فرنسا تستعيد أحقاد الحروب الصليبية للتحريض ضد المسلمين

فرنسا تستعيد أحقاد الحروب الصليبية للتحريض ضد المسلمين

إصرار السلطات الفرنسية، على مواصلة الحملة المسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، يتجاوز مجرد محاولة استمالة اليمين المتطرف لأغراض انتخابية، بل قد يعكس حالة فوبيا من الإسلام تستمد جذورها من الحروب الصليبية (1095-1492م).

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تراجع خطوة إلى الوراء بعد دعوات المقاطعة القوية لمنتجات بلاده في البلدان الإسلامية، قائلا في حوار مع “الجزيرة”، إنه يتفهم مشاعر المسلمين إزاء هذه الرسوم (المسيئة).

ففي خضم حملة التحريض الأخيرة ضد المسلمين التي تقودها صحف يمينية متطرفة، كتب الصحفي الفرنسي ميشال براسبارت، 22 أكتوبر، مقالا بعنوان “نخب الجزائر للمرشح ماكرون”، قال فيه افتراء “لأكثر من ألف عام، اعتبر المسلمون أوروبا أرضًا خصبة للعبيد، إلى حد أن أسسوا في نهاية المطاف، تحت سلطة الأتراك (العثمانيين)، مركزًا كبيرًا للعبودية يجتذب العالم الإسلامي بأسره هو: ميناء الجزائر”.

ورغم أن الحكم العثماني في الجزائر بدأ في القرن السادس عشر، إلا أن الكاتب الفرنسي عاد ألف سنة إلى الوراء، وهي الفترة التي تزامنت مع بداية الحروب الصليبية ضد العالم الإسلامي في 1095م.

ويعكس ذلك العقلية الصليبية التي مازالت تسيطر على تفكير اليمين المتطرف في التعامل مع الإسلام والمسلمين في فرنسا إلى يومنا هذا.

ويحاول اليمين المتطرف تصوير أوروبا كمركز للحرية، مقابل دول إسلامية مركز للعبودية، لتبرير حروبهم الصليبية وإبادتهم لملايين المسلمين في الأندلس في 1492م، وقتلهم ملايين آخرين من المسلمين خلال احتلالهم للجزائر طيلة 132 سنة.

** اسم “محمد” يرعب اليمين المتطرف

فمنذ 2007 يتصدر اسم “محمد” المواليد الجدد في عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي بروكسل، لكن ليست هذه الأخيرة وحدها، فبريطانيا هي الأخرى سجلت تصدر “محمد” أسماء المواليد الجدد في 2016، بينما دخل اسم “محمد” في 2019 قائمة الأسماء الأكثر انتشارا لدى المواليد الجدد في فرنسا.

وأدى انتشار اسم “محمد” بين المواليد الجدد في أوروبا، لحالة ذعر وسط اليمين المتطرف، لأن ذلك يعني لهم شيئا واحدا: الإسلام ينتشر في أوروبا بشكل سريع.

وهذا ما يفسر أحد أسباب الهجوم المسعور على الرسول محمد (ص) عبر رسومات كاريكاتورية مسيئة.

** فرنسا هل ستبصح مسلمة فعلا؟

فمنذ سنوات مازال العديد من الصحفيين والكتاب وحتى الرهبان الفرنسيين يتحدثون عن تحول الإسلام إلى الديانة الأولى في فرنسا، فمع تراجع المسيحية وانتشار الإلحاد وبلوغه نسبة 42 بالمئة، يتوقع بعضهم أن تصل نسبة المسلمين 50 بالمئة في 2060.

ويتخذ اليمين المتطرف من هذه التوقعات فرصة للتهويل والتحذير من خطورة فقدان بلادهم لهويتها الثقافية والحضارية.

ويستندون في ذلك إلى النمو السريع لعدد المسلمين في أوروبا نظرا لأن معدل الخصوبة لديهم أعلى من غير المسلمين، بنسبة الضعف (1.4 طفل لكل امرأة غير مسلمة و2.8 للمسلمة بحسب الاقتصادي الفرنسي شارل غاف).

كما أن المهاجرين الجدد رفعوا نسب المسلمين بشكل كبير، بالإضافة إلى اعتناق عدد من الأوروبيين للدين الإسلامي.

لكن إحصائيات مركز البحث الأمريكي، عن تزايد أعداد المسلمين في أوروبا، التي صدرت في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أظهرت أن نسبتهم ستبلغ من 7 إلى 14 بالمئة فقط في 2050.

أما في فرنسا فسوف يتراوح أعداد المسلمين في نفس العام، ما بين 12 إلى 18 بالمئة، وذلك حسب سياسات الهجرة واللجوء التي ستنتهجها البلاد (غلق باب الهجرة أو فتحه)، وفق ذات الدراسة.

والحديث عن بلوغ المسلمين بفرنسا 50 بالمئة في 2060، مجرد تقديرات يستغلها اليمين المتطرف للتخويف من “الزحف الإسلامي القادم”، وما ينتج عن ذلك حسب شارل غاف، من “دمار ثقافي! وفناء للحضارة الأوروبية! وانتشار للفقر!”

فالشائع بين الجالية المسلمة في فرنسا أن عددهم يقدر بنحو 7 ملايين مسلم من إجمالي 67 مليون نسمة، بينما يقدر مركز البحث الأمريكي، عددهم بما بين 5.7 و8.8 مليون مسلم في 2016.

والتضارب في أعداد المسلمين في فرنسا بين من يقدر نسبتهم بـ 8.8 بالمئة ومن يقول إنها وصلت لنحو 20 بالمئة، مرجعه عدم وجود إحصاء رسمي للديانة، وكل ما هنالك تقديرات غير رسمية.

فضلا عن وجود أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من المسلمين، الذين يصلون سنويا إلى الأراضي الفرنسية، ولا يتم إدراجهم ضمن أي إحصاء أو دراسة.

** المسلمون لم يعودوا جالية ضعيفة

يرفض الكثير من المسلمين الفرنسيين حتى من ذوي الأصول غير الأوروبية وصفهم بالجالية، على اعتبار أن الجالية من “الجلاء”، أي أن بإمكان السلطات الفرنسية إجلاءهم إلى بلدانهم الأصلية متى أرادت، على حد قول الباحث الفرانكو-جزائري غالب بن الشيخ (رئيس مؤسسة إسلام فرنسا).

هناك عدة أجيال من المسلمين ولدت وتربت في فرنسا وتحمل جنسيتها وساهمت في بنائها وتقدمها، وأصبحت لها جذور في هذه الأرض، ناهيك عن المواطنين الفرنسيين الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام.

وكثير من المسلمين الفرنسيين وصلوا إلى مناصب سامية في الدولة، فمنهم الوزراء ورؤساء البلديات، ورجال أعمال وأطباء ولاعبون مشهورون..

لذلك فالإساءة الفرنسية للرسول محمد (ص)، إهانة وازدراء لملايين الفرنسيين المسلمين، بينهم من وصل إلى مراتب مؤثرة داخل المجتمع.

فعدد مسلمي فرنسا يعادل إجمالي سكان النمسا، ومع ذلك يصر ماكرون على الدخول في صدام مع أقلية كبيرة، نسبة الشباب فيها عالية، رغم مخاطر إدخال البلاد في حرب أهلية دينية غير محمودة العواقب.

ومحاولة إحياء الأحقاد التاريخية والنزعة الصليبية لإثارة أغلبية الشعب ضد أقلية مختلفة دينيا، يعني تهيئة الرأي العام لارتكاب مجازر بشعة كتلك التي قتل فيها أكثر من 50 مسلما بنيوزيلندا في 2019، أو مجازر 17 أكتوبر 1961 عندما رمت الشرطة الفرنسية جثث متظاهرين جزائريين، مطالبين بالحرية لبلادهم، في نهر السين بباريس.

ففرنسا الحديثة أمام مفترق طرق؛ إما التخلي عن ماضيها الاستعماري والمضي قُدما في سياسة دمج المهاجرين واحترام هويتهم، أو الاستسلام لليمين المتطرف والدخول في مواجهة مع العالم الإسلامي، والمخاطرة بالوقوع في مستنقع الاحتراب الداخلي مع مواطنيها المسلمين.

الأناضول

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: