الزواج في زمن كورونا عودة ليسر الشريعة ودعوة لتعجيل الفرح

الزواج في زمن كورونا عودة ليسر الشريعة ودعوة لتعجيل الفرح

عمان – رائد الحساسنة

دعا مستشار قاضي القضاة الدكتور أشرف العمري في تصريحات إلى “البوصلة” الشباب المقبلين على الزواج إلى تعجيل عقد قرانهم ونشر الفرح والسرور في أسرهم وأحيائهم ولو بالحد الأدنى من الحضور والمشاركين مع المحافظة على الصحة والسلامة العامّة وعدم الانتظار، مؤكدًا في الوقت ذاته على أنّنا شهدنا في مجتمعنا الكثير من الأفكار الإبداعية والخلاقة لحفلات زفاف من حيث الحضور وبطاقات الدعوة وطريقة الفرح عن بعد عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وأكد العمري أن جائحة كورونا جعلت كثيرين من شبابنا يعودون إلى “يسر الشريعة” اضطرارًا، ويتركوا كل مظاهر المباهاة والمغالاة والتكلف غير الضروري، منوهًا إلى ضرورة التركيز على جوهر إقامة الأسرة  المسلمة وإدامة العلاقات بين الأزواج ونجاحهم في استمرار حياتهم بعيدًا عن المظاهر والشكليات التي طغت على الأصل الذي كان يجب على المجتمع الانتباه له.

يسر الشريعة والتركيز على جوهر الأسرة

وأوضح أن أحكام الشريعة الإسلامية واضحة في كل ما يتعلق بموضوع “الزواج”، ولكن تعامل الناس معها تطوّر وفق بعض الأعراف والتقاليد الاجتماعية المختلفة، منوهًا إلى أن “يسر الشريعة” يتمثل بشكلٍ جليٍ في بناء الأسرة المسلمة بدءا من عقد الزواج والظروف المحيطة به وما يتبعه من حفل الإشهار والزفاف وصولاً إلى كل ما يضمن استمرار مسيرة الأسرة المسلمة ونجاحها.

د.أشرف العمري: الزواج خلال جائحة كورونا يجب أن يضمن كرامة الفتاة وأسرتها ضمن الحد المقبول

وأكد أن “ما جاءت به الشريعة الإسلامية من يسرٍ لم يوجب طقوسًا محددة بل تركتها للواقع المجتمعي مع التوصية بالبعد عن التكلف بغير ما هو ضروري”، منوها لضرورة تحقيق روح الإسلام والأهداف الرئيسية للأسرة منذ بداية تشكيلها، والاهتمام بالاختيار المناسب وتحقيق عناصر الكفاءة وكيف تتم الرؤية والنظرة التي تديم العلاقة الأسرية بين الطرفين”.

وعبر عن أسفه لتركيز المجتمع اليوم على مظاهر سطحية متعلقة بإجراءات شكلية لمنظومة الزواج ابتداءً من الجاهات وكبرها والحضور فيها وأين تقام والكلف الخاصة فيها، انتقالا بعدها لمراسم الزواج وغيرها، مؤكدًا أن في ذلك بعدًا عن يسر الشريعة إلى تكلفات ليست بالضرورة أن تكون ممنوعة أو حرام شرعًا لكنها ظاهرية وبعيدة عن الجوهر.

ودعا إلى البعد عن بعض الظواهر الاجتماعية السلبية المتمثلة بالمغالاة ببعض السلوكيات، فضلا عن سلوك “المباهاة” والسعي لمماثلة الغير وتقليد سلوكهم ومحاولة المشابهة فيهم بحسب الطبقة الاجتماعية أو الطبقة العائلية.

أسباب تغيّر سلوكنا في طريقة إشهار “الزواج

وأشار العمري إلى أن تغير السلوك الاجتماعي إما أن يأتي اضطرارًا أو اختيارًا، منوهًا إلى أنه يصعب على كثير منّا أن يتغير اختيارًا، بسبب الضغوط الاجتماعية على الأسر والعروسين الأمر الذي يمنعهم أحيانًا من التغير.

وأوضح أن بعض الأزواج يرفضون فكرة تغيير السلوك في الزواج وما يحمله من مظاهر خاطئة وسلبية رغم قناعتهم بأن كثيرًا من هذه السلوكيات خاطئة وغير مبررة وفيها مغالاة وتكلف على حساب مستقبل الأسرة واحتياجاتها.

ونوه إلى أن هناك أسر تستدين من أجل المظاهر، وأسر تأخذ من مدخراتها الأساسية من أجل هذه المظاهر، رغم قناعة الكثيرين بأن هذا سلوك غير صحيح وغير مبرر لكن الضغوط الاجتماعية والخشية من كلام الناس كانت تمنع الكثير من الأسر من سلوك الاتجاه الصحيح.

وقال العمري: في هذه الفترة كثير من الناس أعادوا حساباتهم ووجدوا فيها فرصة للعودة للأشياء الأساسية، مشددًا في الوقت ذاته على ضرورة أن تكون الأعراف الاجتماعية منضبطة بالحد الأدنى المطلوب، وأهمّها حفظ كرامة الفتاة وكرامة أهلها ضمن توافق اجتماعي مقبول وعدم التقليل من شأن منظومة الزواج والأسرة، وهذا الأمر ينبغي أن يكون واضحًا في المبادرات التي تدعو إلى “خذ عروستك واطلع فيها على بيتك”.

وشدد على أنه يجب أن يكون هناك اعتدال في الرؤية والطرح ضمن الضوابط الشرعية والأعراف المقبولة، بعيدًا عن المغالاة وأن يعذر بعضنا بعضًا في البعد عن مظاهر التكلف سواءً كان بإرادتنا أو بسبب ما فرضه علينا قانون الدفاع من منع التجمعات والاحتفالات في قاعات الأفراح.

وأشار إلى أنه وعلى الرغم من جائحة كورونا فيجب علينا مشاركة الناس في أفراحهم وأتراحهم، ولكن باعتدال وضمن وجود عائلي مضبوط ، من حيث العادات ومن حيث النفقات.

منظومة اقتصادية كبيرة بنيت على “الزواج

ومن جانب آخر نوه العمري خلال حديثة إلى “البوصلة” إلى أنه يرتبط بالزواج منظومة اقتصادية كبيرة، واستثمارات ضخمة تعال من خلالها الكثير من الأسر، مؤكدًا على أن كثيرًا من الخدمات بنيت على أعراف اجتماعية قائمة، والقطع المباشر لها من قبل المجتمع قد يؤدي إلى أضرار كبيرة.

وأوضح أن الإسلام حث على الإنفاق لا سيما وأنه يحرك عجلة الاستهلاك، وبالتالي تتحرك عجلة الاقتصاد، حتى لا يتوهم أحد أن الشريعة ضد الإنفاق والاستهلاك في الأوضاع الطبيعية، على حد تعبيره.

وقال العمري إن الإشكال ليس في مجرد الاستهلاك والإنفاق، ولكن في المغالاة والمباهاة فتجد أسرًا ليس لديها القدرة ولكن من أجل الواقع الاجتماعي تفرض على نفسها تكلفات غير ضرورية ويحرجون بها أنفسهم تماشيا مع المجتمع.

فرصة لمراجعة السلوك الاجتماعي

وشدد العمري على أن ما نمر به من ظروف اليوم يشكل فرصة لمراجعة السلوك الاجتماعي وتعديله سواء كان اختيارًا أو اضطرارًا تماشيا مع الظروف، معبرًا عن أمله في أن يستمر التغير الإيجابي مستقبلاً.

وأشار إلى أن هناك صنفين من الناس اليوم فمنهم من قرر تأجيل كل ما يتعلق بالزواج إلى أن تنتهي الأزمة ويرفضون إقامة حفل الزفاف ضمن عدد معقول وإجراءات محدودة، وصنف آخر على العكس يجدون في الظرف الحالي فرصة لأن يعذرهم الناس فيعقدون الزواج ويتجنبون من التكلفة غير الضرورية الكثير.

دعوة للفرح وعدم الانتظار

ورأى العمري فيما تابعناه هذه الأيام على مواقع التواصل الاجتماعي من أعداد كبيرة من الناس أقبلت على عقد الزواج ضمن إجراءات محددة ومعقولة قدرة على التكيف باعتباره ضرورة لا سيما وأن الناس أبناء بيئاتهم وظروفهم، منوهًا إلى حجم الأموال التي وفرتها هذه الأسرة مع انعقاد الفرحة وتمامها.

وأشار إلى أن واقع الكورونا والحظر وعدم القدرة على الحركة وطريقة استهلاكنا وشرائنا وحتى تنوع الأشياء الكثيرة لستة شهور مرة، فرض علينا التكيف مع هذا الواقع الجديد، داعيًا للاستفادة من هذه التجربة مستقبلاً بوقف كل مظاهر تزييف الحقائق فيما يتعلق بالزواج والبعد عن المغالاة والمباهاة.

ووجه العمري رسالة للمجتمع بضرورة إعادة الحسابات والنظر إلى الإيجابيات والسلبيات، منوها إلى أن كثرة الجاهات وحجم الزفاف وعظمه وكثرة الإنفاق فيه لا تصنع الفرح للزوجين، مؤكدًا على ضرورة البحث عن الأشياء الأساسية في حياتنا والضرورية لبناء الأسرة السعيدة المتحابة لأنها هي الأولى.

ودعا المقبلين على الزواج إلى التوقف عن الانتظار، وأن يبادر كلٌ منهم إلى مشروع زواجه، ومن عقد وينتظر الزفاف فليبادر إلى الزفاف ضمن الحد الأدنى المعقول، حتى يحقق الفرح لأسرته ومجتمعه.

وأشاد العمري بالأفكار الإبداعية التي يخرج بها المجتمع رغم الجائحة قائلا: “لدينا عقول قادرة على ابتكار أساليب ووسائل كثيرة لإيصال الفرح الناس والمشاركة عبر وسائل التواصل عن بعد ولدينا نماذج من ذلك، ولتكن هذه تجربة لنا في الحياة”.

ونوه إلى أن “الناس يبحثون عن تجربة فريدة في الزفاف حتى في الأوضاع الطبيعية، وأعراس فيها تميز، والآن فرصة أتيحت لنا لإجراء أعراس مميزة ودعونا نبحث عن البدائل، ولسنا عاجزين أن تصنع كل أسرة الزفاف الخاص بها سواء بطريقته أو بطريقة الحفل أو بطريقة المشاركين وأعدادهم أو حتى المشاركة”.

وطالب العمري في نهاية حديثه إلى “البوصلة” بأن نحترم اختيارات بعضنا البعض وحرية كلٍ منا في طريقة عقد حفل الزفاف، ما دام ضمن الإطار المقبول، محذرًا في الوقت ذاته من أن ينقم بعضنا على بعض أو أن ينكر بعضنا على بعض، وأن نستمر بالإصلاح الاجتماعي وتصحيح المسار الاجتماعي، واغتنام كل الفرص المتاحة لتغيير السلوكيات الخاطئة والعودة إلى يسر الشريعة وروحها التي تهدف لبناء الأسرة وتحقيق السعادة لها في الدنيا والآخرة.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: