خالد هنية
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

قطار التطبيع.. الزمان والمكان والحكاية

خالد هنية
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

لم تكن حالة الهرولة للأنظمة العربية نحو التطبيع مع عدو شعوبها الأول (إسرائيل)، وليدة اللحظة، فقد وُضع القطار على السكّة منذ أزيد من أربع عقود مضت، حيث مثّلت اتفاقية السلام (بين مصر وإسرائيل عام 1979) العصا الأولى التي شقّت الموقف العربي الرسمي الذي كان موحّداً حينها – أو بدا كذلك – في نبذ الكيان المغروس عنوةً في جسد الأمة، ورفض الاعتراف به أو التعاطي معه.

ومع تزايد عصي الانشقاق يوماً بعد يوم، وتبدّي العلاقات السرّية بين إسرائيل ودولٍ عربية جلياً، يثبت بشكل قاطع أن هذا التحوّل لم ينشأ بين ليلة وضحاها، وإنما هو نتاجٌ للحالة المُركبة التي نشأت عليها بيئة النظام العربي منذ اتفاقية “سايكس بيكو”.

وأمام هذه التركيبة المتراكمة منذ مائة عام أو يزيد، تُقرأ المستجدات الحالية كنتاجٍ طبيعي للسياق التاريخي والسياسي الذي أريد فيه تغييب فكرة الصراع العربي – الإسرائيلي، وتحويله شيئاً فشيئاً إلى صراع فلسطيني – إسرائيلي بحت، وبات مطلوباً من الشعوب العربية أن تغرق في صراعاتها الداخلية، وتنسلخ عن قضيتها المركزية التي حاربت لأجلها عقوداً طويلة، كما بات مطلوباً من الشعب الفلسطيني أن “يتحلّى” بواقعية فوق الواقعية، وأن يتخلى عن تعنّته “المنبوذ” دولياً وعربياً، ويقنَع بـ “كانتونات” متناثرة على أنقاض ضفةٍ، غربيّ النهر، مستباحةٍ بالمستوطنات، وشريطٍ غزّي منزوعٍ للسلاح على ساحل المتوسط، مخنوقٍ بجُدرٍ إسرائيلية وعربية، وفق ابتكار الصهر الثلاثيني لدونالد ترامب في وصفته العجيبة، “صفقة القرن” المزعومة.

وفي هذا المضمار، فإن الطبخة السياسية التي يُعد لها في هذه الأثناء، ما هي اللبنات الأخيرة في بناء المشروع الإسرائيلي – الاستعماري، الذي يُغلّف بصبغة مصلحية اقتصادية على مائدة الجسد العربيّ الهزيل، المنهوبة خيراته طوال العقود الماضية، والمُنهك بفعل الثورة المضادة، وكيّ الوعي الممنهج، ليقبلَ بإملاءات اليمين الإسرائيلي المتطرف، المرعية من “اليمين الجمهوري الأمريكي”، من غير حولٍ منه ولا قوة، فينسلخ عن دينه، وقيمه، ولغته، وهويته، ويفرح – كطفل صغيرٍ – بتبادل “ثقافاتٍ” مع دولة عبرية لا تُذكر في عُمر الأمم، وكأن أقصى ما ينادي به الشارع العربي، سوى رحلاتٍ جوية متبادلة، وبثّ فضائي مشترك.. إنها الردة.. وما ذلك بتطبيع!.

ولكي تنضج تلك الطبخة السحرية، كان لابد من إذكاء الخلافات الطائفية والمذهبية، فضلاً عن الجغرافية، التي لم تغِبْ أصلاً عن المشهد العربي، عوضاً عن رفع مستوى الترهيب من “البُعبُع” الإيراني، لتتعالى مرحلة الاصطفاف والفرز في المنطقة إلى أشدّها، ليكون التحالف مع “إسرائيل” بمثابة هدية السماء، والضامن لأمن واستقرار المنطقة العربية.

وإزاء هذا المشهد، تتلخص استراتيجية اليمين الإسرائيلي – الأمريكي في المنطقة، في البنود الآتية:

1) إعادة الاصطفاف في المنطقة وتقسيمها رأسياً على أساس التحالف مع إسرائيل أو معاداتها، وذلك امتداداً من الشرق الأوسط وحتى آسيا الوسطى، وصولاً إلى الهند وباكستان؛ في محاولة لتقويض نفوذ الدول الواقعة في المحور المعادي لإسرائيل أو المناهض لها سياسياً على الأقل، لتتمكن الولايات المتحدة من الحفاظ على نفوذها القوي، وإقناع حلفائها في المنطقة بتزايد الاستثمار في هذا التحالف، في مواجهة العودة القوية للدبّ الروسي، والتغول الاقتصادي الجارف للتنّين الصيني.

2) محاصرة إيران و”حلفائها” في المنطقة، ومنع تشكيل أي تحالف معادٍ لإسرائيل.

3) إعادة تعميق وتفعيل المثلّثات الحرجة في الجغرافيا السياسية للمنطقة، والتي لأمريكا مكامن السيطرة عليها، وتعزيز ذلك بتفعيل حراك إسرائيلي في مناطق النزاع والفراغ السياسي، والعسكري والأمني، وهو ما تحقق عبر خلق بيئة عمليات واسعة بين إسرائيل، وقوى التطبيع في الفترة القليلة الماضية – السودان نموذجاً.

وُيمكن استخلاص فوائد تلك الاستراتيجية المُطبقة في المنطقة، على الشخصيات المتحكمة حالياً في صناعة القرار الإسرائيلي والأمريكي على النحو التالي:

• تدشين واجهة التطبيع ضمن بالونات اختبار، وخلق حالة استيعاب وتقبّل لما هو قادم من هرولة عربية وإسلامية “رسمية” نحو التطبيع، فما زالت موجات التطبيع ستشتد وطأتها حتى نهاية العام الجاري، وأنظمةٌ عربيةٌ تعكف على صياغة مبرراتها لشعوبها.

• إطالة فترة حكم بنيامين نتنياهو على رأس الدولة العبرية، نظراً لارتباطاته الشخصية بزعماء عرب في المنطقة.

• تحقيق دفعة انتخابية قوية لدونالد ترامب، عبر مزيد من التقرب إلى اللوبي الصهيوني المقرر الرئيس في الانتخابات.

ختاماً، وفي خضم هذا الانحدار السحيق لأنظمة عربية متماهية مع أجندات الثُلة الحاكمة في كل من إسرائيل والولايات المتحدة، بل ومرتبطة ارتباطاً مصيرياً بها؛ سعياً لصون عروش تلك الأنظمة، وإطالة أمد حكمها، يبقى وعي الجماهير العربية والإسلامية حجر الزاوية لإحباط هذا المشروع الاستعماري الخطير، فقد أثبت التاريخ أن اتفاقيات التطبيع السابقة، لم تُنسِ أصغر طفل عربي أن إسرائيل دولة احتلال.. ولم تكن يوماً غير ذلك.

الأناضول

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts