سمية الغنوشي
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

لماذا يستهدف الإخوان؟

سمية الغنوشي
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

هجمةٌ شرسة ومنسقة لا تخطئها العين تدور رحاها ضد تيار الإخوان المسلمين، في مواقع مختلفة من العالم العربي، وخارجه. ذريعتها أنّ الإخوان خطرٌ على الأمن والاستقرار، وقوة شرّ في المنطقة. أمّا محرّكوها فكُثُر:


1- نظام عبد الفتاح السيسي الذي قاد انقلابا عسكريا غادرا ضدهم، وأعمل فيهم سيف القتل والتنكيل والاعتقال والتشريد.


2- دول الخليج، التي سخّرت مال النفط وماكينة الإعلام للإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، مع العمل على تخريب الثورات العربية في مصر واليمن وسوريا وليبيا وتونس.


3- بعض مجموعات اليسار والقوميين، لاعتبارات أيديولوجية وتاريخية، تعود إلى ملابسات صراع عبد الناصر مع جماعة الإخوان في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ثم العداء المَرَضي من بعض اليسار للقوى الإسلامية، بكل أصنافها وأشكالها.


4- هذه الآلة الجهنمية التي تتحرك ضد تيار الإخوان المسلمين ما كان لها أن تحقق بعض أهدافها، دون الدعم القوي الذي لقيته من إسرائيل واللوبيات اليمينية المتحالفة، معها في الولايات المتحدة وأوروبا.


الحقيقة التي لا يجهلها إلّا ساذحٌ، هي أن شيطنة الإخوان المسلمين عنوان مضلّل للهجوم على تيار التغيير في المنطقة ومحاولة الإجهاز عليه؛ إذ لا يمكن ضرب المشروع الديمقراطي، دون ضرب القوى السياسية الفاعلة على الأرض والمؤثرة في المشهد العام، وفِي مقدمتها، طبعا، الإخوان المسلمون.


ليس سرّا أن الرعب قد دبّ في عواصم الخليج، بعد اندلاع الثورة في تونس، وأنها ازدادت فزعا مع انتقال موجة المطالبة بالتغيير إلى مصر، مركز الثقل العربي، وليبيا واليمن وسوريا وغيرها، فجعلت من مواجهتها أَوْلى أولوياتها، حتى لو اقتضى الأمر وضع اليد مع الشيطان.


قد يُنتقد الإخوان في أطروحاتهم الفكرية او مسالكهم السياسية، شأنهم في ذلك شأن بقية التيارات في المنطقة. لكن من الظلم والحيف الشديد تصويرهم كقوة دمار وخراب، بدل توجيه أصابع الاتهام لقوى الفساد والاستبداد، التي تبطش بشعوبها وتبدّد الأموال والموارد، في سلسلة لا تنتهي من المعارك العبثية.


الإخوان المسلمون تيار حقيقي، ضاربٌ بجذوره في نسيج المنطقة المجتمعي وفي تاريخها، تشكل بداية القرن الماضي، من رحم الحركة الإصلاحية، وتحديدا مع الشيخ رشيد رضا، الذي سلّم رئاسة تحرير مجلة “المنار” إلى حسن البنّا، زعيم الإخوان.


كل ما فعله الإخوان المسلمون هو إضافة آلية التنظيم لأفكار وأطروحات الإصلاحيين.


التنظيم مثّل عنصر إضافة لفكر الإخوان، مقارنة بالإصلاحيين الإسلاميين، أتاح لهم تنزيل الأفكار والتطلعات في أطر وهياكل ومؤسسات فاعلة على الأرض.


لكنّه كان وبالا عليهم في محطّات كثيرة، تسبّب في اضطراب سيرهم، بتغليب الاعتبارات التنظيمية والفئوية، على الفكرة والخيارات السياسية العامة.


ما يعاب على الإخوان هو اعتمادهم على شمولية التنظيم وطابعه الانتقائي، على حساب الاهتمام الفكري والسياسي.

فبعض جماعات الإخوان تحوّلت إلى ما يشبه الطائفة المغلقة على نفسها، في ظل الأزمات المتعاقبة والمحن السياسية الطاحنة.


وقد تراوح مسار الإخوان بين الانبساط والانفتاح، في فترات الاستقرار والانفتاح السياسي، وبين الانغلاق والانكماش في أتون المحن والمواجهات.


نشأ الإخوان في عشرينيات القرن الماضي كظاهرة اجتماعية ثقافية، لها امتداداتها في مختلف مدن وقرى مصر. ومنها انتقل التيّار إلى دول عربية أخرى، متواصلا مع الحركة الفكرية في المنطقة، متفاعلا مع التيارات الفكرية والسياسية الأخرى على الساحة، أخذا وعطاء.


دفعت المواجهة السياسية مع عبد الناصر، بعد تحالفه معهم ضد فساد الملك وارتهانه للإنجليز، الإخوان إلى الانكفاء على التنظيم والميل إلى الاعتماد على العناصر السرية. سياقٌ مأزوم أفرز أدبيات المفاصلة والعزلة من داخل الجسم الإخواني، قبل أن يتمايز عنها بصورة جليّة.


تُحسب لقيادات الإخوان قدرتهم على ضبط الجسم الإسلامي وعدم الانقياد لنزوعات التطرّف. حينما خطّ سيد قطب كتابه الشهير “معالم في الطريق”، في أجواء السجن والاضطهاد، رد أمين الهضيبي، المرشد العام حينها، بمقولته الشهيرة “نحن دعاة لا قضاة”، أي إن مهمتنا إصلاح النفوس والواقع، لا محاكمة الناس على أفكارهم وعقائدهم.


ولعلّ أكبر النقائص التي كان الإخوان ومازالوا يعانون منها، هي ضمور الطاقة الفكرية لديهم لصالح الانشغال التنظيمي الفئوي، وقلّة الانفتاح على بقية المكوّنات الاجتماعية.


معضلة أتاحت للقيادات التنظيمية ورجالات الجهاز تقدّم الصف الإخواني، على حساب القيادات الفكرية والسياسية. أضعف ذلك أداء الإخوان السياسي في محطات عديدة، وأفرز ازدواجية بين قيادات تنظيمية متحكمة من وراء ستار، وأخرى سياسية وضعت في الواجهة، دون أن تمتلك سلطة القرار الفعليّ.


أخذت ثورة 25 يناير وما أعقبها من تطوّرات سريعة الإخوان على حين غرّة، فعمّقت مأزقهم. وضعتهم في واجهة مشهد بالغ الحركة، على رأس دولةٍ مركزية ضخمة لم يكونوا مهيّئين لإدارة شؤونها، ولا مدرّبين للتعامل مع أخطبوط العسكر الهائل المتشعّب الذي يحكمها.


ولعل أسوأ أخطاء الإخوان التي دفعوا ثمنها باهضا، هو عدم وعيهم بخطورة الدولة العميقة وعمق سيطرة الجيش من وراء ستار على كل دواليب الدولة.


لكن هل يبرّر أيّ من هذا المجازر والفظاعات والملاحقات الأمنية وحملات الاستهداف المنهجي لإخوان مصر؟


قطعا لا، فهم أولا وأخيرا ضحايا انقلاب عسكريّ غادرٍ على خيار الشعب عبر صناديق الاقتراع.


الإخوان صعدوا للسلطة باستحقاق انتخابي، تشريعيّ ورئاسي، ثم أخرجوا منها بالرصاص والدبابات وأنهار من الدّماء.


ربّما تحمّلوا الكلفة الأكبر للانقلاب، في أرواحهم وأبدانهم وعائلاتهم وأرزاقهم، لكن شظايا المحرقة أصابت الجميع. ما كان ممكنا ضرب القوة الرئيسية في مصر، دون القضاء على السياسة برمتها وشل حركة المجتمع.


التجربة العملية تبيّن أن الأسلوب الأمنيّ والقمعي في التعامل مع التيارات الاجتماعية والسياسية، لا يزيدها إلا تجذّرا وامتدادا ومشروعية ورصيدا رمزيا.


مصر اليوم مأزومةٌ، مريضة، معوّقة، ولن تتعافى إلا بترك نهج الاستئصال الذي ورّطها فيه المحور الخليجي- الصهيوني، المرتعب من الديمقراطية والتغيير.


سيرحل السيسي، كما جاء، آجلا أم عاجلا، وسيبقى الإخوان موجودين في الساحة بأشكال وصيغ شتّى، رغم عمق الجراح وشدّة المحن.


واهمٌ من يتصوّر مصر، اليوم أو غدا، بلا إخوان.

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts