حلمي الأسمر
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

العرب على فوّهة بركان

حلمي الأسمر
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

نظرة سريعة إلى الحالة التي تعيشها دولنا في المنطقة العربية تظهر أنّنا على أعتاب تغيراتٍ شديدة التأثير حاضراً ومستقبلاً، وأنّ ما كان يبدو سياسة إدارة الأزمات، غدا محاولاتٍ لاهثة لمنع الانفجار في غير بلد عربي.

في بلدي الأردن، مثلاً، هناك حالة احتقان غير مسبوقة، وحالة عدم يقين، وهوّة تزداد اتساعاً بين النخبة الحاكمة والشارع. لم تفلح اللجنة الملكية لإصلاح المنظومة السياسية التي تشكلت لرسم خريطة طريق إصلاحية للمستقبل في امتصاص التوتر، وبناء الثقة المتضرّرة حدّ الدمار بين مكونات المجتمع، أفقياً وعمودياً. هناك انهيار شبه كامل للاقتصاد وزيادة معدّلات الفقر والبطالة، ولا تكفّ منابر التعبير عن الدقّ على هاتين المشكلتين حد الملل والضجر. ولا يبدو أنّ في الأفق ما يشي بانفراجٍ وشيك. هناك ملفات كلّ منها يشكل قنبلة موقوتة لا تعلم متى تنفجر، بدءاً من ملف الطاقة، وصولاً إلى علاقات الأردن مع الكيان الصهيوني (القدس، المياه، الغاز، إلخ)، مروراً بملف المياه الشحيحة والجفاف الذي يتربّص بالمملكة، وتغيير هوية الدولة من ريعية إلى إنتاجية، من دون الأخذ بالاعتبار مصالح ضحايا هذا التغيير، وملف ما سمّي “الفتنة” والمحاكمات التي بدأت للتو فيها. إلى هذا وذاك، هناك شبه انهيار في مؤسسات المجتمع المدني، وإفراغ النقابات من أيّ دور مؤثر، ومحاربة ما يسمّى المعارضة بقبضةٍ أمنيةٍ خشنة، مع ما يتبع هذا من تآكل المؤسسات الديمقراطية الهشّة أصلاً، وغير هذا كثير مما يستعصي على الحصر.

وفي الجوار، حيث فلسطين المحتلة، تبدو في الأفق نذر حرب وشيكة جديدة، قد تشتعل في أيّ لحظة في ظلّ التوحّش الصهيوني الذي يجتهد في حرمان المقاومة الفلسطينية قطف ثمار انتصارها في حرب “أسوار القدس”، وهي حربٌ، إن اشتعلت، ستعيد ترتيب كلّ الأوراق على طاولة الحدث في المنطقة العربية، وربما في أجزاء واسعة من العالم، بعدما نجحت المقاومة في تغيير المزاج الدولي، ونفضت الغبار عن الملف الفلسطيني المهمل. ومن الصعب الآن التنبؤ بما ستسفر عنه جولة أخرى من المعارك بين المقاومة والاحتلال، خصوصاً أنّ حكومة جديدة في الكيان تريد أن تثبت “فحولتها” بإراقة مزيد من الدم، والمبالغة في التأزيم، ومحاولة ترسيم قواعد اشتباك جديدة مع الشعب الفلسطيني. وفي الجهة الأخرى من الوطن الفلسطيني، سلطة ضعيفة متهالكة، تمشي على عكّازين من طين، فقدت شرعيتها الشعبية وتورّطت حتى أذنيها في تقوية الاحتلال، وشرعنته دولياً، حتى إنّ حالة حنقٍ غير مسبوقة تسود صفوف الناس العاديين، بعدما فشلت السلطة فشلاً ذريعاً على كلّ الصعد، فلا أطعمت من جوعٍ ولا آمنت من خوف. وإلى الداخل الفلسطيني حيث بنى الكيان، على مدى سنوات، بعضاً من “جسور التعايش” في المدن الفلسطينية التي زاحمهم فيها اليهود، حتى إذا انفجرت معركة “أسوار القدس”، عصفت بهذا “التعايش” الهش، وزرع قنابل موقوتة في طريق “العيش المشترك” وهي مرشّحة للانفجار في أي اختبار مقبل.

فإذا وسّعنا دائرة الرؤية، نجد بلداً كلبنان يعيش على أبواب مجاعة، إن لم تبدأ فعلاً، مع تعسّر تشكيل الحكومة، واشتباك الكلّ مع الكلّ، وهيمنة حزب الله على الساحة السياسية والأمنية، مع ما يعنيه هذا من إمكان اتخاذ قرارٍ بالدخول في مواجهة مع “الكيان” وجرّ البلاد إلى حربٍ لا يعلم أحد مداها، خصوصاً إذا ما ارتفعت حرارة الصراع بين الكيان وإيران التي يقودها للتو رئيسٌ من التيار المحافظ صُنّف “متطرّفاً”، وهو ما يشي باحتمالية تسخين المواجهة الباردة بين الطرفين.

أما العراق، فيعيش حالةً من عدم الاستقرار تثور وتهدأ بين حين وآخر، لكنّه سائر بسرعةٍ إلى حالة غير مسبوقة من العوز، على الرغم من جلوسه على بحر من النفط، نتيجة الفساد وهيمنة الطائفية، والاشتباك الاجتماعي غير المسبوق، بسبب سيطرة إيران التي جعلته أشبه ما يكون بولاية “شيعية” من دون الأخذ بالاعتبار مصالح المكونات العراقية الأخرى.

أما سورية، فما أدراك ما سورية، فهي تعيش زلزالاً مستمراً منذ عشرة أعوام، هجّر نصف السكان، وجوّع النصف الثاني، وتركهم في منطقة انعدام وزن، ينامون على حلم حرية قصف عمرها، لكنّها لم تزل تزورهم في صحوهم ومنامهم، ولم يتخلّوا عنها بعدما ذاقوا طرفاً من حلاوتها!

أما دول الخليج العربي، فتعيش حالة جديدة من “تغيير” الهوية، خصوصاً في العربية السعودية، وهي عملية عسيرة حمّالة أوجه إيجاباً وسلباً، إذ تحاول السلطة الانعطاف الحادّ بالمجتمع من حال إلى آخر، مع ما يرافق هذا من سحقٍ لحقوق الإنسان وهدم منظوماتٍ قائمة تاريخياً، كانت تستمد المملكة شرعيتها منها، فقد ضربت المنظومة الاقتصادية والدينية، وتورّطت البلاد في حرب عبثية، لا تعرف كيف تخرج منها، وقد خبرها قبلها الزعيم المصري جمال عبد الناصر، ولم يخرج منها “منتصراً”.

وقل مثل هذا عن الشمال الأفريقي، العربي، والهزّات السياسية والاقتصادية التي تعصف بها، فهي تحيا فوق حالةٍ من عدم الاستقرار، تجعل مستقبلها مفتوحاً على كلّ الاحتمالات. أما مصر، فتجلس على برميل بارود لا يعلم أحد متى يثور، وليس السدّ الإثيوبي إلّا واحدة من القنابل الموقوتة القابلة للانفجار، فضلاً عن الاحتقانات المتعسّرة في ملف حقوق الإنسان والاعتقالات وأحكام الإعدام المتلاحقة، والفقر والقهر، والأزمات الاقتصادية المستعصية، وغيرها وغيرها. أما السودان، فلا يقلّ عن سواه من بلاد العرب من انهيار واضطراب، بعدما سُرقت “ثورته”، وإن كان الناس ما زالوا يحلمون بمستقبل لم يتحقّق.

هذه صورةٌ موجزة وسريعة لحال العرب، ولا أظن أنّه سبق لهذه الأمة أن مرّت بمثل هذا التأزيم في تاريخها المعاصر، ما يؤذن بانفجارٍ وشيك، لا يعرف أحدٌ متى يثور (هل يأتي سريعاً، أم يتأخر؟) ولا كيف، وقد جاءت الجائحة لتزيد الطين بلّة، وتضيف أعباءً ثقيلة على الأنظمة وشعوبها، ومَن يدري، فقد نكون على أبواب “ربيع عربي” جديد، قد يزورنا في عز الصيف اللاهب.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts