حلمي الأسمر
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

تطبيع رسمي ورفض شعبي

حلمي الأسمر
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

تسبّب لنا أخبار التطبيع العربي الرسمي المحموم مع كيان العدو الصهيوني وجع رأس، وتثير في النفس همّا وغمّا غير مسبوقين. ولكن في الوقت نفسه ثمّة ما يعدل المزاج، حين نلمس بقوة أن هرولة الرسميين يوازيها رفض شعبي قطعي، وتظهر دراسة أجرتها وزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية بين منتصف أغسطس/ آب ومنتصف سبتمبر/ أيلول، لمضمون المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي، عن اتفاقيات التطبيع الموقعة أخيرا، خيبة أمل كبيرة للآمال الإسرائيلية في هذا المجال.

حسب موقع “تايمز أوف إسرائيل” الذي نشر نتائج الدراسة، فإن موقف 81% من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي العرب كان سلبيا تجاه اتفاقات التطبيع، و8% لديهم آراء “سلبية جدا” وفقط 5% رأوها إيجابية، أي أن 89% من المنشورات العربية كانت سلبية تجاه التطبيع، فيما اعتبرت 45% من التعليقات المنشورة في العالم العربي، اتفاق التطبيع الإسرائيلي العربي بأنه “خيانة”، كما بيّنت الدراسة أن المدافعين عن التطبيع، وهم الأقلية، ركّزوا على مزايا الصفقات الأمنية والاقتصادية مع إسرائيل، وهو موضوع تسوق له آلة الإعلام الرسمية لتسويغ التطبيع، وإلباسه لباس المصلحة “الوطنية”!

وبالتوازي، نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات “المؤشر العربي 2019/2020” في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ضمن برنامج قياس الرأي العام، نتائج مشابهة للدراسة الإسرائيلية في ما يتعلق بتقبل العرب اعتراف بلدانهم بإسرائيل، حيث بينت نتائجه رفض 88% من المستطلعة آراؤهم أن تعترف بلدانهم بإسرائيل، مقابل 6% من المستجيبين أفادوا بأنهم يقبلون هذا. واشترط نصف هؤلاء إنشاء دولة فلسطينية مستقلة. وتصدّرت الجزائر أعلى نسبة رفض للاعتراف بإسرائيل بنسبة 99%، تلاها لبنان بنسبة 94%، فتونس والأردن بنسبة 93%، وفي الخليج رفض قرابة 90% من المستطلعة آراؤهم في قطر والكويت اعتراف بلدانهم بإسرائيل، كما أن 65% من السعوديين عبروا عن رفضهم ذلك، مقابل 6% وافقوا على ذلك، ورفض 29% منهم الإدلاء برأيهم. رفض 79% من السودانيين الاعتراف بإسرائيل، مقابل 13% وافقوا على هذا.

وعلى صعيد العمل البرلماني والنقابي ومؤسسات المجتمع المدني العربي، هناك جهد كبير يسعى إلى الوقوف بقوة في وجه التطبيع الشعبي، يتبدّى هذا في محاولات سن قوانين تجرّم التطبيع. في الجزائر مثلا، انتزعت النائب في البرلمان، أميرة بنت لسليم، قرارا بذلك، واعتبار التطبيع خيانة، واقترحت فرض عقوبة الحبس “من 3 ثلاث سنوات إلى عشر سنوات بالنسبة للأشخاص الطبيعيين وبالغلق أو سحب الاعتماد بالنسبة للمؤسسات والجمعيات وبغرامة مقدارها 300 ألف دينار جزائري بالنسبة للأفراد ومليون دينار جزائري بالنسبة للمؤسّسات، ويمكن مضاعفة العقوبة في حالة العود بالنسبة للغرامة ورفع عقوبة الحبس إلى 15 سنة حبسا نافذا”، في حق كل من يدعو إلى “التطبيع مع الكيان الصهيوني”، باعتباره “جنحة مساس بوحدة الأمة”. ويشمل القانون الجالية الجزائرية في الخارج، بمنعها ترويج التطبيع بحرمانها من حقوقها المدنية، مع تطبيق على كل مخالف قانون العقوبات.

في الأردن ومصر، حيث التطبيع مشرّع قانونيا وفق اتفاقيتي وادي عربة وكامب ديفيد، إلا أنه مجرّم وفق قرارات النقابات المهنية، وكذا الحال في غير بلد عربي، بالقدر الذي يتيح فيه سقف الحريات العامة إمكانية التعبير عن الرأي. ويترافق هذا كله مع حملات فقهية تجرّم التطبيع وتحرمه، وتجعله في منزلةٍ مرفوضة دينيا.

قطار التطبيع الرسمي يتسارع، وشعبيا مرفوضٌ ومجرّم، وعلى الأرض في الفضاء العربي الرسمي بدا أن قضية فلسطين تلفظ أنفاسها الأخيرة. ولكن في الوجه الآخر من الصورة، فلسطين تولد من جديد في الوجدان الشعبي العربي، رفضا للزفّة الرسمية التي تحاول تسويق الوهم. وقضية فلسطين، بهذا المعنى، لم تمت، بل ربما تكون ولدت من جديد، بعد أن تخلّى عنها “رسميا” من كان يخطفها، لقتلها، وسلبها شرفها. فلسطين ولدت بعد حفلات وزفات التطبيع والاستخذاء، والستربتيز السياسي، بعد أن أعلن عربٌ رسميا أنهم، كانوا، بعد نحو قرن من الوهم، مجرّد سماسرة، ووسطاء لبيع دم شعوبهم وثروات بلادهم للصهيونية العالمية ومن يدعمها، ويرعاها.

فلسطين، بهذا المعنى الجديد، تولد من جديد، وقد عرفت العدو من الصديق، وتخلّصت من سنواتٍ طويلة من الخديعة والكذب والتدليس، فالأبطال القوميون لم يكونوا غير جواسيس، والفرسان الذين كانت الإذاعات تصدح ببطولاتهم لم يكونوا غير شخصياتٍ مستنسخةٍ من كعب بن أبيّ وعبد الله بن سلول، كانوا صهاينة أكثر من الصهاينة، أضاعوا عقودا عاشت الشعوب المسكينة أسيرة إعلامهم المجعجع. واليوم، حصحص الحق، وذاب الثلج، وظهر المرج، بكامل بشاعته، فلتهنأ فلسطين، وأهلها ومحبوها في مشارق الأرض ومغاربها، بعد أن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.

على الرغم من قتامة هذا المشهد المأساوي، وضياع حقبٍ من عمر هذه الأمة، وآلاف مؤلفة من الشهداء، وهدر دماء زكيةٍ لا تقدّر بثمن، ثمّة ما يبشّر بخير عميم، فلئن خان الرسميون، وفرّطوا، لم تزل الشعوب قابضةً على جمر الحقيقة. وحتى المرتزقة من نخب الأنظمة التي تملأ أفواههم أموال السحت، من المطبّلين المزمّرين للتطبيع والاستسلام، لم يعد لهم مكانٌ في الوجدان الجمعي العربي، فغدوا أضحوكةً ممجوجةً، لا يصدّقهم أحد. ومن يتصفّح ما يكتبه الناس في منصّات الإعلام الشعبي، يدرك أن النار تشتعل تحت الرماد، والجمر يتّقد انتظارا لريحٍ خفيفة، تظهر حقيقة هذه الأمة التي لم ولن يغادرها الخير، حتى في أشد حقب التاريخ حلكة.

بقيت كلمة.. المقاومة هي المشعل الوحيد الذي لم يزل ينير العتم. المقاومة لم ولن تكون إرهابا، مهما حاولوا شيطنتها. هي الدليل الأكبر على أن هذه الأمة لم تمت، فهي حيةٌ في قلوب الملايين. والمقاومة هنا ليست فقط الفصائل التي ترفض وضع السلاح والسير في زفّة الاستسلام، بل هي أيضا تلك الروح التي لم تزل تشتعل في قلوب الملايين من محبّي فلسطين بعامة، في أنحاء الأرض، وفي قلوب المرابطين في بيت المقدس وأكنافه بخاصة، الذين يحرسون شرف الأمة وقبلتها الأولى، ويذودون عن شعلة الأمل كي تبقى مضيئة.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts