هل رسبت منظمة الصحة العالمية في امتحان كورونا؟

هل رسبت منظمة الصحة العالمية في امتحان كورونا؟

البوصلة – تمرّ منظمة الصحة العالمية بأكثر المراحل حرجا في تاريخها، في ظل اهتزاز الثقة بأدائها جراء طريقة إدارتها لأزمة وباء فيروس كورونا المستجد، المسبب لمرض “كوفيد-19” الذي اجتاح العالم، كما شملت الانتقادات رئيس المنظمة الإثيوبي تيدروس أدهانوم غيبريسوس.

ويقول منتقدو غيبريسوس إنه يتحمل جزءا من مسؤولية انتشار الفيروس، إذ رفض يوم 23 يناير/كانون الثاني إعلان حالة الطوارئ العالمية، مما جعل عدد الوفيات والإصابات يتضاعف خمس مرات في ظرف خمسة أيام. ولم تعلن الصحة العالمية حالة الطوارئ الصحية العامة إلا يوم 30 يناير/كانون الثاني، كما لم تصف انتشار الفيروس بالجائحة إلا يوم 11 مارس/آذار الفائت.

وقبل هذا التاريخ، وتحديدا في 14 يناير/كانون الثاني، قالت المنظمة إن التحقيقات الأولية تبين أن السلطات الصينية لم تعثر على أدلة كافية لتأكيد أن الفيروس ينتقل عبر البشر.

لكن الكثير من الخبراء يعيبون على المنظمة تصديقها لمعطيات الحكومة الصينية، خاصة أن هذه الأخيرة اعتقلت طبيبا كان من أوائل من اكتشفوا الفيروس، قبل أن تعلن عدة وسائل إعلامية عن وفاته في شهر فبراير/شباط الماضي بعد إصابته بالفيروس ذاته.

إخفاق

وكتب فرانسوا غودمان من معهد مونتين الفرنسي للسياسات، أن المنظمة ارتكبت خطأين رئيسيين: الأول عندما أخفقت في أن تعرف مبكرا أن العدوى تنتقل بين البشر، والثاني عدم إعلان كورونا جائحة دولية إلا بعد تسجيل 118 ألف حالة في 114 بلدا، مما أثر على سياسات الدول التي تتبع إرشادات المنظمة، مبرزا أن الصحة العالمية لم ترسل فريقا إلى الصين للتحقيق بشأن الفيروس إلا في 13 فبراير/شباط، أي بعد شهر ونصف من تسجيل أول إصابة به.

ولم تستمع المنظمة لتحذيرات أطلقتها تايوان نهاية 2019 من أن عدوى الفيروس الجديد يمكن أن تنتقل بين البشر. ونقلت صحيفة “آسيا تايمز” أن حكومة تايوان أكدت أنها علمت حينئذ بوجود عدوى تنفسية في ووهان الصينية، ولذلك حاولت التواصل مع الصين والصحة العالمية بحثا عن توضيحات، لكن الجواب الوحيد الذي تلقته تايوان لم يزد على بريد إلكتروني جاء فيه أن خبراء المنظمة سيحققون في الموضوع.

تستر على الصين

لكن أكبر الإنتقادات الموجهة إلى المنظمة ورئيسها، هو طريقة التعامل مع الصين، لدرجة أن تقارير صحفية وصفتها بـ”منظمة الصحة الصينية” وليست العالمية!

ففي البيان الذي أعلنت من خلاله المنظمة حالة الطوارئ الصحية، كانت هناك إشادة مبالغ فيها بالصين، وبما أسمته المنظمة “التزام الحكومة الصينية للشفافية من أعلى درجة، والجهود التي بذلتها للتحقيق في تفشي الفيروس”.

كما تتعرض المنظمة للاتهام بأنها ساهمت إلى حد كبير في انتشار الوباء بسرعة على الصعيد العالمي، من خلال دعوتها مرارا دول العالم لأن لا تغلق حدودها مع الصين.

ومنذ أيام يشن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هجوما عنيفاً على منظمة الصحة العالمية إلى جانب الصين، ولم يكتف بذلك بل أوعز بتجميد التمويل الذي تقدمه الولايات المتحدة للمنظمة.

وتأسست منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة عام 1948، وهي تقوم بأنشطة دولية فيما يخص صحة المجتمع، وتعد بمثابة المنتدى الصحي الدولي الوحيد الذي يمكن أن يثق به سكان العالم -المقدر عددهم بنحو 7.7 مليارات نسمة- في مجال الصحة.

ولمنظمة الصحة العالمية 150 مكتبا ونحو 7 آلاف موظف حول العالم، وهي تتخذ من جنيف السويسرية مقرا لها.

التمويل

ويتم تمويل المنظمة عبر مزيج من الاشتراكات المقدرة والمساهمات الطوعية. والاشتراكات (رسوم العضوية) هي مستحقات تدفعها البلدان لتكون أعضاء في المنظمة، ويتم حساب المبلغ الذي يتعين أن تدفعه كل دولة بحسب ثروة البلد وتعداد سكانه.

وتغطي رسوم العضوية السنوية نحو 17% من ميزانية المنظمة التي قدرت بنحو 4.5 مليارات دولار للفترة 2020-2021.

وتشكل المساهمة الأميركية الإجمالية في تمويل المنظمة 14.67% من ميزانيتها السنوية، ويصل حجمها إلى نحو 412 مليون دولار سنويا.

وتتجاوز الإشتراكات المقدرة السنوية التي تسددها الولايات المتحدة للمنظمة 118 مليون دولار، أما القسم الباقي الذي يناهز 300 مليون دولار، فيدفع على شكل مساهمات طوعية.

وتعدّ الولايات المتحدة أكبر ممول لمنظمة الصحة العالمية، تليها مؤسسة بيل ومليندا غيتس، وبريطانيا، وألمانيا.

أما الصين -موضع الانتقادات في الوقت الراهن- فقد بلغت مساهمتها في المنظمة 43 مليون دولار، وهو ما يعادل 0.21% من إجمالي المساهمات الدولية، مما يضعها في المرتبة 49 عالميا، كما أن 38 مليون دولار من إجمالي الـ43 مليونا، تندرج ضمن المدفوعات الإلزامية.

توازن حذر

وفي رده على الانتقادات حول مجاملة الصين، قال رئيس المنظمة في مؤتمر صحافي يوم 12 فبراير/شباط “أعرف أن هناك ضغوطا كبيرة على منظمة الصحة العالمية عندما نثمّن ما تقوم به الصين، لكن لن نتوقف بسبب الضغوط عن قول الحقيقة، فالصين لا تحتاج إلى طلب الثناء.. لم تكن الصين البلد الوحيد الذي اعترفنا بعمله، فقد اعترفنا بجهود حكومات أخرى”، قبل أن يعود للتأكيد “هذا فيروس خطير جدا، والصين قامت بالكثير من الإجراءات الجيدة التي أبطأته، وهذا يستوجب الاعتراف”.

ويستخدم غيبريسوس أسلوبا متوازنا وحذرا أمام الإتهامات الشديدة اللهجة والمستمرة التي يوجهها له الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وبدلا من الرد على ادعاءات ترامب، يؤكد غيبريسوس على ضرورة عدم تسييس الجائحة.

ترامب ليس وحده

إلى جانب الولايات المتحدة، تنتقد العديد من الدول -من بينها اليابان وتايوان- أداء منظمة الصحة العالمية، وتتهم المنظمة باتخاذ قرارات متأخرة ومتناقضة.

وفيما يأتي المسار الذي اتبعته منظمة الصحة العالمية بشأن الوباء الذي ظهر في ديسمبر/كانون الأول 2019 في مدينة ووهان، عاصمة مقاطعة هوبي الصينية:

14 يناير/كانون الثاني: في تغريدة نشرتها منظمة الصحة العالمية في حسابها على موقع تويتر وأسندتها إلى مسؤولين صينيين، قالت إنه لا يوجد دليل ملموس عن انتقال كوفيد-19 من إنسان لآخر.

20 يناير/كانون الثاني: أعلنت المنظمة أن الفيروس قد ينتقل من حيوان إلى إنسان، ومع ذلك يمكن أن ينتقل من إنسان لآخر في حال وقوع اتصال وثيق، وإن كان ذلك بأعداد محدودة.

21 يناير/كانون الثاني: ارتفع عدد الوفيات بفيروس كورونا في الصين إلى 6، وقال متحدث وزارة الخارجية الصينية قنغ شوانغ إن بلاده أطلعت منظمة الصحة العالمية والدول المعنية بشأن الوباء منذ ظهوره.

23 يناير/كانون الثاني: المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، قال إن من المبكر إعلان حالة طوارئ صحية عامة بشأن الفيروس الذي انتشر بسرعة بالصين.

24 يناير/كانون الثاني: غيبريسوس بعد لقائه وزير الخارجية الصيني وانغ يي في بكين، أعرب عن تقديره للتدابير التي اتخذتها الحكومة الصينية، مؤكدا أن منظمة الصحة العالمية على استعداد لتزويد الصين بما تحتاجه، وأن المنظمة واثقة بقدرة الحكومة الصينية على مكافحة الوباء.

29 يناير/كانون الثاني: بعد زيارته مباشرة إلى الصين، أكد غيبريسوس ارتفاع عدد الإصابات إلى 6 آلاف، ووفاة 132 جراء الفيروس، محذرا من قدرة الفيروس العالية على الانتشار.

30 يناير/كانون الثاني: أعلنت منظمة الصحة العالمية أن تفشي فيروس كورونا يشكل حالة طوارئ صحية عامة، فيما قال غيبريسوس إن السبب الرئيسي لإعلان حالة الطوارئ ناجم عما يحدث في البلدان الأخرى وليس ما يجري في الصين، مؤكدا عدم وجود أي أسباب لتقييد الأنشطة التجارية والسفر إلى الصين.

كما أشاد غيبريسوس مرة أخرى بتدابير الصين، وبيّن أن إعلان حالة الطوارئ لا يعني عدم الثقة بالصين، وأن مكافحة بكين للفيروس فوق المتوقعة.

3 فبراير/شباط: جدد غيبريسوس معارضته لفرض قيود على التجارة والسفر إلى الصين.

11 فبراير/شباط: أعلنت منظمة الصحة العالمية إطلاق اسم “كوفيد-19” على المرض الذي يسببه فيروس كورونا المستجد.

26 فبراير/شباط: أعرب غيبريسوس عن قلقه العميق إزاء الزيادة المفاجئة في أعداد المصابين بكورونا في إيطاليا وإيران وكوريا الجنوبية.

28 فبراير/شباط: رفعت الصحة العالمية تصنيف مستوى خطورة كورونا من مرتفع إلى مرتفع جدا.

2 مارس/آذار: أعلن غيبريسوس أن تفشي كورونا خارج الصين بسرعة كبيرة جدا يقود العالم إلى المجهول.

6 مارس/آذار: أعلن غيبريسوس ارتفاع عدد المصابين بكورونا إلى 100 ألف شخص، داعيا الدول إلى رفع مستوى القيود مع ارتفاع أعداد الإصابات.

9 مارس/آذار: قال غيبريسوس إنه مع انتشار كورونا في الكثير من الدول، فإن تهديد الفيروس أصبح حقيقيا بشكل أكبر.

11 مارس/آذار: الصحة العالمية تصف كورونا بالوباء العالمي “الجائحة”.

12 مارس/آذار: غيبريسوس يقول إنه يمكن السيطرة على فيروس كورونا.

13 مارس/آذار: الصحة العالمية تعلن أن أوروبا باتت بؤرة فيروس كورونا.

18 مارس/آذار: غيبريسوس يقول إن تدابير من قبيل إلغاء الفعاليات الرياضية والحفلات وباقي التجمعات الكبيرة، قد تبطئ من سرعة تفشي كورونا.

20 مارس/آذار: أعلن غيبريسوس تواصله مع عدد من الشركات الصينية التي وافقت على توفير معدات طبية لمنظمة الصحة العالمية.

24 مارس/آذار: المتحدثة باسم الصحة العالمية تشير إلى إمكانية أن تصبح الولايات المتحدة البؤرة الجديدة للفيروس.

27 مارس/آذار: أعلن غيبريسوس أنه يجب الانتظار من 12 إلى 18 شهرا لإيجاد لقاح ضد كورونا.

1 أبريل/ نيسان: غيبريسوس يؤكد أن العالم لم يواجه مثل هذه الوباء من قبل، وقال “إنه فيروس مجهول وخطير، وأشعر بالقلق العميق جراء الانتشار السريع والواسع للوباء”.

وبالنظر إلى التسلسل الزمني للتصريحات، قد يكون للانتقادات والاتهامات الكثيفة ضد منظمة الصحة العالمية مبرر.

ويدّعي خبراء دوليون في مجال الأوبئة أن منظمة الصحة العالمية لو دعت الصين لإغلاق حدودها على العالم الخارجي عندما أعلنت بتاريخ 30 يناير/كانون الثاني حالة طوارئ عالمية بسبب كورونا، لما وقع العالم في قبضة الفيروس.

ويرى الخبراء أنه يجب على المنظمة -لكسب ثقة المجتمع الدولي مجددا- إثبات نضجها في مرحلة ما بعد الوباء، وتسريع مساعي إيجاد لقاح، والخضوع لعملية إصلاح جديدة عقب الوباء.

( الأناضول)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: