذا لا يتحدث أحد عن الضحايا الأفغان؟

برلماني بريطاني: لماذا لا يتحدث أحد عن الضحايا الأفغان؟

نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا لعضو البرلمان البريطاني، كلايف لويس، تساءل فيه عن سبب عدم الاهتمام بالضحايا الأفغان الذين سقطوا خلال العقدين الماضيين من الحرب في بلادهم.

وقال “لويس” إنه كان يشكك بدور بريطانيا في الحرب أثناء خدمته في أفغانستان؛ “إلا أن حجم التكلفة البشرية جعلني أرفض تلك الحرب رفضا تماما”.

وفي الوقت الذي يتساءل فيه العالم، وخاصة المشرّعين البريطانيين، عن مستقبل حقوق الإنسان في أفغانستان بعد سقوطها بقبضة “طالبان”، تساءل “لويس” عن غياب ذلك خلال السنوات العشرين الماضية، التي قتل فيها آلاف المدنيين، وخاصة جراء الغارات الأمريكية.

وتاليا نص المقال كاملا، كما ترجمته:


ليس بإمكاني التحدث نيابة عن المحاربين القدامى الآخرين، ولكنني شخصياً لم أكن يوماً على يقين من شرعية وجودنا في أفغانستان. رغبت في تصديق أنني ذهبت إلى هناك لغايات نبيلة، وتحديداً لمساعدة الشعب الأفغاني وردع الاعتداءات الإرهابية في المستقبل. إلا أن الشكوك لم تفارقني، وكان يعززها باستمرار مشاهدة المدنيين الذين يعلقون في تبادل إطلاق النار أو رؤية البلدات الخاوية على عروشها وقد تخلى عنها سكانها بسبب العنف الذي لم يكن يتوقف.
 
سوف يسهل على من لم يخدموا في الجيش من قبل أن يفترضوا بأن الجنود يطيعون الأوامر بإذعان دونما تساؤل أو تشكك. ولكن طالما كانت العمليات القتالية تتعلق مباشرة بالبشر فلا مفر من أن تكون الريبة دوماً جزءاً من المعادلة. ولذلك فإن التساؤل عن الأهداف الأخلاقية لمهمتنا كان، بالنسبة لي على الأقل، حالة ضرورية تسبق المشاركة.
 
ما لبثت الشكوك خلال الاثني عشر عاماً التي مرت منذ انتهاء خدمتي هناك أن تحولت إلى رفض شامل للدوافع المصرح بها من وراء عملية هيريك. ثمة نفوذ قوي للرجوع بالذاكرة إلى ما مضى، وقد يظن بعض الناس أنني ساذج أو مضلل لأنني ذهبت إلى أفغانستان في المقام الأول. ولكن ثمة تاريخ طويل لمحاربين قدامى لم يتوقفوا عن السعي لإدراك المغزى من تجارب زمن الحرب وكذلك سبر غور الحقائق التي لم يكونوا مدركين لها من قبل.

في البداية تجلت تلك الحقائق في التكلفة البشرية الكبيرة للحرب. فما بين عامي 2001 و 2004 قتل 453 جندياً بريطانياً، وأصيب 2600 بجروح منهم 247 بترت لهم أطراف. لا يعرف عدد الجنود الذين عانوا من إصابات نفسية وقد لا يعرف أبداً. ومع ذلك، وبحسب ما ذكره الكاتب فرانك ليدويدج، لم تقتل قوات الناتو في هيلماند عنصراً واحداً من القاعدة أو “إرهابياً دولياً” واحداً كان من الممكن أن يهدد بلدنا.
 
أثناء النقاش البرلماني حول أفغانستان في الأسبوع الماضي، أشار كثيرون من زملائي محقين إلى العناصر البريطانية التي لقيت حتفها. ولكن بالكاد جاء أحد على ذكر التكلفة البشرية للشعب الأفغاني. يقدر ليدويدج عدد الأفغان المدنيين الذين لقوا مصرعهم على يد القوات البريطانية وحدها بما يقرب من خمسمائة شخص بينما أصيب آلاف آخرون منهم بجروح. بالمجمل، يُعتقد بأن الحرب أزهقت أرواح ما يقرب من ربع مليون إنسان، ثلثهم كانوا من المدنيين.
 
سلط العديد من نواب البرلمان محقين الضوء على الضياع المتوقع لحقوق الإنسان في أفغانستان على يد الطالبان. ولكن أين كان ذلك القلق على مدى العقدين الماضيين؟ ماذا عن حقوق الإنسان الخاصة بأولئك الذين قتلوا على مدى عشرين عاماً كان يطبق خلالها برنامج الهجمات الأمريكية بالطائرات المسيرة، حيث يقدر بأن تسعين بالمائة من الضحايا كانوا أبرياء؟ كيف ينسجم ذلك مع “القيم الليبرالية الغربية؟”
 
تذكرت وأنا أستمع إلى النقاش البرلماني قولاً للأكاديمي الناقد للاستعمار إدوارد سعيد، حيث يقول: “كل امبراطورية تقول لنفسها وللعالم إنها تختلف عن جميع الامبراطوريات الأخرى، وأن مهمتها ليست النهب والسيطرة وإنما التعليم والتحرير”.

يصبح هذا الخداع الذي وضع سعيد يده عليه أكثر وضوحاً عندما نتساءل عن كم المال الذي تم جنيه من “الحرب على الإرهاب”، والتي كانت الحرب على أفغانستان جزءاً أساسياً منها. كثيرون ممن دفعوا في هذا الاتجاه كانت لديهم ارتباطات مباشرة بالمؤسسات التي جنت أرباحاً ضخمة. لقد كلفت الحرب على أفغانستان بريطانيا ما يقرب من أربعين مليار دولار، وهو مبلغ لا يكاد يذكر مقابل المبلغ الذي أنفقته حكومة الولايات المتحدة ويصل إلى 2.26 ترليون دولار.
 
هذه المبالغ الضخمة – من الضرائب التي ندفعها نحن – كانت تدفع لشركات أمنية مثل جي فور إس، وبوينغ، وراثيون، ولوكهيد مارتن، ونوثروب غرومان وجنرال داينامكس. بل إن تاريخ السياسة الخارجية لكل من بريطانيا والولايات المتحدة مليء بنماذج الشركات التي كانت فعلياً تضغط سياسياً من أجل التدخل العسكري خدمة لمصالحها التجارية الخاصة، ومن ذلك الضغط السياسي الذي مارسته شركة الفواكه المتحدة على حكومة الولايات المتحدة حتى تسقط حكومة غواتيمالا في عام 1954، وشركة النفط الإنجليزية الإيرانية (التي أصبحت اليوم تسمى بريتش بيترليوم) التي ضغطت على حكومتنا نحن حتى تحمي مصالحها في إيران الأمر الذي نجم عنه الإطاحة بأول حكومة منتخبة ديمقراطياً في البلاد. ولعل نظرة سريعة على التاريخ تكشف عن عدد أكبر بكثير من مثل تلك النماذج.
 
كانت غاية الحرب على أفغانستان السعي لإحياء فكرة “بريطانيا العالمية” التي تعود إلى القرن التاسع عشر. كانت تلك الحرب جزءاً من مقاربة للتعامل مع الشؤون الدولية – ثبت أنها مازالت متبناة من قبل برلماننا – لا يوجد لديها ما تقدمه للقرن الحادي والعشرين.

من أجل التمكن من المضي قدماً في هذه الأوقات العصيبة فإن زعماءنا يحتاجون للتحلي بصفات كثيراً ما تكون معدومة لديهم: الصبر والأمانة والصدق والاستعداد لبناء تحالفات طويلة المدى.

أما في غياب العمل المتناسق فإن أزمة المناخ التي نشهد تشكلها ستفاقم من حالة عدم الاستقرار على المستوى الدولي. وسيكون مستقبلنا هو ذاته مستقبل الدول الفاشلة، نعاني فيه من نقص المياه والطعام، ونشهد فيه هجرة جماعية قسرية، ما لم نشرك معنا الآخرين في تقنيات الطاقة المتجددة، ونسقط الديون التي تشل قدرات الدول المثقلة بأعبائها، وندعم بدلاً من أن نخمد تنمية البلدان التي فشلنا في الهيمنة عليها.

لدى بريطانيا، التي سوف تستضيف في وقت لاحق من هذه السنة مؤتمر التغير المناخي السادس والعشرين، الفرصة لإثبات قدرتها على ممارسة دور قيادي دولي أصيل وتقديم نموذج لكيفية التعامل مع انعدام الاستقرار العالمي، الذي يعتبر – ولو جزئياً – تركتنا التاريخية.

لا يمكننا استخدام القنابل والإيذاء والقوة الغاشمة للنجاة من الخطر المناخي الوجودي المحدق بنا.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: