سيناريوهات فوضوية للانتخابات الرئاسية الأميركية

سيناريوهات فوضوية للانتخابات الرئاسية الأميركية

قبل نحو 94 يوماً من الانتخابات الرئاسية الأميركية، يزداد الرئيس دونالد ترامب توتراً، في إشارة إلى هبوط أسهمه في استطلاعات الرأي، وتقدم منافسه الديمقراطي جو بايدن. وكان ترامب قد قدّم نفسه طيلة السنوات الماضية بصورة “الرجل القوي”، مدعوماً برخاء اقتصادي لم تشهد مثله الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، وهو ما غطى على أزماته وفضائحه العديدة، بدءاً من مسلسل الإقالات في إدارته، وانسحابه من اتفاقيات دولية، مثل اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي الإيراني، مروراً بسلوكه العدواني تجاه دول عدة، سواء في حلف شمال الأطلسي أو الصين، وصولاً إلى الاتهامات بحصوله على دعمٍ روسي لانتخابات 2016 الرئاسية. غير أن أزمة كورونا التي تفشت في العام الحالي، أطاحت بالنموّ الاقتصادي الأميركي المتواصل، واختفت عبارة “وظائف. وظائف” من تغريدات ترامب على “تويتر”، وبدأ الجانب المظلم يبرز فيه وينعكس على تعامله مع المجتمع الأميركي، خصوصاً عقب مقتل المواطن جورج فلويد في 25 مايو/ أيار الماضي، على يد 4 ضباط شرطة في مينيابوليس ـ مينيسوتا، مفجّراً مسلسل التظاهرات المنددة بالعنصرية وبعنف القوى الأمنية. ولم يتمكن ترامب من التخلّص من هذه الأزمة المستجدة، بل تحداها، إلى درجة الدفع بقوات فيدرالية إلى مدن متوترة، مثل بورتلاند ـ أوريغون، وشيكاغو وألبوكيركي ونيو مكسيكو وغيرها. وتبيّن أن تلك المحاولات لم تُسكت الناس، بقدر ما أضعفت حظوظه الرئاسية، فعمد، مساء أول من أمس الخميس، إلى طرح سؤال مفاده “ماذا لو أجّلنا الانتخابات؟”، مدّعياً بأن التصويت عبر البريد قد يؤدي إلى “أكبر تزوير في تاريخ الانتخابات الرئاسية”، من دون أن يقدّم دليلاً واحداً لتأكيد أقواله.

وعلى الرغم من وجود إجماع في الولايات المتحدة على أن تأجيل الانتخابات يعد غير وارد، فإن التساؤلات تركزت حول ما يمكن أن يحدث في ما يخص النتائج فضلاً عن كيفية تعامل ترامب معها.

ووضع جوزف أكس، من وكالة “رويترز”، بعضاً من السيناريوهات الفوضوية، وهي أنه “من المحتمل أن تتسبب بطاقات الاقتراع بالبريد في حدوث تأخيرات كبيرة في نتائج الفرز. ففي العديد من الولايات، يمكن للمسؤولين الوصول بعد يوم الانتخابات، ويجب عليهم فتح بطاقات الاقتراع يدوياً والتحقق من التواقيع”. ولفت إلى أنه “بالفعل هذا العام، ظلت بعض الانتخابات الأولية التي أجريت في الغالب عن طريق البريد بسبب الوباء غير مستقرة لأسابيع بعد يوم الانتخابات. ويشعر الديمقراطيون بالقلق من أن مثل هذه التأخيرات قد تسمح للمطالبات بالاحتيال بجذب الانتباه”. ومن السيناريوهات أيضاً، ذكر أكس أنه “لدى الدول قوانين مختلفة في ما يتعلق بالتصويت بالبريد وبطاقات الاقتراع الغيابي، غير أن الانتخابات التمهيدية كشفت عن تحديات هائلة في تسليم بطاقات الاقتراع بالبريد في الوقت المحدد، في ظلّ الزيادة الكبيرة لهذا النوع من الاقتراع”.

التدهور الاقتصادي كشف مساوئ عدة لدى ترامب وإدارته لأميركا

وبرأيه، فإن “الأمر الأكثر إثارة للقلق هو إمكانية حدوث نزاع في الهيئة الانتخابية، لأنه لا يتم انتخاب الرئيس بأغلبية الأصوات الشعبية، بل إنه بموجب الدستور، فإن الهيئة الناخبة، المؤلفة من 538 ناخباً كبيراً، هي التي تحدد الفائز، وهو ما قد يشكّل أزمة في حال انقسمت الهيئة، في حال ارتفع حجم الاقتراع بالبريد”.

وذكر أكس أنه في حال تشبث ترامب بالرئاسة، رافضاً الاعتراف بالهزيمة، فإن بايدن اقترح أن “الجيش قد يحتاج إلى مرافقة ترامب خارج البيت الأبيض إذا خسر ورفض المغادرة”. وأضاف المرشح الديمقراطي أنه “في حال أدى اليمين كرئيس في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل، فإنه سيقود القوات المسلحة والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة التنفيذية، مثل الخدمة السرية، وهو ما فسر بأن بايدن يقصد بأنه سيستخدم هذه الصلاحية لإتمام العملية الانتخابية.

وعلى الرغم من تراجع ترامب لاحقاً عن طرح تأجيل الاقتراع، معتبراً أنه يريد ظهور نتائج الانتخابات في اليوم نفسه، أي في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، لا بعد أيام أو أشهر أو سنوات، إلا أن مجرد طرحه موضوع تأجيل الانتخابات، أكد مخاوف ديمقراطية عدة، لجهة عدم تنازله عن السلطة أو القبول برئاسة بايدن في حال فاز الأخير.

ولكون احتمال “رفض التنازل” قوياً، كشف العقيد المتقاعد لورنس ويلكرسون، والذي كان يشغل منصب مدير مكتب وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول، في حديثٍ لإرين برنيت على قناة “سي أن أن”، أنه تمّ تشكيل مجموعة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لدراسة مختلف السيناريوهات، في حال خسر ترامب الانتخابات في نوفمبر ورفض التنازل، في إشارة إلى احتمال أن يقوم الرئيس بذلك.

أوباما يوجّه اتهامات إلى ترامب: التصويت عبر المراسلة “سيكون حاسماً”

من جهتهم، ذكر الصحافيون ماغي هابرمان، وجوناثان مارتن، وريد أيبشتاين، في مقال مشترك في صحيفة “نيويورك تايمز”، أن خطوة ترامب أثارت انتقادات عدة، حتى بين الجمهوريين في الكونغرس، الذين شدّدوا على ضرورة تنظيم الانتخابات في موعدها. وقال ممثل كاليفورنيا، زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب النائب كيفن ماكارثي، المؤيد المتحمس لترامب، إنه “لم يسبق لنا تأجيل انتخابات، وعلينا أن نمضي قدماً”، مبدياً تفهّمه لـ”الرئيس القلق بشأن التصويت عبر البريد”. وقال “سنجد طريقة لإجراء الانتخابات في 3 نوفمبر”. كما أكد زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، أنه “لا يؤيد أي تأخير في الانتخابات”.

بدورهما، رفض السيناتوران تيد كروز وماركو روبيو، المنافسان على الترشيح الجمهوري للرئاسة عام 2016، قبل أن يتحوّلا لأشدّ داعمي ترامب، التأجيل. وقال روبيو، في مبنى الكابيتول في واشنطن: “سنجري انتخابات، وستكون مشروعة، وذات مصداقية. ستكون كما كانت دائماً”. أما كروز فرأى “أن تزوير الانتخابات يمثل مشكلة خطيرة، لكن لا يجب تأخيرها”. حتى أن السيناتور ليندزي غراهام، المدافع العام الأول عن ترامب في مجلس الشيوخ، أكد أنه سيكون هناك تصويت آمن في نوفمبر، فيما لم يبدِ المسؤولون في الولايات المتأرجحة الرئيسية (ميشيغن، بنسلفانيا، مينيسوتا) اهتماماً كبيراً بالموضوع.

شُكّلت مجموعة لدراسة كل السيناريوهات في حال رفض ترامب التنازل

ورأى الثلاثي هابرمان ومارتن وأيبشتاين، أن “ترامب يواجه فترة رهيبة للانتخابات الرئاسية، أسوأ مما يمكن تخيلها: أسوأ ربع في الاقتصاد على الإطلاق، وأزمة صحية متواصلة واحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، وبلد مشلول بسبب عدم وجود خطة انتعاش مالي مع عدم وجود حل في الأفق. وكلها تتفاقم بسبب عدم قدرته على الحد من سلوكه”. ولفتوا إلى أن “تغريدته الثانية على تويتر، والتي دعا فيها إلى الإعلان عن النتائج الرئاسية في يوم الانتخابات، تعكس مخاوف الديمقراطيين من محاولة ترامب التركيز على نتائج التصويت في اليوم نفسه وادّعاء النصر، حتى لو لم تصدر النتائج كاملة”.

مع ذلك، ذكر الصحافيون الثلاثة أنه “مع ترامب، غالباً ما تكون هذه لعبة، فهو دائماً ما ينشر ملاحظات على تويتر تهدف إلى إثارة رد فعل من الناس. وفي أوقات أخرى، ينشر تغريدات كرد فعل على ما يراه في برامج الأخبار”.

وبالنسبة للكاتب ألكساندر بيرنز في “نيويورك تايمز”، فإن حاكم ولاية ماساشوستس الأسبق، الجمهوري ويليام ويلد، تحدّى ترامب رمزياً، معتبراً أن فكرة تأجيل الانتخابات “ليست تهديداً مشروعاً”. ويلد، الذي قال سابقاً إن “لترامب نزعة ديكتاتورية”، رأى أن دعوة الرئيس لتأجيل الانتخابات “علامة على عقل يعاني من صعوبة كبيرة في التأقلم مع الواقع”، أي تراجعه في استطلاعات الرأي.

وأضاف بيرنز أن هوغان جيدلي، المتحدث باسم حملة ترامب، حوّر كلام الرئيس بقوله إن “ترامب كان يطرح سؤالاً حول الفوضى التي أحدثها الديمقراطيون بإصرارهم على أن تكون جميع عمليات التصويت بالبريد”، ووصفها الكاتب بـ”إعادة صياغة كاذبة بشكل واضح لتغريدة الرئيس”.

ترامب يطرح للمرة الأولى فكرة تأجيل الانتخابات الأميركية

بالنسبة إلى الكاتبين مايكل والدمان وهارولد إيكيه، في “واشنطن بوست”، فإن ترامب لا يملك السلطة لتأجيل الانتخابات، فالمواعيد محددة بموجب قانون يعود لعام 1845، ولم يتم تأجيل أي انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة. واعتبرا أن دعوة ترامب للتأجيل هي انفصال غريب عن الإيمان الأميركي بالديمقراطية. وذكرا أنها “لن تكون المرة الأولى هذه السنة التي يصوّت فيها الأميركيون وسط الاضطراب والأزمة. لقد عملت الديمقراطية الأميركية خلال الحروب وحالات الطوارئ الصحية العامة السابقة، كما يظهر التاريخ”.

وأضافا أنه “في نوفمبر 1864، كانت الحرب الأهلية لا تزال مستعرة (1861 ـ 1865)، وقُتل وأصيب مئات الآلاف. وكان الرئيس الراحل أبراهام لينكولن على مشارف خسارة الانتخابات أمام الجنرال جورج ماكليلان، غير أن الانتصارات العسكرية للوحدويين، خصوصاً في أتلانتا ـ جورجيا، سمحت للينكولن بالفوز. لم يكن التصويت سهلاً وقتها وأدت الظروف إلى الابتكار، ليتم حينها أول استخدام واسع النطاق لأصوات الغائبين، وهم جنود القوات الاتحادية”. وذكرا أنه “بعد يومين من انتخابه، تحدث لينكولن مع حشد يغني له في البيت الأبيض، متوجهاً إليه بالقول: صحيح أنه كانت هناك حالات طوارئ، لكن الانتخابات كانت ضرورة. لا يمكن لنا امتلاك حكومة حرة من دون انتخابات. وإذا كان التمرد يجبرنا على التخلي عن انتخابات وطنية أو تأجيلها، فهذا يعني هزيمتنا”.

ناقض جمهوريون موقف رئيسهم رغم “تفهّمهم” لمخاوفه من التزوير

ولفت والدمان وإيكيه إلى أنه “في عام 1918، برز وباء الأنفلونزا (الإسبانية) الذي أصاب 1 من كل 4 أميركيين، وظهرت بؤرة كبيرة بالقرب من بوسطن في سبتمبر/ أيلول 1918. كما كانت الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918)، مستمرة، وبعض النساء يستعدُّنَّ للتصويت للمرة الأولى، حتى أن بعض المرشحين ضغطوا بقوة لتأجيل الانتخابات”. غير أن “السلطات المحلية وسلطات الولاية حافظا على نزاهة الانتخابات وحماية السلامة العامة. وفي سان فرانسيسكو ـ كاليفورنيا، كلف مسؤولو الصحة في أكتوبر/ تشرين الأول 1918 الناس بارتداء أقنعة أثناء الوجود في الأماكن العامة أو في مجموعات من شخصين أو أكثر. وطُلب من جميع العاملين في الاستطلاع والناخبين ارتداء أقنعة في يوم الانتخابات. وهو ما دفع صحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل إلى تسمية انتخابات 1918 بـ(أول انتخابات مقنّعة في تاريخ أميركا)”.

وأشار الكاتبان إلى أنه خلال الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، كان العديد من الناخبين في الخارج أو بعيدين عن الوطن. ففي عام 1942، وبمساندة قوية من السيدة الأولى إليانور روزفلت (زوجة الرئيس فرانكلين روزفلت)، أصدر الكونغرس قانون تصويت الجنود، ما سمح لهم بالتصويت غيابياً. ولفتا إلى أنه بعد عقود، انتشرت المخاوف بعد تفجير قطارين في مدريد ـ إسبانيا عام 2004، عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، التي كانت الأولى بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. غير أن مجلس النواب أكد أن التصويت لن يتأجل. وبأغلبية 419 صوتاً مقابل صوتين، أعلن الكونغرس أن “أعمال الإرهابيين لن تتسبب أبداً في تأجيل موعد أي انتخابات للرئاسة، وأنه لا يجب منح أي فرد أو وكالة الحق في تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية”.

أما الكاتبة روث ماركوس في صحيفة “واشنطن بوست”، فرأت أن الحل للتحدي المتمثل في إجراء انتخابات في خضم وباء، ومع احتمال عدم استعداد الولايات للتعامل مع كثافة الاقتراع بالبريد، هو اتخاذ أي خطوات ضرورية، وتقديم ما يلزم من أموال، لضمان احتساب أكبر عدد ممكن من الأصوات بسرعة وأمان. واعتبرت أن تأجيج ترامب الشكوك العامة حول شرعية الانتخابات، التي لم يخسرها بعد، من بين أكثر الأعمال غير الرئاسية وغير الوطنية له.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: