هذه مثل أحاجي الرياضيات في حل المعادلات التكعيبية , والتي تحتاج الى صفحات طويلة للحل , وانت تستطيع بواسطة الديالكتيك أن تجد علاقة بين السمك والنجوم , وأن تنكح الثريا سهيلا , وأن تربط بين ما لا يمكن ربطه , ولكن موضوعنا أسهل مما تظنون , واليكم الحل:
اضراب المعلمين والذي جاء بدون طول تفكير , بل هو كان ردة فعل على الموقف الحكومي من اعتصام الرابع الذي أحال عملا ديموقراطيا قانونيا بسيطا الى معضلة , يذكرك بالمثل العامي (مجنون رمى حجر في بير..مائة عاقل ما بطلعوه), هذا الاضراب الذي فكر فيه المرحوم الحجايا , ونفذه خلفاؤه , ليس خارج سياق الحالة الاردنية المأزومة أصلا , فهناك العديد من المساحات الملتهبة على امتداد الوطن , تنتظر اللحظة المناسبة لتعبر عن سخطها وموقفها , لا يؤخرها الا اعتبارات آنية , وتقديرات للموقف الصعب الذي نعيشه جميعا , والشعب الاردني من أكثر الشعوب تفهما لأوضاعه , وتفاعلا مع قضاياه , وشعورا بالمسؤولية تجاه أمنه واستقراره, ولهذا نجده يسدد ويقارب وينتظر أن يسمع المسؤولون منه رأيه وشكواه , ولكن يبدو أن في المسألة عقدة لا تحل الا بفعل فاعل.
عقدة الوضع في الاردن هو وجود الكيان الصهيوني الى جانبه , ولأن كل الحلول المجترحة في ظني هي تغميس خارج الصحن , فسنبقى ندور في الفراغ الذي خصصه لنا الاعداء حتى ينتهوا من تنفيذ مؤامراتهم , هم يشاغلوننا في قضايا جانبية كثيرة حتى لا نفرغ للتفكير في خططهم ومؤامراتهم , وأنا لا أشير هنا الى الاضراب , لأنه لم يكن مخططا مسبقا ولا في وارد الكثيرين , بل
أتحدث عن مشاغلنا الأخرى التي جعلوها تسيطر على اهتماماتنا , المديونية , الضرائب , الفساد , التزوير , التطبيع , التنسيق الامني مع الصهاينة , أطماع الصهاينة في الاردن , الثرثرة الكثيرة عن التنمية والزجاجة وقعرها وعنقها , الاحزاب المحاصرة , والنقابات المهمشة والمؤسسات المدجنة , ثم شعارات كثيرة عن المرأة وتمكينها , والشباب ودورهم , والباص السريع جدا, مشاغل لا تعد ولا تحصى , وصدق البعض بسذاجة مشبوهة , أننا يمكن أن نصلح الحال ونجود الأداء من خلال المنظومة القائمة من التشريعات والادارات والامكانات المسموح بها , والهوامش التي تكرمت بها الحكومات للقوى المغلولة أيديها بكل أنواع الأغلال , وانخرطوا في المشهد التمثيلي التراجيدي الفكاهي الذي جعلنا نبتعد كثيرا عن المسار الحقيقي للخروج مما نحن فيه.
الف باء الخروج من الأزمة هو استقلال القرار الوطني , وهذا لا يصنعه الا مجلس نواب تم اختياره بقانون انتخابات منحاز الى مصلحة الوطن , وحكومة ديمقراطية منتخبة مسؤولة أمام مجلس النواب , لها ولاية حقيقية , واصلاحات دستورية تعيد التوازن الى السلطات دون تغول أحدها على الآخر, هذا تحدث عنه الكثيرون من الاحزاب والشخصيات الوطنية , ونحن هنا نعيده لأننا نشعر أن الوطن يحتاجه أكثر من ذي قبل , فنتنياهو يتحدث عن الضفة والاغوار كأرض يريد أسرلتها , والدور على الاردن , ونحن هنا نتصلب أمام مطالب المعلمين المتواضعة , وندير ظهورنا للخطر الصهيوني الذي يكاد يبتلعنا , فهل عرفتم سر العلاقة بين تصريحات نتنياهو ومطالب المعلمين , نحن نغمض العيون عن المصائب الكبرى , وننتبه لأمور كان أجدر بنا أن نتجاوزها بكل أريحية , ولكن هناك من يحرص على وضع العقدة في المنشار حتى لا تقوم لنا قائمة.