حلمي الأسمر
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

هوامش على دفتر “أسوار القدس”

حلمي الأسمر
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

سيمضي وقت طويل ونحن نتحدث عن الزلزال الكبير الذي ضرب المنطقة العربية والعالم بعد معركة “أسوار القدس”. ليس مبالغة أبدا القول؛ إن هذه المعركة كانت من المعارك الفاصلة في تاريخنا الحديث؛ لأن ما بعدها هو غير ما قبلها، فقد غيرت الكثير من المفاهيم، وزلزلت الكثير من المصطلحات وما كان “حقائق” غير قابلة للنقاش، إن على صعيد العلم العسكري أو الإعلامي، أو حتى على الصعيد الإنساني البحت، وما يتعلق بمشاعر الإنسان العادي حيال الموت والحياة والمعاناة التي تمر به.

القوة هي التي ترسم خطوط التاريخ، ومن يملك القوة هو من يحدد “هوية” السلاح في أيدي الآخرين؛ إن كان سلاحا “شرعيا” أو “مارقا”. لعبة التصنيف هذه تملكها منظومة الأقوياء، كثيرون يقعون في فخ التصنيف، ويمتثلون لمشيئة الأقوياء، كرها أو طوعا.

يعرف الأقوياء جيدا الذين وضعوا القوانين الدولية (مجلس الأمن، وما يتبعه) أن العدالة لم تكن حاضرة حين وضعوها، أين العدل في أن يتحكم خمسة أعضاء من جماعة “الفيتو” بأي قرار دولي، مع اشتراط الإجماع؟ بل أين العدالة في أن يعطل صوت واحد كل ما يتفق عليه بقية العالم؟ في المعيار المجرد هذا إرهاب بحت، حتى بالمعايير التي وضعها الأقوياء، ومع هذا نتعامل معه باعتباره “واقعا” لا يمكن تغييره!

الجنون الذي أصاب الكثيرين، هو كيف يجرؤ قوم محاصرون منذ خمسة عشر عاما على صناعة وسائلهم القتالية التي تستطيع جدع أنف كيان يقف معه ويدفعه أكثر من نصف سكان الأرض؟

صواريخ المقاومة كسرت قاعدة كان محرما الاقتراب منها، وهي أن استنقاذ الحقوق محصور بالوسائل السلمية(!) و”المفاوضات”، وأن القوة حصرا هي من حق القوي، الذي يستطيع عبر بوارجه وحاملات طائراته وصواريخه وحتى قنابله النووية “تأديب” كل من يحاول أن يخرج من تحت عباءة “العبودية” لنظام دولي تحكمه قوانين هي أشبه ما تكون بقوانين عصابات الإجرام!

 أعادت “اسوار القدس” الإيمان للشعب الفلسطيني بخاصة والشعوب العربية بعامة الثقة بالنفس، وقد كانت قبل اشتعال أوارها في أسفل سافلين، بعد “زفة” التطبيع وتسابق الأنظمة للاصطفاف على أبواب الكيان؛ بوصفه “حبل النجاة” والوسيط الذهبي القادر على إضفاء “شرعية” ما على أنظمة لا تتمتع بالحد الأدنى من الشرعية الحقيقية، كان الاعتقاد ـوربما لم يزل عند من فقدوا البصر والبصيرةـ أن الطريق إلى الرخاء والسلامة يمر عبر “تل أبيب”، لتأتي الصواريخ المعجزة لتهز الصورة الأسطورية لهذا المفهوم وغيره، مما حاول الإعلام تصويره كحقائق غير قابلة للنقاش.

فجرت “أسوار القدس” ثورة وعي عارمة في طول العالم وعرضه، بعدالة قضية فلسطين، وقد كان الصوت الأعلى والأقوى في الفضاء الكوني للكيان ولسرديته، وروايته الخادعة، أصبح هناك رواية أخرى للحكاية تختلف عن كل ما سمم الوعي الجمعي البشري، رواية تتمدد بشكل نشط وسريع على ألسنة الناس البسطاء من كل الجنسيات، وكان الفضل في هذا بعد توفيق الله عز وجل لجحافل من الشابات والشباب الذين ملؤوا فضاء الإعلام الشعبي ومنصات التفاعل الاجتماعي بمحتوى غاية في الذكاء والحرفية والإقناع، فغيروا المزاج العام، وأثروا في بث قناعات جديدة لدى كثير من المشاهير والمؤثرين في العالم.

بعد “أسوار القدس”، صار الحديث في موضوع “نهاية الكيان” ليس مقصورا على التنبؤات الغيبية، واستقراء النصوص الدينية و”لعبة الأرقام”، بل غدا موضوعا على طاولة بحث مراكز البحوث والدراسات ودوائر التفكير المستقبلي، ليس في الكيان وحده، بل في غير مكان من هذا العالم، فلئن هزت مقاومة مكبلة الأيدي لخمسة عشر عاما قلعة “الكيان” ذات اليد الطويلة في العربدة في طول المنطقة وعرضها، فكيف لو أسندت هذه المقاومة بنيران جبهات أخرى، في الوقت نفسه، وبالزخم نفسه؟ كان هذا الموضوع بالذات مدار بحث على أرفع مستوى في الكيان وخارجه، حيث بدت سوأته الكبرى، وظهر كم هو هش وقابل للهزيمة، وقد كان من قبل أسطورة أو قلعة غير قابلة للاقتراب منها حتى، فما بالك بزلزلتها؟

كشفت “أسوار القدس” كل عيوب ومخازي النظام العربي الرسمي، الذي بدا أكثر حرصا من الكيان الصهيوني على حرمان المقاومة من قطف الثمار السياسية للنصر العسكري، وبدا أن على المقاومة أن “تعتذر” عن نصرها، كي يكتمل النموذج الذي تحلم به الجماهير المغلوبة المسحوقة، التي تئن تحت مشاعر الفقر والقهر والجوع، وغدا رأس المقاومة مطلوبا أكثر من أي وقت مضى، بعد أن سجلت سابقة في الكبرياء والقوة والنصر، وهو نموذج خطير يستدعي مقارنة مذلة مع أنظمة غنية تمتلئ مخازنها بكل أنواع الأسلحة، ولم تستطع تسجيل ربع أو خمس نصر مما سجلته مقاومة عارية إلا من إيمانها وإخلاصها، وعد رهن قرارها بقوى خارح الحدود.

أسوار القدس، سورت الوعي الجمعي العربي بقيم جديدة، ومفاهيم ومشاعر وقناعات، ستكون بعون الله بذور تغيير كبير إن تمت رعايته، وتمكن من مقاومة الخراب والتخريب الذي سيجتهد “المتضررون” بارتكابه، خوفا من زوال ريحهم، وأفول شمسهم.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts