وائل البتيري
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

حوار هادئ حول “الخطبة الموحدة” في الأردن

وائل البتيري
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

كثر الحديث والجدل في الآونة الأخيرة حول مدى فعالية الخطبة الموحدة (المركزية)، وأنها أصبحت شكلاً من أشكال الروتين الديني الذي يعيشه المواطن الأردني، الذي يتضمن رؤية واحدة وطريقة في التفكير أُحادية الاتجاه، ومستوى معرفياً محدداً، مع أن المطلوب هو الاستماع والإفادة من الإرشاد الديني الذي يجب أن يعيشه المواطن الأردني بما يلامس قضاياه العامة والخاصة.

وفي هذا الصدد؛ أقدم هذه الوقفات السريعة، مع مجموعة من الأسباب التي تستدعي العودة إلى الخطبة الابتكارية، التي تحفز المشايخ والخطباء على البحث العلمي، والقراءة الطويلة لانتقاء الموضوعات المستجدة والمناسبة لمساجدهم، وتجعلهم ألصق بقضايا مجتمعهم، مما يرجع أثره الحميد على المجتمع الأردني كلياً، عوضاً عن الخطبة الموحدة (المركزية) التي تجعلهم كقراء الكتاتيب، فتعيدُنا ألف سنة إلى الوراء.

أولاً: إيجاد مرجعيات لأفكار “داعشية” بديلة عن الفكر المعتدل:

في الأردن؛ ثمة إجماع شعبي ورسمي على نبذ “الفكر الداعشي”، ولا أقصد تلك الشماعة التي أصبح يستخدمها العلمانيون والليبراليون في توصيف مخالفيهم من الإسلاميين، وإنما أقصد منهج تنظيم الدولة المسمى إعلامياً “داعش” والذي استحل دماء هؤلاء الإسلاميين وغيرهم ممن رفضوا مبايعة التنظيم على السمع والطاعة.

أما وزارة الأوقاف؛ فهي – من خلال منهج الخطبة الموحدة (المركزية) – تسهِّل – من حيث لا تدري – قبول الأفكار المتطرفة، وعلى رأسها الفكر الداعشي! سَلني كيف؟ لأقل لك إن الوزارة بخطبتها الموحدة تصنع من الخطباء شخصيات تابعة جامدة مقلدة، وكأن الواحد منهم عبارة عن صورة متحركة تردد ما يُقال لها، مما يفقده مؤهلات المرجعية التي تستحق أن تُسأل وتُستفتى وتُستشار، عدا عن أن الخطيب الذي يردد ما تطلبه منه الوزارة سيصنَّف ضمن “علماء السلاطين” أو “أبواق السلطة”، في الوقت الذي تشهد فيه الثقة بين الشعب والحكومة شرخاً كبيراً.. وهذا كله سيدفع هذه الجماهير إلى البحث عن شخصيات مستقلة غير تابعة للسلطة، لتضع فيها ثقتها، وتوجه إليها أسئلتها واستفتاءاتها الشرعية، وقد يقع الاختيار على بعض حملة الفكر الداعشي.. كل هذا كي تهنأ الوزارة بخطبتها الموحدة.

ومن هنا؛ فعلى وزارة الأوقاف أن تقيس مخرجات الخطبة الموحدة (المركزية) من خلال أدوات علمية صادقة، من مثل استشارة علماء النفس المجتمعي، وقياس آراء المجتمع، والخطباء، وقياس مستوى الوعي، وقياس مستوى الثقة بخطيب الجمعة بعد الخطبة الموحدة وقبلها.. هذا ما يجب أن تقوم به هذه الوزارة من خلال وحدة التخطيط التابعة لها – إن كان فيها وحدة تخطيط – للوصول إلى الهدف المرجو في تقديم خطبة جمعة مؤثرة وصانعة لمجتمع التنمية على المستوى الاجتماعي والفكري والاقتصادي والسياسي والأمني.

خلاصة الفكرة؛ أنك إن فقدت مرجعيتك لدى عموم المجتمع فهناك من سيملؤها.

ثانياً: غياب مقصد صانعي القرار في سياسة قبول طلاب الشريعة عن سياسة الخطبة الموحدة:

في عام 2016 قررت وزارة التعليم رفع معدلات القبول في كليات الشريعة “لتجويد مدخلاتها من الطلبة، ورفع سوية هؤلاء الطلبة، وتمكين كليات الشريعة من تخريج قيادات مجتمعية قادرة على التأثير في المجتمع”.

وقررت أيضاً إضافة مساق واحد على الأقل ضمن المساقات الإجبارية في الثقافة الإسلامية تتعلق بالدين والوسطية والاعتدال وتقبل الآخر؛ لزيادة الوعي ومواجهة دعوات التطرف والغلو.

ولكن؛ لوزارة الأوقاف رأي آخر؛ فلسان حالها يقول للطلبة خريجي الشريعة ممن يمارسون الخطابة: لا تفرحوا كثيراً؛ فهذه القرارات لن تشفع لكم كي تكونوا ذوي شخصيات قيادية مستقلة ومبتكرة و”قادرة على التأثير في المجتمع”، إذ عليكم أن تلتزموا بالخطبة الموحدة – بعضها أو كلها (حسب الطلب، وكثيرٌ منهم يريح رأسه ويقرأها كما هي حتى لا يُمنع أو يُطلب للتحقيق) -، فمعدلاتكم التي أهّلتكم أن تدرسوا الشريعة، ثم السنوات التي قضيتموها في الجامعة لتصقل شخصياتكم العلمية والشرعية، والمساق الذي أخذتموه عن “الوسطية والاعتدال وتقبل الآخر”.. كل ذلك لم يؤهلكم لنيل ثقة الوزارة، وستبقون تلاميذ على مقاعدها إلى يوم الدين.

إن ما تعمل عليه سياسات القبول لطلاب الشريعة في بلدنا الحبيب؛ تهدمه قرارات وزارة الأوقاف غير المتسقة وغير المتكاملة وغير المرتبطة بالمقاصد العامة للتعليم، ونحن نعلم أن من أبجديات صناعة القرار المتعلق في المجتمع الاتساق مع القرارات الممهدة له، والمتسقة به، كي يكون هناك انسجام وتكامل في خدمة رؤية الدولة لقراراتها التربوية والتعليمية، وصناعة هادفة لسياساتها الإجرائية، ولا أظن أحداً يوافق على ما تقوم به وزارة الأوقاف في قرار خطبة الجمعة الموحدة، لا على المستوى الداخلي، ولا على مستوى سمعة بلدنا الحبيب خارجياً، وما يمتاز به من وجود حريات تفوق – على الأقل – مستوى خطبة الجمعة.

ثالثاً: إضعاف التنمية السياسية في مفهومها الاجتماعي الشامل:

من أبرز أهداف وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية “توسيع قاعدة المشاركة السياسية في صنع القرار، وتنمية الحياة الحزبية”. وتشكلت في الأردن قبل أسابيع لجنة ملكية لتحديث المنظومة السياسية من خلال تعديل قانوني الانتخاب والأحزاب، بما يضمن توسيع المشاركة الحزبية، وبهذه المناسبة أعرب ملك البلاد عبدالله الثاني ابن الحسين، عن أمله بأن يرى الأردنيين “منخرطين في الحياة السياسية، وواثقين بالعمل الحزبي”.

لكن قد يكون لوزارة الأوقاف وجهة نظر مختلفة في مشروع التنمية السياسية؛ فهي تمنع بعض الخطباء من أداء خطبة الجمعة بحجة أنهم “يستخدمون المنبر لتأييد حزب معين أو اتجاه معين” كما قال وزير الأوقاف أمس في حواره مع إذاعة حياة أف أم، وهذا يفتح الباب واسعاً لمنع جميع الحزبيين، أو من يُظن في كلامه أنه يؤيد حزباً ما، لتوضع هذه الفئة – أو الراغبين في الانضمام إليها – أمام خيارين؛ إما الانخراط بصفوف حزب، وإما ممارسة الخطابة، أما الجمع بين هذين الخيارين فمن المحرمات! وهذا يتعارض كما لا يخفى مع سياسة ملك البلاد في دعوته لممارسة العمل السياسي بما يخدم قضايا الأردن العامة والخاصة.

ويحصل هذا في الوقت الذي تعلن فيه الدولة عن سعيها لتنمية الحياة السياسية، وتوسيع آفاقها، وتشجيع العمل الحزبي، وبناء جسور الثقة بينه وبين أفراد المجتمع. ويحصل أيضاً في بلدنا الذي أطلق “رسالة عمان” التي تدعو إلى التسامح والوحدة، فكيف تستقيم هذه الدعوة في الوقت الذي تمنع فيه فئات من المجتمع عن ارتقاء المنبر؛ لأنها تمثل أحزاباً أو اتجاهات لا تروق لفلان أو علان؟!

رابعاً: القضاء على مقاصد خطبة الجمعة المجتمعية والتنموية والسياسية والفكرية:

في الأردن؛ ثمة تنوع ثقافي واجتماعي وتعدد في الطبقات الاقتصادية، فهناك أهل المدن، والبوادي، والقرى، والمخيمات، وهناك الأحياء الراقية ذات الدخل المادي المرتفع، والمتوسطة أو الفقيرة، وهناك أحياءٌ تتميز بطابع اجتماعي معين، أو يقع فيها حدَث لم يقع في غيرها.. كل ما سبق يستدعي أن يستقل الخطيب باتخاذ عنوان ومضمون لخطبته؛ يرى أنهما يناسبان واقعه وما يكتنفه من ثقافات وأحوال وأحداث، فليس من المعقول أبداً أن تأتي خطبة الجمعة لتحث المصلين على أداء الزكاة في عشرات – بل قل مئات المساجد – ولا تجد فيها من يخرج زكاة ماله. وفي المقابل؛ ليس من المعقول حث المصلين على الصبر وتحمل مشاق الحياة وضعف الوضع الاقتصادي وانتشار الفقر في بعض المساجد التي يتمتع أهلها بالمستوى المعيشي الممتاز!

أما وزارة الأوقاف؛ فتتعامل مع هذه الفئات تعاملاً واحداً من خلال الخطبة الموحدة، فمن يعيش في شرق البلاد وغربها، وشمالها وجنوبها، ومن يعيش في المدينة والريف والبادية، ومن يعيش في المناطق الراقية أو النائية أو الغنية أو الفقيرة؛ كلهم سيستمعون إلى الخطبة ذاتها، من غير مراعاة لأية فروق يفرضها واقع الحال، في صورة من الجمود تشبه جمود غلاة الظاهرية في الفقه.

هذه بعض الأسباب التي أرى من خلالها ضرورة نبذ سياسة الخطبة الواحدة جانباً – لأنها أثبتت ضعفها ووهنها – والعودة إلى الخطبة الابتكارية، ضمن برامج توعوية وتنموية لخطباء المساجد.. فحري بصاحب القرار أن يُعيد النظر في هذا الموضوع بشجاعة وجرأة، ضمن أدوات علمية يقوم بها المتخصصون من صناع القرار، ورؤساء وحدات التخطيط المجتمعي، وأخذ رأي الشارع الأردني الذي بات مهمشاً في مثل هذه القرارات.. والله من وراء القصد.

السبيل

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts