أغرب من الخيال.. صواريخ بكتيرية موجهة تحمي نوعها وتقتل أعداءها

أغرب من الخيال.. صواريخ بكتيرية موجهة تحمي نوعها وتقتل أعداءها

صواريخ بكتيرية

هل خُيِّل لك يوما أن تمتلك رماحا تصيب بها عدوك دون أن تلحق الضرر بأصدقائك إذا وقعت عليهم؟ بالطبع فإن مثل هذا الأمر سيكون ميزة استباقية مهمة في الحرب. غير أن حروب الطبيعة كثيرة، والتي تذهلنها إحداها حديثا بامتلاكها واحدة من هذه الرماح الموجهة.

الفيروسات آكلة البكتيريا

من المعروف أن هناك نوعا من الفيروسات التي تهاجم البكتيريا وتسمى الفيروسات آكلة البكتيريا أو العاثيات (Bacteriophage). وتتكون العاثيات من رأس بروتيني سداسي الشكل يأسر مادتها الوراثية، كما تتكون من ذيل بسيط يساعدها على التشبث بالعائل ومهاجمته.

وتحتوي أمعاء الإنسان على المليارات من هذه العاثيات التي تساعدها على التخلص من البكتيريا الضارة. ويحاول العلماء استخدام ميزة العاثيات وتركيبها البسيط لنقل مواد وراثية معينة ذات وظيفة منشودة إلى داخل الخلايا. كما يمكن استخدامها كبديل ناجع للمضادات الحيوية.

غير أن هناك أسلحة جديدة تنتجها البكتيريا وتعرف باسم بقايا الذيل أو “التيلوسين” (Tailocins)، وهي آلات نانوية بروتينية فعالة للغاية. وتشبه “التيلوسين” العاثيات، غير أنها لا تمتلك ذلك الرأس المحتوي على المادة الوراثية، وبالتالي فإنها تفتقد كُتيِّب الإرشادات اللازم لنسخ مادتها الوراثية ولتكاثرها.

إبر وخز نانوية

وتعمل “التيلوسينات” كإبر وخز، إذ تتشبث بالخلية المستهدفة، ومن ثم تخترق غشاء الخلية وصولا إلى السيتوبلازم محدثةً خللا في محتوى الخلية وأيوناتها، مما يؤدي إلى انهيار الخلية.

وتُنتَج “التيلوسينات” عبر مجموعة متنوعة من البكتيريا -القادرة على إنتاج بقايا الذيل تلك- التي تقبع تحت ظروف من الإجهاد. وتعتبر “التيلوسينات” أسلحة موجهة، إذ تقتل سلالات معينة دون غيرها، مما جعلها توصف باسم “الصواريخ البكتيرية الموجهة”.

ويبدو أن “التيلوسينات” هي أسلحة البكتيريا ضد منافسيها. ونظرا لتشابهها مع العاثيات، فإن العلماء يعتقدون أن “التيلوسينات” هي نتاج المادة الوراثية التي أدخلتها العاثيات إلى البكتيريا. وبمرور الوقت، تخلصت البكتيريا من أجزاء ذلك الحمض النووي المدخل إليها وغير المفيد بالنسبة لها، مع احتفاظها بالجزء الذي قد يمنحها ميزة جديدة.

سلاح مزدوج

وبمجرد إطلاق هذه الأسلحة من البكتيريا، فإنها تستهدف سلالات معينة من خلايا العائل دون غيرها. لكن هذه الأسلحة تعمل بشكل غريب. إذ إنها تقتل البكتيريا التي تُنتجها أيضا، وكأن البكتيريا قد هوجمت بالعاثيات بالفعل.

تخرج تلك الآلات النانوية المدببة من أغشية البكتيريا كما تفعل العاثيات أيضا، مما يتسبب في إلحاق الضرر بالبكتيريا. وبالتالي فإن إبقاء البكتيريا على سلاح ذاتي الضرر كهذا يناقض القدرات الاختيارية للتطور.

لكن هذا السلاح يحمي عائلته من الضرر، لأنه يستهدف سلالات معينة عند خروجه. وبالتالي فإن هذا السلوك يضر بالفرد البكتيري الذي ينتجه فقط، في وقت يحمي فيه أقاربه من الأذى. ولم يعرف العلماء الآلية التي تعمل بها تلك الإبر النانوية.

وفي دراسة حديثة نشرتها دورية “ذا آي إس إم إي” (The ISME) في الأول من مارس/آذار الماضي، درس العلماء في مختبر لورانس بيركلي الوطني (Lawrence Berkeley National Laboratory) في الولايات المتحدة الآلية الجينية والفيزيائية التي تستهدف بها تلك الإبر النانوية سلالات معينة دون غيرها.

وبحسب البيان الصحفي الذي نشره المختبر تعقيبا على الدراسة، فإن العلماء فحصوا 12 سلالة من بكتيريا التربة التي تنتج “التيلوسينات”.

آلية الاستهداف

ويعقب آدم أركين، كبير باحثي الدراسة، على هذا الآلية قائلا “إننا مولعون بمعرفة الكيفية التي تُبقي نوعا معينا من البكتيريا على قيد الحياة خاصة في ظل ظروف مليئة بالتحديات وخالية من الموارد كما الحال في بكتيريا التربة التي درسناها”.

وقد وجد العلماء أن بعض المكونات عديدة السكر الدهنية (Lipopolysaccharides) التي ترتبط بالأغشية الخارجية للخلية المستهدفة هي التي تحدد قابلية استهداف الخلية بـ”التيلوسينات” من عدمه.

وبالتالي فإن فهم آلية الاستهداف تلك تساعد العلماء على هندسة البكتيريا القادرة على إنتاج “التيلوسينات” في المختبر. ونظرا لأننا نجهل الدور الذي تقوم به غالبية الميكروبات الموجودة في البيئة، فإننا قد نتمكن قريبا من إجراء المزيد من التجارب بشأن أدوار هذه الكائنات، مستخدمين “التيلوسينات” التي تمت هندستها مخبريا بشكل صحيح.

كما يمكن استخدام “التيلوسينات” كبديل للمضادات الحيوية التقليدية والتي تقضي بشكل عشوائي على السلالات المفيدة والضارة معا، ناهيك عن تزايد مقاومة العديد من البكتيريا لكثير من المضادات الحيوية.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: