“فتح” والانتخابات المقبلة: “قائمة واحدة” أم صراعات ومنافسات داخلية؟

“فتح” والانتخابات المقبلة: “قائمة واحدة” أم صراعات ومنافسات داخلية؟

31 آذار هو الموعد الأخير لتقديم القوائم التي ستتنافس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، التي ستجرى في 22 أيار المقبل. ويمكن الافتراض بأن الساحر محمود عباس ومقربيه المخلصين سيبذلون حتى ذلك الحين كل ما في استطاعتهم لمنع ما ظهر في الأسابيع الأخيرة: انقسام فعلي في حركة فتح برأسين، إذا لم يكن بثلاثة، سيتنافسون فيما بينهم أمام قائمة موحدة لحماس.

ناصر القدوة، الشخصية الرفيعة السياسية الثانية، الذي ارتبط اسمه بتقارير عن قائمة تنافس القائمة التي تؤيد محمود عباس، أخرج يوم الخميس، السر المكشوف من الصندوق، في مناظرة عن بعد نظمتها جامعة بيرزيت. لقد شن القدوة، عضو اللجنة المركزية في “فتح”، في السنوات الأخيرة انتقاداً داخلياً على سيطرة عباس الديكتاتورية على حركة فتح والسلطة الفلسطينية. في الأسبوع الماضي، غاب عن جلسة اللجنة المركزية، وهو الأمر الذي فسر كإشارة على أنه سيؤكد قريباً على مشاركته في القائمة المنافسة.

وهكذا، أكد القدوة مشاركته للمرة الأولى في النقاش عن بعد. ودعا البرغوثي بصورة مباشرة إلى تأييد القائمة الجديدة وعدم “التهرب من المسؤولية”، من خلال الاكتفاء فقط بنيته التنافس على منصب الرئيس. في الاتصالات الجارية لتشكيل هذه القائمة، يشارك أعضاء مقربون من البرغوثي ونشطاء آخرون من “فتح” يتماهون مع جيل الانتفاضة الأولى. ورغم قولهم بوجوب صياغة برنامج انتخابي وخطة عمل أولاً، وبعد ذلك تشكيل القائمة، ها قد بدأ البحث عن مرشحين. أقوال القدوة الصريحة في المناظرة جعلت محمود عباس يدعو لمحادثة مستعجلة في مساء الجمعة. وحسب صحيفة “العربي الجديد”، قال القدوة في اللقاء بأنه لن يتراجع عن نيته، بسبب يأسه من محاولات كثيرة لإصلاح “فتح”.

أمل المشاركون في تشكيل القائمة في البداية أن يقف البرغوثي على رأسها. وللقدوة، وهو ابن شقيقة ياسر عرفات وممثل م.ت.ف السابق في الأمم المتحدة، مكانة مهمة في حركة فتح. ولكنه معروف بدرجة أقل في أوساط الجمهور الواسع. لذلك، تأييد البرغوثي للقائمة التي تتم بلورتها يعدّ أمراً حيوياً لجذب مزيد من المرشحين، وإقناع المترددين وإذكاء حماسة المصوتين. قال القدوة في المناظرة إن القائمة ليست لمن تركوا “فتح” فقط، بل لنشطاء مستقلين وأعضاء أحزاب يسار سابقين ورجال أعمال وطنيين، حسب تعبيره، وأعضاء في المجتمع المدني (منظمات غير حكومية). ليس من الضروري إجراء إصلاح في النظام الفلسطيني، بل مطلوب إجراء تغيير، قال القدوة.

إن توجه القدوة العلني للبرغوثي بعدم التهرب من المسؤولية تظهر فيه خيبة أمل من تردد البرغوثي في الإعلان عن نيته والخوف من تعرضه لضغوط. قبل عشرة أيام تقريباً، زار البرغوثي في سجنه حسين الشيخ، وزير الشؤون المدنية وعضو اللجنة المركزية في فتح والمقرب من محمود عباس. شخصيات رفيعة في “فتح” الرسمية تركت الانطباع بأن البرغوثي وعد الشيخ بأن لا يؤيد قائمة منفصلة – الأمر الأكثر إلحاحاً لديهم من مسألة الرئاسة في هذه الأثناء. وقال المقربون من البرغوثي للصحيفة بأنه لم يتغير موقفه في أعقاب الزيارة، وأنه لن يتراجع عن نيته الأصلية في فحص التنافس على الرئاسة. يقدر من هم  في أوساط البرغوثي أن “فتح” الرسمية ستعيد إنتاج رسالتها الأبوية التي تقول إن سجينها الأكثر شهرة سيبحث عن كل وسيلة للتحرر من السجن. أي أن دوافعه شخصية فقط. وحسب أقوال مقربيه، يدرك البرغوثي علاقة القوة مع إسرائيل، ولا يتوهم بأن انتخابه سيؤدي إلى إطلاق سراحه.

مع ذلك، المنافسة المحتملة بين عباس وكل من يقرر الترشح أمامه، تحول الانتخابات الرئاسية التي قد تجرى في 31 تموز إلى حدث مثير للاهتمام. انتخاب سجين أمني للرئاسة قد يغير قواعد اللعب ويدفع قدماً بديناميكية غير معروفة في علاقات القوة مع إسرائيل. وقد يكون هذا خطوة إبداعية وهدامة من النوع الذي يكون غريباً على نخبة “فتح” المتكلسة، إذا تمت في موازاة التغيير الجذري الذي ينوي من يفكرون بالقائمة الجديدة القيام به. هم لا يرون المشكلة في عباس وفي الديكتاتورية الداخلية التي تعهدها فقط، بل في مشاكل بنيوية في “فتح” وفي السلطة الفلسطينية – كنتاج لاتفاق أوسلو – والتي مكنت من وجود هذه الديكتاتورية.

القائمة التي يخطَّط لها ليست أمراً شخصياً نابعاً من الغضب على عدم إشراك مرشحين معينين للمجلس التشريعي (مثلما حدث في 1996 و2006)، بل هي تعبير عن اختلافات جذرية في الرأي. “لقد اختطفوا الحركة منا”، قال للصحيفة عدد من مؤيدي القائمة الجديدة، التي قد تطرح استراتيجية العودة إلى النضال من أجل التحرر والاستقلال، بدلاً من وهم السلطة والتخندق في الوضع الراهن الذي يوفر الرواتب للإدارة الحكومية التي تدير الجيوب في ظل الاحتلال الإسرائيلي. كما ذكر عدد من المؤيدين أن القائمة يجب أن تضمن التخلي عن تقاليد الفساد المرتبطة بـ”فتح” كحركة حاكمة، وإعادة روح التعددية والولاء الوطني التي كانت في فتح “التي عرفوها”. ولكن تصريحات القدوة في الندوة تشير إلى أن القائمة البديلة ليست أمراً مفروغاً منه.

شعار ممثلي عباس هو “قائمة فتح موحدة”. أي قائمة يوافق الجميع على تشكيلتها. كما ستقرر في هذه الأيام لجنة منظمة. تم تقسيم الضفة (بما في ذلك شرقي القدس والقطاع) إلى خمس مناطق. وعدد من أعضاء اللجنة المركزية في كل منطقة يحددون أسماء ويقررون من الذين سيكونون مرشحين. يقول البرغوثي وأصدقاؤه في “فتح” إنه يجب “ضمان عملية ديمقراطية” في تشكيل القائمة. وإذا تمت الاستجابة لطلبهم فسيؤيدون قائمة واحدة موحدة. ويقترحون أن يقوم جسم أوسع، يتكون من مئات أعضاء الحركة الذين انتُخبوا لمؤسساتها ولمجالس أخرى في أجسام مدنية مختلفة (مجالس الطلاب ونقابة المحامين ومجالس محلية ومنظمات غير حكومية وما شابه)، أن يقوم بالانعقاد واختيار المرشحين للقائمة أو معظمهم. الخوف الذي له ما يبرره هو أن لجنة منظمة ستعمل بتوجيهات من عباس، الذي سيكون صاحب القرار النهائي.

كان عباس قد هدد كل من ينوي تشكيل قائمة منفصلة، وذلك في جلسة المجلس الثوري لـ”فتح”، قبل ثلاثة أسابيع تقريباً. “أطلقوا النار عليهم، اقتلوهم”، قال. وحسب شهادات أعضاء في” فتح”، لا شك بأنه قال هذا بشكل مجازي، لكنه أوضح موقفه من “المنشقين” المحتملين. وقالوا أيضاً إنه هدد القدوة بصورة مباشرة. في الجلسة نفسها، أعلن عباس بأنه يحظر على أعضاء مؤسسات “فتح” العليا (اللجنة المركزية والمجلس الثوري)، ترشحهم للقائمة. ويمكن تفسير ذلك كخطوة “متأخرة جداً” للدفع قدماً بكوادر شابة ومعروفة بدرجة أقل. من جهة أخرى، وتفاجأ مؤيدوه؛ لأن النشاطات البرلمانية بحاجة إلى تجربة سياسية ومهنية، ولأن الحركة منعت تقدم وبروز نشطاء أكثر شباباً وشعبية.

في هذه الأثناء ورد أن هناك إعادة فحص لهذا التوجيه، وربما سيكون هناك بعض “الاستثناءات”. وقال الساخرون إنهم على قناعة بأن المستثنيين سيكونون من بين المخلصين للرئيس. كما صدر تعديل جديد في كانون الثاني الماضي لقانون الانتخابات (فعلياً للأمر الرئاسي الصادر في 2007)، يثير التخوفات في أوساط معارضي عباس. مثلما في الأمر الأصلي، كل من سجل كمرشح في قائمة ما، يجب عليه الاستقالة من مكان عمله. والآن أضيف إلى التعديل وجوب حصول المسجل كمرشح على موافقة مكان عمله على استقالته. شروط الاستقالة بحد ذاتها قد تردع أصحاب وظائف بحث وتعليم وإدارة في مؤسسات أكاديمية ومنظمات غير حكومية وشركات. وعبر رئيس لجنة الانتخابات العامة، الدكتور حنا ناصر، سابقاً عن تحفظه من التعديل. في “فتح” هناك من يخشون من أن اشتراط موافقة مكان العمل سيمكن نشطاء لهم مصالح من ممارسة ضغط لئلا تتم المصادقة على استقالة أشخاص غير مرغوب فيهم لدى عباس.

حسب تقرير في “الجزيرة”، حاول رؤساء المخابرات العامة في الأردن ومصر، مع عباس قبل شهر، إقناعه بالتصالح مع محمد دحلان الذي طرده عباس من الحركة في 2011، كي تتنافس قائمة موحدة لـ”فتح” أمام حماس. رفض عباس ذلك. وقال عدد من المشاركين في تشكيل القائمة المنافسة لـ”فتح” للصحيفة بأن عباس لا يستوعب خسارة قائمة متماهية معه. والشخصيات الرفيعة الموجودة حوله غارقة في وهم ضمان فوز “فتح”. يأمل مؤيدو دحلان (الذي كان في السابق رئيس الأمن الوقائي) أن يتم ضمه هو ورجاله إلى القائمة التي يقودها القدوة والمقربون من البرغوثي. ولكن ما قيل في السابق في محادثات داخلية قاله القدوة في المناظرة علناً: دحلان نفسه لا يوجد له مكان في القائمة. وثمة تقارير من غزة عن انتظام لمؤيدي دحلان من “التيار الديمقراطي للإصلاح” الذي يقوده، من أجل تشكيل قائمة خاصة بهم.

على الرغم من أن 93 في المئة من أصحاب حق الاقتراع سجلوا، كما هو مطلوب، في لجنة الانتخابات (2.6 مليون من بين الـ 2.8 مليون)، الأمر الذي يدل على رغبة كبيرة للمشاركة في العملية الديمقراطية، فثمة حديث عن إلغائها. فقد قال عضو مخضرم وكبير في “فتح” إن جهاز الاستخبارات العامة يتحفظ من إجراء الانتخابات لتقديره بأن نتائجها ستكون سلبية تجاه “فتح”. وهكذا قال القدوة في المناظرة، إنه ليس واثقاً تماماً من إجراء الانتخابات في نهاية المطاف، وإن كان يفضل عدم الدخول في تفاصيل أسباب خوفه هذا. و قد يكون هذا هو “الحل” للانقسام المفروغ منه.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: