محمد أبو رمان
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

السياسة عندما تصبح مشاعاً

محمد أبو رمان
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

لماذا نعود دائماً إلى تفسير الربيع العربي 2011، وإعادة التفكير في الأسباب التي أدّت إليه، والتغيرات والتغييرات المرتبطة به؟ الجواب، باختزال شديد، يكمن في أنّ مرحلة الربيع العربي ليست غمامة صيفٍ عابرة، أو انعطافة مؤقتة، ثم العودة إلى الطريق السابقة، بل هي محصلةٌ لعوامل مجتمعية وثقافية وسياسية تزاحمت وتزامنت، ووصلت بنا إلى نقطة التحول أو القطيعة المجتمعية والسياسية مع المرحلة السابقة.

وإذا كانت سطوة الإنترنت قد ظهرت، بوضوح، في الاحتجاجات الشعبية العربية، فإنّ ذلك يمثّل رأس الجبل، فالتحوّلات المرتبطة بها عميقة وجذرية، تصل إلى مرحلة إعادة تشكيل المجتمعات والسياسات والثقافات العربية، كما هي الحال في دول كثيرة، بالتوازي مع تغيرات وتحولات مجتمعية أخرى، مرتبطة بالفلسفات الاقتصادية والسياسية، وما يرتبط بها من أنظمة. وقد دفع ذلك كله علماء اجتماع ومفكرين ومثقفين كبار، كـ”ألان تورين”، إلى القول بنهاية المجتمعات بصيغتها السابقة، وولادة مرحلة جديدة في تاريخ الاجتماع البشري.

بالعودة إلى موضوع الاحتجاجات العربية، وتأثير العالم الافتراضي العميق، من أبرز الكتب التي تناولت ذلك كتاب صادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات لجوهر الجمّوسي “الافتراضي والثورة: مكانة الإنترنت في نشأة مجتمع مدني عربي”، (2016). قيمته أنّه لا يقف عند التأثير المباشر للعالم الافتراضي في الثورات العربية، من نقل للصورة والمشاهد عبر منصّات الإعلام البديل، مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، يوتيوب)، بل يحفر بالعمق أكثر في قراءة التحولات السوسيولوجية والسياسية العميقة التي حدثت مع العالم الافتراضي.

الفكرة الرئيسية التي يدافع عنها المؤلف أنّ انتشار العالم الافتراضي واطّراده في العالم العربي أدّى إلى تغييراتٍ جذرية، منها إعادة تشكيل القوة وتوزيعها في المجتمعات العربية، بعدما كانت حكراً على السلطة والأحزاب والقوى السياسية، أصبحت تتنافس عليها القوى المجتمعية والمجتمع المدني الجديد (الذي تحصّل على قوة دفع كبيرة بفضل العالم الافتراضي)، والأفراد. وبالتالي، هنالك إعادة تعريف لموازين القوى ومصادرها ومراكزها.

خلط العالم الافتراضي الأوراق كافّة، وأعاد تشكيل المجال العام الذي كان يتنافس فيه السياسي مع المجتمع المدني، وغلّب من كفّة المجتمع المدني، بجمعياته وجماعاته الافتراضية، وأعطى أدواراً رئيسية للأفراد على حساب القوى التقليدية، وفتح المجال العام للجميع، بعدما كان مقتصراً على السلطة والأدوات التقليدية والقوى الحزبية السياسية التقليدية.

يتّسم المجال العام الجديد بمشاعية السياسة الناجمة عن كسر قدرات القوة التقليدية وأدواتها، بخاصة في مجال الإعلام والمعلومة، ما يناقض فكرة مجتمع الجماهير، نتيجة نفي احتكار المعلومات نتيجة التدفق الأحادي، فالمواطن اليوم هو إعلامي يصنع المعلومة والخبر ويؤثر في الرأي العام، فأصبحنا أمام زيادة حجم المعلومات ونوعها وتعميم للمعرفة وتسهيل وصول المجتمعات والأفراد إليها، والانتقال من التلقي إلى الاختيار والمشاركة والفعل.

يرسم جوهر الجموسي صورة طريفة لحجم التغيرات في العالم السياسي اليوم، بفعل العالم الافتراضي “تغيرت الممارسة السياسية الراهنة، أو أشكال المحافظة على السلطة، في زمن انتشار الافتراضي. فلم تعد “كاريزما” القائد هي الضامن لديمومة سلطة الحزب، ولا قدرتها الخطابية أو التهييجية هي التي تضفي على الحزب شرعية الوجود”. .. و”تراجعت المفاهيم التي كانت سائدة أيام هتلر، من قبيل قائد الجماهير، إذ لا يكون القائد اليوم فرداً أصلاً، بل مجرّد أيقونة تصنعها التقانة، وتتلاعب بوعي الناس وبلا وعيهم. ولم يعد ثمة اليوم مجال لشعار “المجاهد الأكبر”. فالجهاد أصبح تسويقياً تقنياً، يعتمد الصورة وفنية إخراجها. كانت السياسة تعرف بفن التصرّف في الممكن، أما اليوم فتدخل فيها العنصر التقاني بقوة، مثلما تدخل فيها المجتمع المدني، فصار أحد عناصر تعريف السياسة “فن التصرف في الصورة والمعلومة، وكيفية معالجتها وإخراجها، ومصادر ترويجها، ومواقع نشرها افتراضياً وطبيعة النسيج المدني المتدخل فيها”.

لا تقف الأمور عند حدود المجالات السياسية والاجتماعية، بل تتعدّاها إلى الثقافية، إذ تتدخل وسائل الاتصال الحديث بعمق في تشكيل وعي الناس، وتتسرّب إلى أدق تفصيلات حياتهم اليومية، بعد أن فقدت المؤسسة الثقافية والاجتماعية والسياسية التقليدية حرارتها، وهجرها روّادها الذين احتواهم الافتراضي. فضلاً عن ذلك، تختلف ثقافة الفرد الرقمي عن ثقافة الفرد العربي الاجتماعي، سواء على صعيد قيمة الفردية والشعور بالذات والتمرّد والتحرّر من القيود التقليدية..

في الخلاصة، رياح التغيير على المجتمعات والدول والأفراد عاتية، ليس فقط عربياً، بل عالمياً، والمفاهيم المهيمنة في الحياة السياسية، وحتى الأمنية والعسكرية، تتغيّر، ولكن من المهم أيضاً الإشارة هنا إلى أنّ هذا الحجم الكبير من التحوّلات يتزامن في العالم العربي مع متغيراتٍ أخرى، كالأزمات السياسية وفشل التجارب التنموية والضغوط السكانية والمالية والاقتصادية، وتحوّلات في السياسات الاقتصادية وأدوار الدول، ما يعني، في المحصلة، أنّ عملية مقاومة التغيير بالأدوات التقليدية (كما تمارس حالياً في الدول العربية) أقرب إلى محاولة دونكشوتية مضحكة!

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts