“الشيخ جراح”.. معاناة متجددة وسجال قضائي لا يتوقف

“الشيخ جراح”.. معاناة متجددة وسجال قضائي لا يتوقف

البوصلة – استقرت 28 عائلة لاجئة فلسطينية في العام 1956 في حي الشيخ جراح، شمالي البلدة القديمة بالقدس المحتلة، بعد اتفاق مع وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”.

بموجب الاتفاق آنذاك تخلت العائلات، اللاجئة من مناطق مختلفة إثر نكبة العام 1948، عن بطاقة اللاجئ التي كانت بحوزتها.

وقال زكريا عودة، من الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين بالقدس (غير حكومي)، للأناضول إن وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية قامت بتوفير الأرض وبناء المنازل، فيما تحملت وكالة “أونروا” تكاليف الإنشاء.

غير أن حرب العام 1967 حالت دون استكمال عملية تسجيل الأرض والمنازل بأسماء العائلات.

ومثلت المرحلة ما بعد احتلال العام 1967(النكسة) انتكاسة للعائلات لتبدأ معاناة مستمرة منذ العام 1972.

فيشير عودة إلى أنه في يوليو/تموز 1972، زعمت لجنة طائفة السفارديم، ولجنة كنيست إسرائيل (لجنة اليهود الأشكناز) أن يهودا امتلكوا الأرض المقامة عليها المنازل منذ العام 1885 وقامت بتسجيل الأرض باسمها في دائرة تسجيل الأراضي الإسرائيلية.

استندت الجماعات الاستيطانية الإسرائيلية إلى قانون سنه الكنيست الإسرائيلي في العام 1970 يسمح للإسرائيليين باستعادة أملاك لهم بالقدس، ادعوا ملكيتها قبل “النكبة” عام 1948.

وبالمقابل فإن قانون الاحتلال الإسرائيلي لا يسمح للفلسطينيين بالمطالبة باستعادة أملاك لهم تم تهجيرهم منها إثر نكبة العام 1948 رغم امتلاكهم الوثائق التي تؤكد ملكيتهم لها.

ينفي الفلسطينيون أن تكون الأرض المقامة عليها منازل الشيخ جراح كانت بملكية يهودية.

ففي عام 1997 رفع المواطن المقدسي سليمان درويش حجازي دعوى من خلال المحكمة المركزية الإسرائيلية لتثبيت ملكية عائلته للأرض المقامة عليها المنازل بالشيخ جراح.

ولكن في يونيو/حزيران 2005 ردت المحكمة المركزية الدعوى التي قدمها حجازي ومن ثم ردت المحكمة العليا الإسرائيلية في 2006 استئنافه على هذا القرار.

كان حجازي قدم في حينه الأوراق التي تؤكد ملكية عائلته للأرض بما في ذلك أوراق تم جلبها من الطابو العثماني.

ويلفت عودة إلى أن الجمعيات الاستيطانية تقدمت في العام 1982 بدعوى إخلاء ضد 24 عائلة بالشيخ جراح.

في حينه كلفت 17 عائلة المحامي الإسرائيلي توسيا كوهين بالدفاع عنها، إذ كان المحامون الفلسطينيون وقتها في إضراب.

ويوضح الائتلاف الأهلي للدفاع عن المواطنين الفلسطينيين بالقدس في ورقة حصلت الأناضول على نسخة منها، أنه “في العام 1991 تم عقد صفقة (اتفاق) بموجبها اعترف محامي العائلات السبعة عشر، توسيا كوهن، بتوقيع اتفاق باسم سكان الحي ودون علمهم”.

وأضاف: “تنص الصفقة على أن تلك الأرض تعود ملكيتها إلى الجمعيات الاستيطانية، وأعطي للاتفاقية المذكورة صيغة قرار، وقد تم منح أهالي الحي وضعية مستأجرين يسري عليهم قانون حماية المستأجر، ولا يمكن القيام بعمليات الإخلاء ضدهم إذا قاموا بدفع بدل الإيجار الذي نص عليها القانون وكان ذاك في صيف 1991، في المحكمة المركزية في القدس”.

وتابع الائتلاف: “وضع العائلات الفلسطينية تحت طائلة التهديد بالإخلاء في حالة عدم دفعها الإيجار للجمعيات الاستيطانية، وأصبحت تلك الاتفاقية المرجعية القانونية في جميع القضايا اللاحقة التي اعتبرت السكان محميين للجيل الثالث، وشملت الصفقة 17 عائلة فقط من عائلات الشيخ جراح”.

تقول العائلات إنها فوجئت بهذا الاتفاق ولم تكن على دراية بتفاصيله.

ويبين عودة أنه منذ ذلك الحين تكثفت دعاوي الإخلاء الإسرائيلية لعائلات فلسطينية من منازلها في الحي لصالح مستوطنين إسرائيليين.

وفي العام 2003، قامت الجمعيات الاستيطانية ببيع حقوق الملكية بالأرض إلى شركة “نحلات شمعون” الاستيطانية.

وفي العام 2008 تم إخلاء عائلة الكرد من منزلها بقرار قضائي إسرائيلي ثم جرى إخلاء عائلتي الغاوي وحنون من الحي في العام الذي يليه.

وتصاعدت قرارات الإخلاء في العام 2020 حيث أصدرت محاكم إسرائيلية، بدعاوي متعددة، أوامر إخلاء لـ 12 عائلة بالحي.

وقامت المحكمة المركزية الإسرائيلية بالقدس بإعطاء الضوء الأخضر لإخلاء 4 عائلات ثم 3 عائلات أخرى لمنازلها بالحي في مطلع العام 2021.

استشعرت العائلات الخطر الوشيك عليها فبدأت بحملة شعبية لحشد التضامن المحلي والدولي معها ضد قرارات الإخلاء.

ومع حلول شهر رمضان في مايو/أيار 2021، تصاعدت حملات التضامن مع العائلات ووقعت مواجهات بالحي بين فلسطينيين والشرطة الإسرائيلية ما لبثت أن انتقلت إلى أرجاء مدينة القدس الشرقية ثم العديد من المدن والقرى الفلسطينية بالضفة الغربية والداخل الفلسطيني.

وفجرت التطورات عملية عسكرية إسرائيلية ضد قطاع غزة في 10 مايو، وانتهت بعد 11 يوما بوساطة مصرية.

وتداعى المجتمع الدولي إلى المطالبة بضبط النفس وإدانة مخططات إسرائيل لإخلاء العائلات الفلسطينية من المنازل التي تقيم فيها منذ عقود.

وتم اعتبار وقف طرد العائلات من منازلها جزءا من التهدئة التي تم التوصل اليها بين الحكومة الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية بوساطة القاهرة.

وفي أغسطس/آب 2021، أرجأت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارها بشأن التماس ضد إخلاء 7 عائلات من منازلها بالحي لصالح مستوطنين.

ولكن المحكمة قدمت في أكتوبر/تشرين الأول 2021 اقتراح تسوية قبل البت بتهجير 4 عائلات.

وينص الاقتراح الذي قدمته المحكمة على أنه حتى صدور القرار النهائي بشأن حقوق الملكية، ستُعتَبَر شركة “نحلات شمعون” الإسرائيلية هي المالكة للأرض بينما العائلات الفلسطينية في الشيخ جراح مستأجرين محميين لا مالكين.

وستتعهد شركة “نحلات شمعون” بالامتناع عن اتخاذ إجراءات إخلاء حتى استكمال إجراءات التسوية أو حتى نهاية 15 عامًا من تاريخ توقيع اتفاق التسوية.

وحددت المحكمة الإسرائيلية تاريخ الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني موعدا نهائيا للحصول على ردود العائلات والمستوطنين على قرارها.

ولم يتم الكشف عن فحوى رد المستوطنين ولكن العائلات الفلسطينية رفضت بالإجماع الاقتراح.

وقالت العائلات في بيان تلته منى الكرد، من سكان الحي، في مؤتمر صحفي: “رفضنا بالإجماع التسوية المقترحة من قِبَل محكمة الاحتلال التي كانت ستجعلنا بمثابة مستأجرين محميين عند الجمعية الاستيطانية نحلات شمعون وتمهد تدريجيًا لمصادرة حقنا في أراضينا”.

وأضافت: “يأتي هذا الرفض انطلاقًا من إيماننا بعدالة قضيّتنا وحقنا في بيوتنا ووطننا بالرغم من انعدام أي ضمانات ملموسة لتعزيز وجودنا الفلسطينيّ في القدس المحتلة من قبل أي جهة أو مؤسسة”.

أعاد هذا القرار الكرة إلى ملعب المحكمة العليا الإسرائيلية التي يخشى السكان من أنها ستقبل قرارات إخلاء العائلات من منازلها.

الاناضول

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: