التايم: فرنسا تقوض مثل الجمهورية باضطهادها للمسلمين والشك بولائهم

التايم: فرنسا تقوض مثل الجمهورية باضطهادها للمسلمين والشك بولائهم

فرنسا

ناقشت الباحثة مريم فرانسوا معاملة فرنسا لمسلميها قائلة إن هذه المعاملة هي مقياس حقيقي لقيمها. وأشارت إلى أن فرنسا تعرضت منذ 2015 إلى سلسلة من الهجمات الإرهابية كان آخرها في تشرين الأول/أكتوبر عندما قتل مدرس التاريخ صمويل باتي  والذي عرض صورا مسيئة للرسول على تلامذته، وتبع ذلك مقتل 3 أشخاص في كنيسة بمدينة نيس مما جعل البلد يعتقد أنه مستهدف ويجب الرد.

وبالنسبة للرئيس إيمانويل ماكرون فالبلد مستهدف من الإرهابيين بسبب “حرية التعبير والحق بالاعتقاد وطريقة حياته”. ولهذا زعم أن “الانعزالية الإسلامية” وجدت أرضية خصبة وسط قطاعات من المجتمع الفرنسي، وأن الطريقة الوحيدة لمواجهتها هي “إسلام فرنسي” تنظمه الدولة. وليست هذه المرة الأولى التي تحاول الدولة الفرنسية فيها تنظيم علاقاتها مع مجتمع ديني متنوع عرقيا وبدون قيادة أو مؤسسات للتوسط مع الدولة. فهذه تعود إلى أكثر من عقود وبدون أي نتيجة، ذلك أن المسؤولين الذين عينتهم الدولة كافحوا للحصول على اعتراف وبنفس القدر لن تحظى محاولات ماكرون لتحديد المسلمين بناء على معتقداتهم بقبول واسع، خاصة أن زعيما علمانيا هو من يقوم بتعريف شروط الممارسة الدينية. فمفهوم العلمانية أو اللائكية مصمم لحماية الأفراد من تدخل الدولة في حياتهم ومنع تأثير الدين عليها. لكنه بات وفي السنوات الأخيرة يعمل العكس، فهو يتدخل أكثر في حياة المواطنين المسلمين، من ناحية الملبس وحاجاتهم للطعام والتعليم الديني. 

وحاولت الدولة في السنوات الأخيرة منع كل هذا لتواجه بقوة محاكمها التي أقرت هذه الحريات. وفي الوقت الذي يصر فيه ماكرون على أن سياساته لا تستهدف الإسلام بعينه ولكن من يعارضون قيم الجمهورية إلا أن خطابه ووزراءه أعطوا شعورا غير ذلك. فمن النقاش حول الحجاب والمسابح الخاصة بالنساء وأرفف الطعام الحلال والمظاهر اليومية لحياة المسلمين، كل هذا تم اعتباره مظاهر عن الانعزالية المرتبطة بالإرهاب. 

وفي تقرير صدر العام الماضي بعنوان “التمييز ضد المسلمين: على الدولة التحرك” وصفت فيه منظمة أمنستي انترناشونال “مناخا معاديا وخطابا يميز” ضد المسلمين والذي ظهر من خطاب وزير الداخلية الذي اعتبر حريات دينية أساسية مثل الصلاة والصيام وإطلاق اللحية “علامات تشدد”.

وجاء في التقرير نقلا عن رجل داهمت الشرطة مسجده: “أسوأ جزء في هذا، أنه لو كان هناك قلق لفتحوا تحقيقا، ولكنني أشعر أنهم يعاقبوننا بدون جريمة”. وفي جو الخوف الذي باتت فيه زعيمة اليمين المتطرف ماري لوبين تحدد الخطاب العام عن الإسلام والمسلمين فعدم رغبة الحكومة التفريق بين ما هي أشكال عادية من التدين وما هي متطرفة جعلت ملايين المسلمين الفرنسيين عرضة لاتهامات التطرف. وتم تبرير الإجراءات الأخيرة بناء على فرضية مناقضة قطاعات من المجتمع المسلم لقيم الجمهورية، لكن لا يوجد ما يثبت هذا. ففي أوسع دراسة نوعية عن العلاقة بين الإرهاب والتمييز في فرنسا وجد الباحثون في مركز دراسة النزاع في باريس العكس. ووجدوا أن المسلمين بشكل عام يثقون بمؤسسات الجمهورية باستثناء الشرطة والإعلام. وجاء فيها: “ما ظهر من الدراسة يكشف عن التزام ضخم للمسلمين الفرنسيين بالجمهورية”. ووجدت الدراسة أن الثقة بمؤسسات الجمهورية تتلاشى عبر عامل واحد: تجربة التمييز وهو أمر من المتوقع أن تفاقمه الإجراءات الأخيرة. ووجدت الدراسة في نتيجتها: “لا ترفض غالبية المسلمين قيم ومؤسسات الجمهورية في فرنسا”.

وما يثير القلق هو أن التمييز منتشر ضد المسلمين الفرنسيين في كل مجال من مجالات الحياة، من السكن إلى الوظيفة والتعامل مع الشرطة. وبحسب أرقام الحكومة فنسبة 42% (بعض الدراسات تقول 58%) تحدثوا عن معاناتهم من التمييز، وتزيد النسبة إلى 60% بين المحجبات. وفي دراسة أخيرة لمنظمة “يوغف” وجدت أن نسبة 67% من المسلمين الفرنسيين يعتقدون أن النظرة لدينهم سلبية فيما قالت نسبة 64% إن النظرة السلبية متعلقة بأصلهم العرقي. وبالنسبة للكثيرين فالسلطوية الزاحفة التي يتم فيها مناقشة حياة المسلمين في البرامج التلفزيونية الرئيسية وعرضها من وجهة نظر إشكالية دليل مقلق حول استخدامها سياسيا وكأداة للعنصرية.

ومنذ حالة الطوارئ في 2015 وانتهت عام 2017 أقر البرلمان سلسلة من التشريعات التي قادت إلى انتهاك الآلاف والمداهمات والاعتقالات للمسلمين وبطريقة غير متناسبة. ومظاهر السلطوية تبدأ على الهامش لكنها لا تنتهي هناك. وفي أعقاب الهجمات الأخيرة تم الدفع بقانونين مثيرين للجدل، أحدهما “القانون العالمي” الذي يمنح الدولة سلطة استخدام الطائرات المسيرة والسجن وغرامة 45.000 لأي شخص يحمل صورا تظهر وجه جندي أو رجل شرطة. وقاد هذا القانون إلى تظاهرات عامة. وتزعم الحكومة أن إظهار صور الشرطة على منصات التواصل يعرض حياتهم للخطر.

وقال جيرالد دارمانين، وزير الداخلية: “سرطان المجتمع هو عدم احترام السلطة”. ولكن الصحافيين في فرنسا بدأوا بقرع الجرس فيما قالت المفوضية الأوروبية: “في فترة الأزمة يجب أن يكون الصحافيون قادرين على القيام بمهمتهم بحرية وأمن كامل”. وفي الوقت الذي كان البرلمان يناقش مشروع القانون ظهرت صور للمنتج الموسيقي الأسود ميشيل زكلر وهو يتعرض للضرب على يد أربعة رجال شرطة وهو في استديو عمله بباريس، في عمل وصفه الناشطون بأنه آخر مثال عن الوحشية المستشرية داخل قوى الأمن الفرنسية. ويجرم القانون الجديد أي شخص يلتقط صورا للشرطة.

ودعا أكاديميون وناشطون وخبراء بالأمم المتحدة الحكومة الفرنسية مراجعة قرارها الذي سيترك تداعيات على الحق في الحياة الخاصة والحق بالتظاهر السلمي وحرية التعبير. كما ويثير القانون الجديد المتعلق بـ “مبادئ الجمهورية” جدلا وقلقا واسعا، ومن ذلك فأي شخص يتم الكشف عن تعاطفه أو اعتذاره عن الإرهاب، وهي جريمة تفكير أدت لاعتقال أطفال لم يتجاوز سنهم العاشرة من العمر فسيضافون إلى قائمة مراقبة الإرهاب. وفي شهر واحد تم فتح 270 حالة من هذا النوع. ومنذ مقتل باتي حددت الحكومة 400 خرق لإحياء ذكرى المدرس القتيل منها 150 اعتبرتها الحكومة اعتذارا عن الإرهاب ونسبة 50% حدثت في المدارس. وأمر وزير الداخلية بالتحقيق في 76 مسجدا متهم بالانعزالية وتواجه خطر الإغلاق في بلد تعتبر فيه أماكن العبادة محدودة ولا يوجد سوى 2.623 مصلى ومسجدا وقاعة متاحة لـ 5.7 مليون مسلم. وأغلقت السلطات 73 مسجدا على الأقل منذ كانون الثاني بتهمة التطرف. لكن منظمة أمنستي أكدت أن التشدد عادة ما استخدم لوصف “المسلم الملتزم”.

ويشمل القانون الجديد على بنود تقيد عمل منظمات العمل المدني والقيادة التي سيطلب منها التوافق مع “ميثاق الجمهورية”، وهو قسم ولاء للجمهورية جديد يفرض على المجتمع الذي يشك بولائه. وتشمل الخطوط الحمر التي وضعتها الدولة على المسلمين “الإسلام السياسي” والتمويل الأجنبي والذي قدم من الناحية التاريخية وبموافقة من الدولة الفرنسية الدعم لمؤسساتهم الدينية والتعليمية. وسيتم تدريب الأئمة من قبل مؤسسة حكومية تتوافق مع اللائكية. وبهذه المثابة فالفضاء الذي نطلق عليه الحرية والذي تقوم فيه منظمات المجتمع المدني أو الدينية بتنظيم نفسها بناء على مثلها وبطريقة لا تخرق القوانين بدأ يضيق. وهذا يصدق بشكل محدد على المسلمين. ففي الأسابيع الماضية حلت الحكومة عددا من المنظمات إحداها أكبر جمعية لمكافحة معاداة الإسلام في فرنسا بحجة دعمها للتطرف. وهو قرار شجبته منظمة أمنستي التي طالبت الحكومة بالتراجع عن قرارها وقالت المنظمة: “تعبر أمنستي إنترناشونال عن قلقها العميق من الرسالة التي ترسلها إلى المنظمات غير الحكومية والقتال ضد التمييز في فرنسا”.

وترى الكاتبة أن القوانين المقترحة والإجراءات المتعددة بذريعة الإرهاب تسهم في تراجع الحريات في فرنسا: حرية التعبير والتجمع والتفكير. وبقيامها بالحد من مساحة المعارضة والتفكير باسم الحفاظ على مبادئ الجمهورية تقوم فرنسا بخيانة نفسها. وقال وزير العدل الفرنسي إريك دوبون مورتي إن “الكثير من الناس يستخدمون قانون 1881 الذي يحمي حرية التعبير للتعبير عن مواقف تتعارض مع قيم الجمهورية”. ولو كانت حرية التعبير تعني شيئا فهي الحرية للتعبير عن مواقف متضادة مع الدولة، بما فيها احتكار قيم الجمهورية. ووصف وزير التعليم الفرنسي جين ميشل بلانكير الأكاديميين الناقدين لمدخل الحكومة بالإسلامو – يساريين و”المتواطئين فكريا مع الإرهاب واستيراد أيديولوجيات عنصرية محلية وضد الاستعمار” والتي زعم أنها مسؤولة عن تكييف العنف المتطرف”.

وتقول الكاتبة إن ماكرون الذي يقدم نفسه كحامي حمى مبادئ الجمهورية متهم بتقويض مبادئها بدءا من حرية الإعلام. ويلعب الرئيس الفرنسي لعبة خطيرة ومزدوجة من خلال التلاعب بالخلافات اللغوية والثقافية من خلال التقليل من مظاهر القلق التي عبر عنها مواطنوه في الإعلام العالمي، وذهب بعيدا لاتهام صحف مثل “نيويورك تايمز” بـ “شرعنة العنف” لأنها نشرت مقالات لم يرض عنها. وسحبت صحيفة “فايننشال تايمز” مقالا وأبدلته بآخر كتبه الرئيس نفسه فيما نظر إليه كضغوط فرنسية على الإعلام. وتابعت منظمة مراسلون بلا حدود أشكالا مثيرة للقلق من الضغوط القانونية على الصحافيين الاستقصائيين واستقلالية المقالات الافتتاحية في الصحف. وهناك عدة طرق لتكميم الصحافة من خلال جعل الحقيقة عصية.

وبعد أيام من مقتل  باتي ألغت وزيرة الشباب اجتماعا مقررا مع الطلاب لمناقشة الدين لأنها لم ترتح للحديث عن التحيز والإسلاموفوبيا. وكلنا يعرف أن حرية التعبير ليست مطلقة وبالتأكيد في فرنسا حيث تنظم القوانين خطاب الكراهية، لكن الشباب ليسوا سذجا، لأنهم قادرون على اكتشاف نفاق الساسة الذين يحاضرون عليهم بشأن حرية التعبير وتقبل صور كاريكاتيرية غير مريحة ولكنهم لا يستمعون إليهم عندما يريدون الحديث عن التمييز. ولا يمكن قياس حرية التعبير من خلال منبر الإليزيه ولكن عبر إسكات من يقاومون سرد الحكومة التي يحملونها مشاكل فرنسا الكثيرة. وبشكل عام يمكن قياس حرية التعبير في بلد من خلال الهوامش. ومن هنا فمنظور الإرهاب هي حيلة مفيدة لتجاهل الإجراءات العقابية التي تواجه مسلمي فرنسا.

ومن الوهم إقناع النفس أن فقدانهم حرية التعبير لا يعني خسارة الجميع هذه الحرية. وسيحاول الإرهابيون تكبير نطاقهم المحدود، وتحويل الهجمات بالسكاكين إلى عمل حرب دولي معترف به. ومنذ عام 2012 مات 260 شخصا بسبب الهجمات الإرهابية مقارنة مع 3.000 شخص يموتون سنويا في حوادث  طرق و300 شخص يموتون يوميا بسبب كوفيد -19 فهل منظور الإرهاب يبرر تقويض المبادئ الديمقراطية التي قاتل ومات من أجلها الناس؟ ويمكننا النظر إلى الهجوم الإرهابي على أنه هجوم على قيمنا وقد نرفض هذا الكلام، لأن قيمنا ليست مهددة بهذه الهجمات بل بطريقة ردنا عليها. وحان الوقت لأن يتمسك قادتنا بمثل الجمهورية التي يزعمون أنهم يمثلونها.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة:

Comments 1

  1. محمد says:

    ساركوزي ومن يتوافق معه واويبرر عنصريته وحقده هو مثله اشخاص اعدا للانسانية وللاسلام وللمسلمين الشرفاء وعدو لهويتهم ساركوزي فاشيتي مستبد حقود داعشي علماني بخلفية صليبيه على مواصفات استعمارية بهوبة فرسان الهيكل بعقيدة متطرفة مسطحية رومانية ماسونية