تغريدة أطلقت عملية “الاغتيال”.. هكذا دمّرت الصين مسعود أوزيل

تغريدة أطلقت عملية “الاغتيال”.. هكذا دمّرت الصين مسعود أوزيل

مسعود أوزيل

بدأ كل شيء بتغريدة، كان مسعود أوزيل يعي العواقب جيداً، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حين قرَّر تقديم إدانة علنية حادة لتعامل الصين الوحشي مع الإيغور، وهي أقلية مسلمة معظمها بإقليم شينجيانغ، والصمت المتواطئ من قبل المجتمع الدولي.

حذَّر أصدقاء ومساعدو اللاعب الألماني، تركي الأصل، مسعود أوزيل، من أنَّ التداعيات ستكون خطيرة، إذ سيتعين عليه استبعاد السوق الصيني من حساباته، وسيختفي الستة ملايين متابع له على منصة Weibo، أكبر شبكة اجتماعية في الصين، وستختفي رابطة مشجعيه هناك أيضاً، والمُقدَّرين بنحو 50 ألف عضو مُسجَّل، ولن يلعب في الصين أبداً، وقد يصبح التعاقد معه إشكالياً للغاية، خاصة للأندية التي لديها مُلَّاك أو رعاة صينيون، أو حتى المملوكة لرجال أعمال لديهم مصالح مع الصين. 

https://twitter.com/MesutOzil1088/status/1205439723302469632?s=20

كان أوزيل يعلم أنَّ هذه التحذيرات ليس الهدف منها إثارة خوفه بقدر ما هي حقيقية، لأنه شهد رد الفعل الصيني الغاضب على تغريدة نشرها داريل موراي، المدير العام لنادي هيوستن روكيتس بدوري كرة السلة الأمريكية للمحترفين (NBA)، قبل ذلك بأسابيع قليلة فقط. مع ذلك كان أوزيل مُصِرَّاً، فقد تنامى غضبه من الوضع في شينجيانغ أكثر فأكثر، وكان يشاهد الوثائقيات ويتابع تقارير الأخبار، وقال لأحد مساعديه إنَّه يؤمن بأنَّ واجبه ليس فقط تسليط الضوء على المسألة، بل أيضاً الضغط على البلدان ذات الغالبية المسلمة كي تتدخل وتُنهي ذلك الوضع.

ومن ثَمَّ ضغط على زر النشر.

كمّ الأحداث التي يمكن تتبعها من الوضع الحالي لأوزيل، وصولاً إلى التغريدة محل جدل كبير، إذ لدى أوزيل قناعة بأنَّ تلك هي اللحظة التي تغيَّر عندها كل شيء، لكنَّ أرسنال مصمم بنفس الدرجة أنَّها ليست كذلك، وليست هناك طريقة سهلة وأنيقة لجسر الهوة بين وجهتي النظر، فربما كلاهما على صواب، وربما كلاهما ليس كذلك، ولم يكن أوزيل ولا أرسنال مستعدين للتحدث بشأن الخلافات بينهما علانيةً.

لكن بصرف النظر عن هذا، النتيجة هي نفسها، فبعد أيام قليلة من نشر أوزيل تغريدته علناً رفض اثنان من شركاء البث في الصين، شبكة CCTV، وموقع PP Sports، إذاعة مباراة لفريق أرسنال، وحين تنازل الموقع لبث مباريات أرسنال مجدداً رفض مُعلِّقوه ذكر اسم أوزيل.

وأُزِيلَت صورته من ألعاب الفيديو الصينية، وصار البحث عن اسمه في محركات البحث الصينية يؤدي إلى ظهور رسائل خطأ برمجي، لقد جرت عملية طمس متكاملة لمسعود أوزيل، بناءً على طلب الحكومة الصينية المستبدة.

وإن بدا آنذاك أنَّ الأمور لا يمكن أن تزداد سوءاً، فإنَّ تلك ليست الحقيقة، إذ اتضح أنَّ اختفاء مسعود من الإنترنت الصيني كان مجرد البداية.

القضية الخطأ

عند النظر الآن إلى رد فعل أرسنال على قرار أوزيل بالإفصاح عن موقفه علناً، يتبين أنَّه كان -على أقل تقدير- غير متسق مع اللاعب، إذ سارع النادي علناً للنأي بنفسه عن تعليقات أوزيل، وفكَّر سراً في معاقبته.

فقد تسبَّبت تغريدته ومنشوره الذي نشره بالتزامن مع ذلك على منصة إنستغرام لمتابعيه الـ20 مليوناً هناك، في مشكلات كبيرة، ليس فقط لأرسنال، بل وكذلك للدوري الإنجليزي الممتاز. ففي نهاية المطاف الصين هي أكبر شريك بث أجنبي، وأكبر سوق أجنبي له، ولم يكن بإمكان البريميرليغ –حتى في عالم ما قبل كورونا- تحمُّل تبعات منع مبارياته أو إغلاق رعاته ومشجعيه لمحافظهم.

قال تشي جي، مدير شركة “Red Lantern”، وهي شركة تسويق رياضي تعمل في الصين لصالح البريميرليغ وعدد من أنديته: “في الصين لا يدرك الكثير من الجمهور طبيعة العلاقة بين الرابطة والدوري واللاعب في الدول الأجنبية، ويرون في الصين أنَّ رابطة كرة القدم مسؤولة كلياً عن الدوري، الذي هو بدوره مسؤول عن اللاعب، وهذا يضع الأندية والدوريات والأفراد في موقف حرج”.

وإدراكاً من أرسنال لذلك حثَّ المسؤولون التنفيذيون في الفريق أوزيل على تجنُّب البيانات السياسية، أو على الأقل ضمان تجنُّب أي ربط لها بالنادي إذا واصل الإدلاء بها، وحين أرسل الفريق منتجاته احتفالاً بالسنة الصينية الجديدة تأكَّد من إزالة أوزيل من أيٍّ منها.

https://twitter.com/MesutOzil1088/status/1316072486325411841?s=20

وحرصاً على تجنّب ذلك النوع من الخلافات التي عرَّضت علاقات أعمال رابطة دوري كرة السلة الأمريكية للمحترفين، البالغة مليارات الدولارات مع الصين، بذل البريميرليغ قصارى جهده للبقاء بعيداً عن المشكلة، لكن يبدو أنَّ رابطة الدوري وأنديتها يختارون وينتقون تدخلاتهم السياسية. فقبل أشهر قليلة من تغريدة أوزيل أبلغ لاعبون ممثلون لأندية البريميرليغ العشرين –كان لاعب أرسنال هيكتور بيليرين داعماً رائداً– الرابطة بأنَّهم سيبدأون عروضاً هادفة لدعم حركة “حياة السود مهمة” خلال المباريات. وسرعان ما رضخت الرابطة للصحوة السياسية للاعبيها.

والأسبوع الماضي، بعد تغريد قائد فريق أرسنال، بيير إيميريك أوباميانغ، دعماً للاحتجاجات ضد عنف الشرطة في إفريقيا، أصدر النادي بياناً، بدأ البيان بالقول: “إلى مشجعينا النيجيريين، نحن نراكم، ونسمعكم، ونشعر بكم”.

قال تيم كرو، أحد مستشاري الرعاية: “بات من المهم على نحو متزايد أن يكون لكم دور في هذه الأمور، وإن لم تفعلوا فسيُسلَّط الضوء عليكم عاجلاً أو آجلاً، وسيطرح الناس أسئلة عن قيمكم ومبادئكم”.

يبدو أنَّ مشكلة أوزيل إذن ليست في أنَّه أصدر بياناً سياسياً، بل تتعلَّق أكثر بأنَّه اختار القضية الخطأ ضد خصم صعب المراس.

خفض الراتب

بالتأكيد كان العالم قد تغيَّر بحلول الوقت الذي كان البريميرليغ يناقش فيه مسألة “حياة السود مهمة” الصيف الماضي، إذ فرض فيروس كورونا توقفاً كروياً لثلاثة أشهر، وكان أرسنال، شأنه شأن أي فريق آخر، يتعامل مع التداعيات المالية للجائحة. وسرعان ما بدأ نقاش جديد في أرسنال بشأن ما إن كان على لاعبي الفريق أصحاب الرواتب العالية أن يقبلوا بتخفيض الرواتب، وعلى الفور وسَّع موقف أوزيل الرافض الهوة بينه وبين ناديه.

فحتى بعد تغريده عن الصين، لعب أوزيل دوراً بارزاً على نحو معقول مع أرسنال في الأشهر القليلة الأولى من 2020، وكان مايكل أرتيتا، المدرب الجديد للفريق، قد أصرَّ في مقابلته مع النادي من أجل الحصول على منصبه على رغبته في العمل مع أوزيل، زميله السابق في الفريق، ليرى إن كان بإمكانه دفع اللاعب الأعلى راتباً في النادي للعودة إلى أفضل مستوياته.

ويبدو أنَّ هذه العلاقة تعثرت حين ضغط الفريق على لاعبيه للتنازل عن جزء من رواتبهم لتخفيف الأزمة المالية في أرسنال، إذ استمرت المحادثات 6 أسابيع، وبحلول أبريل/نيسان الماضي كانت الغالبية قد وافقت.

لكن ظلَّت هناك تساؤلات لدى أوزيل، فطلب من قيادة أرسنال العليا إجابات مفصلة بشأن أوجه استخدام الأموال المُوفَّرة، وما إن كان مُلَّاك النادي أيضاً سيساهمون، وما إن كان بإمكان الفريق أن يؤكِّد له بأنَّه سيستخدم المال لحماية العاملين من غير اللاعبين.

لم يشعر أوزيل أنَّه جرت معالجة تلك القضايا بصورة مُرضية (ولو أنَّ النادي يشعر بالعكس). وبعد مكالمة نهائية عبر تطبيق Zoom، حثَّ فيها أرتيتا لاعبيه على “فعل الصواب”، ظلَّ أوزيل على موقفه.

وفي يونيو/حزيران الماضي، بات تخفيض الرواتب بنسبة 12.5% رسمياً، وقُدِّمَت للاعبين أورواق تعود بتاريخ التغييرات إلى أبريل/نيسان. وقَّع معظمهم على الفور، وتريث 6 لاعبين أو نحو ذلك، لكنَّ أوزيل بقي حازماً على موقفه. ومجدداً، كان يعرف المخاطر: إمكانية أن ينبذه النادي، أو إمكانية إنهاء مسيرته عملياً في أرسنال بسبب الرفض، لكنَّ ذلك لم يُغيِّر من الأمر شيئاً.

لم يلعب أوزيل مع أرسنال منذ ذلك الحين، وفي أغسطس/آب الماضي، بعد شهرين من الحصول على تنازلات الرواتب من اللاعبين، أعلن النادي رحيل 55 من الأفراد العاملين، مُحتجَّاً بالتأثير المالي المستمر للجائحة، لكنَّ أوزيل اهتمّ بأحد هؤلاء بصفة خاصة.

إنقاذ الديناصور

ربما لا يوجد مؤشر أفضل على كيفية انعدام الثقة بين أوزيل وأرسنال، من حقيقة أنَّ جزءاً على الأقل من التوتر بين الطرفين يتعلَّق بخلاف حول “ديناصور”، هذا فضلاً عن نشاط أوزيل السياسي ورفضه القبول بتخفيض الراتب.

ففي وقتٍ سابق من هذا الشهر، أكتوبر/تشرين الأول، اتضح أنَّ أرسنال قد سرَّح جيري كوي، وهو مشجع للفريق طوال حياته، وقضى الـ27 سنة الأخيرة في ارتداء زي ديناصور أخضر ضخم يقف عند الخط الجانبي أثناء المباريات ويحمس الجماهير واللاعبين، حتى أصبح أيقونة للنادي. وكوي هو الرجل الذي يرتدي زي الديناصور المُسمَّى “غانرسوروس”، تميمة أرسنال التي لا خلاف على حبها تقريباً، لذا كان تسريحه كارثة من زاوية العلاقات العامة، واغتنم أوزيل الفرصة على الفور، وتطوَّع لدفع راتب كوي إلى حين السماح بعودة الجماهير للملاعب الإنجليزية، وإمكانية عودة غانرسوروس مرة أخرى، فغَضِبَ النادي.

بدا من بعيد كما لو أنَّ أوزيل كان يتصيَّد لأرسنال، ومن المحتمل أنَّه كان كذلك، لكن الأوضح من ذلك هو أنَّ اللاعب والنادي مرتبطان معاً بشكل لا فكاك منه بسبب العقد الذي يربطهما. حاول النادي بيع أوزيل في صيف 2018 وصيف 2019 لكنه فشل، وكان يتفاوض مؤخراً معه بشأن شراء معظم ما تبقى من عقده وتسريحه، لكنَّ أوزيل لم يكن مستعداً للتزحزح عن موقفه، والسبب الذي ربما يقف خلف هذا هو –مجدداً- مسألة جدلية. فيعتقد البعض في النادي أنَّ أوزيل، الذي تزوج مؤخراً ورُزِق بابنة، يشعر بالاستقرار في لندن ولا يريد الانتقال. ويفترض الكثير من المشجعين أنَّه ببساطة سعيد بالحصول على راتبه، البالغ العديد من الملايين من الدولارات حتى نهاية عقده العام المقبل، وأنَّه راضٍ بالحصول على راتب ضخم يصل لأكثر من 250 ألف جنيه إسترليني أسبوعياً مقابل عدم لعب الكرة.

وجنباً إلى جنب مع الحادثة الدولية التي أثارتها تغريدته، وبالإضافة إلى همسات وسائل الإعلام الإخبارية -والتي تُنفى بشدة من جانب مقربين منه- بأنَّه صار متراخياً، واختفت رغبته في لعب الكرة، يبدو أنَّ أوزيل صارت له سُمعة ليست بالجيدة في الأوساط الكروية، إذ يبدو أنَّ عالم كرة القدم ككل قرَّر أنَّ حجم المشاكل التي يتسبب فيها يفُوق حجم موهبته.

فقد ظلَّ صانع الألعاب الفائز بكأس العالم متاحاً بسعر مُخفَّض جداً طيلة أشهر، لكن لم يحاول أحد الأندية الكبيرة انتدابه.

الفصل الأخير

يُصِرُّ أوزيل (32 عاماً) على أنَّ “حبه” لأرسنال هو ما يبقيه هناك، فوفقاً لمسؤول كروي على اطّلاع على العروض، لاحت أمام اللاعب فرص للمغادرة على مدار هذا الصيف، لكنَّ أياً منها لم يرُق له. ويُقلِّص حجم راتبه خياراته بقوة، حتى في ظل حرص أرسنال على انتقاله مع استعداده لدفع ثلثي عقده لجعل الأمر يتم.

ولم تبدأ حقيقة وضعه في الظهور إلا الأسبوع الماضي، إذ تم استبعاده من قائمة أرسنال المشاركة في بطولة الدوري الأوروبي لهذا الموسم، قبل أن يُبلَّغ بأنَّه لن يكون في قائمة الفريق المشاركة في البريميرليغ أيضاً. 

ومع إغلاق فترة الانتقالات حتى يناير/كانون الثاني المقبل، يكون فات أوان المغادرة. وحتى ذلك الحين، على أقل تقدير، سيجد نفسه في منفى كروي، منفى من صنع نفسه، وصنع ناديه، ولا يبدو أنَّ هناك مخرجاً منه.

بدأ الأمر بتغريدة، وإن رفض أرسنال الاعتراف بذلك، وأيَّاً ما كانت البداية فإنَّ ما آل إليه الأمر هو: اغتيال مسعود أوزيل كروياً.


– عربي بوست – هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأمريكية.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: