محمد أبو رمان
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

بول أوستر وشبح الحرب الأهلية

محمد أبو رمان
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

يستدعي المثقفون، والمتابعون لمجريات الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، أدبياتٍ وكتاباتٍ تنبأت بأحداث غير تقليدية، مثل الحرب الأهلية والفوضى والاضطراب والانقسامات الداخلية العنيفة على قضايا، مثل الهوية والدين والثقافة، كما هي حال كتابات المؤرخ وعالم السياسة الراحل، صموئيل هنتنغتون، صاحب نظرية صدام الحضارات، وكتابه الأكثر أهمية في الداخل الأميركي “من نحن” (في العام 2004)، وتنبّأ فيه بأنّ الولايات المتحدة في العام 2025 قد لا تكون هي نفسها، نتيجة الانقسامات الداخلية.

بالضرورة، نجد مثل هذه التوقعات أو الإشارات إلى هاجس الحرب الأهلية أو الانقسام في أكثر من مجال في الأفلام والروايات وبعض التحليلات السياسية، ما يرتبط بمشكلات وأزمات بنيوية وهويات فرعية متنازعة في المجتمع الأميركي. ومع وجود شخصيةٍ، مثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فإنّ مثل هذه الهويات والمخاوف والمشروعات المتصارعة داخلياً ستنتعش، وتجد لها قواعد اجتماعية ومسارات للقفز إلى المشهد!

وطالما أنّنا نستدعي بعض هذه الأدبيات التي تحدثت عن سيناريو الحرب الأهلية، فإنّ إحدى الروايات المهمة في هذا المجال “رجل في الظلام”، للأميركي بول أوستر (ترجمة أحمد. م. أحمد، دار الآداب، بيروت، 2010). تبدأ، وإنْ تنبأت بسيناريو حرب أهلية أميركية مقبلة، لكن بصيغة مختلفة أو غريبة، من عقل رجل وتنتهي على أرض الواقع! وقد جنحت القراءات الأدبية الغربية والعربية، عموماً، إلى وضعنا أمام الفكرة الجديدة التي قدّمها أوستر، وهي تخيّل سيناريو يستبعد وقوع أحداث 11 سبتمبر وحرب العراق، بل ويمضي نحو مسار آخر في الأحداث، يقوم على اندلاع حرب أهلية أميركية جديدة (بين الاتحاديين والانفصاليين)، بعد قرار المحكمة الفدرالية الأميركية (العام 2000).

ليست هذه الحرب الافتراضية حبكة الرواية، لأنّها تدور في ذهن بطل الرواية فقط، وهو أديب سبعيني مقعد متقاعد، قابع في الظلام في غرفته، يتخيّل هذه الحرب وأحداثها ويخترع أبطالها، وينهيها بصورة مفاجئة، بينما يمضي بنا في الرواية في الحديث عن قصص إنسانية وسرديات متعدّدة لأبطال الرواية الرئيسيين (الأديب المتقاعد أوغست بريل، وحفيدته كاتيا، وابنته مريام، وزوجته، وقصص أخرى تنسلّ في ثنايا الرواية من هنا وهناك).

إذاً، القيمة الحقيقية للرواية، في ظني، أبعد من الجانب السياسي في السيناريو المفترض، إنّما هي في مواضيع أخرى، إنسانية وأخلاقية واجتماعية ونفسية، والظلام هو ظلام الوحدة والعزلة والإحباط والشعور بالانكسار لدى شخصيات الرواية الرئيسة، التي تمثّل، بدورها، شرائح اجتماعية واسعة وعريضة، والحل هو في الحوار والاعتراف بالهواجس والأزمات والمشكلات وعدم الهروب منها والاستسلام لها.

قد يصل آخرون إلى نتائج أو رسالة رئيسة مختلفة، وتبقى هنالك العديد من المجالات والأفكار والرسائل والنتائج الأخرى التي تقودك إليها الرواية، مثلما هي العبرة من وضع سيناريو الحرب الأهلية على الطاولة. ونجد هنا تحليلات متعددة للأدباء والنقّاد، لكن ما قرأتُه أنّ الهدف ليس القول بسيناريو هذه الحرب، أو استدعاء هذه الذاكرة البعيدة الأميركية، بل الحديث عما تحدثه الحرب من تغييرات كبيرة وويلات وتحولات لدى الأشخاص، وفي حياتهم، ودمار داخلي.

إحدى أبرز الأفكار، على سبيل المثال، استغرقتُ في التأمل فيها، وهي فكرة الحرب الأهلية التي اخترعها في ذهنه بطل القصة، وعالمه الخيالي الذي أصبح واقعاً. وبات هدف أحد طرفي الصراع الأهلي هو قتل هذا الرجل الكبير لإنهاء الحرب التي تدور في عقله، وهو أمرٌ قد يبدو فيكشن (Fiction) خياليا. ولكن، في الحقيقة، عندما نفكّر في أحداث كبرى وحروب قاتلة كثيرة هي بدأت بأفكار لرجال تحولت إلى أيديولوجيات، أو إلى اندلاع الحروب.

وجود إنسان في مكان ما مظلم، بعيد عن الأضواء، يعيش حالة من الإحباط أو اليأس، لا يعني أنّه لا يمكن أن يصنع شيئاً قد يشعل حرباً ويقود مجتمعاتٍ إلى الدمار بأفكاره، وربما العكس صحيح، وهذه قيمة الكتابة وأهميتها وخطورتها.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts