بأي مقابل باعت روسيا العراق لأميركا قبل 18 عاما؟

بأي مقابل باعت روسيا العراق لأميركا قبل 18 عاما؟

تخلي روسيا عن العراق في 2003

معلومات مثيرة أدلى بها فلاديمير تيتورينكو -آخر سفراء روسيا لدى العراق قبل الغزو الأميركي- عن مشاركته في اجتماع مغلق عقده وفد من الخبراء الروس مع الأميركيين في الولايات المتحدة بعد أسبوع من أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، لمناقشة أوضاع العراق.

وفي مقابلته مع قناة روسية عام 2013، قال تيتورينكو إنه كان من المفترض أن تجري مناقشة مواضيع اقتصادية مرتبطة بالعراق، لكن الحديث أخذ منحى آخر تماما وتحول إلى محضر استجواب من قبل عناصر استخبارية أميركية حول جاهزية العراق للتصدي لحرب شاملة.

ورغم حذف تصريحات تيتورينكو من موقع القناة -بعد أن أثارت ضجة واسعة- فإن التساؤلات تبقى قائمة حول دور روسيا وأسباب تغاضيها عن غزو العراق.

موقف روسيا قبل الغزو

كانت علاقة بغداد في عهد الرئيس الراحل صدام حسين مع روسيا تستند على رغبة العراق في الاعتماد على موسكو؛ كونها عضوا دائما في منظمة الأمم المتحدة، وعلى كسب دعمها في الوقوف بوجه أميركا التي أعلنت عن رغبتها الصريحة في تغيير نظام الحكم في العراق، بحسب أستاذ تاريخ العراق الحديث والمعاصر الدكتور بشار فتحي العكيدي.

ويضيف العكيدي للجزيرة نت، أنه على الرغم من كل المغريات الاقتصادية المقدمة من العراق لروسيا -وفي مقدمتها الامتيازات النفطية آنذاك- فإن مجريات الأحداث وتطوراتها أدت إلى أن تغير روسيا موقفها تجاه العراق وتتنصل من دعمه.

ويشير العكيدي إلى أن روسيا لم تكن في يوم من الأيام ثابتة المواقف تجاه الدول العربية كافة، بل تتغير حسب ما تقتضيه مصالحها وتتنازل عن مواقفها وحلفائها في أصعب الظروف والأوقات.

وفي بداية الأمر اتخذت روسيا موقفا معارضا للغزو الأميركي للعراق، قبل أن تتراجع لعدم رغبتها في الوقوف بوجه الولايات المتحدة، وانعكس ذلك الموقف على العلاقات بين البلدين، وفق حديث العكيدي، فضلا عن رغبتها في أن تمارس دورا كبيرا في المنطقة مستندة إلى قناعتها التامة بجدية الولايات المتحدة بتغيير الواقع السياسي في العراق، وتفكيرها في كسب هذه التطورات لإعادة هيبة ودور روسيا، من جهة كونها قطبا فاعلا في السياسة العالمية.

مباحثات سرية

وحول تفاصيل الاجتماع الروسي الأميركي بشأن العراق يقول الدكتور عمار فاضل حمزة -أستاذ تاريخ العرب المعاصر- إنها ما تزال طي الكتمان ومحاطة بالسرية، وحتى المعلومات التي أفاد بها تيتورينكو تم حجب معظمها.

ويضيف للجزيرة نت، أنه من خلال تلك المعلومات المتناثرة يمكن القول إن الولايات المتحدة كانت حريصة على جمع معلومات تفصيلية دقيقة حول الخصائص التنفيذية والقدرة التدميرية لسلاح الجيش العراقي، ذلك السلاح الذي صار قبل الغزو الأميركي للعراق يمثل مادة صحفية غنية توقع معها صحفيون غربيون أن ينهي صدام حسين معركته مع أميركا في اللحظات المناسبة حين تخرج التقنية الروسية الكيميائية -وربما البيولوجية- لدحر الجيش المتقدم نحو أسوار بغداد.

ويتابع حمزة قائلا “من خلال قراءاتي لتاريخ العلاقات العراقية الروسية، ومن خلال الدور الاستخباري الأميركي لا أعتقد أن الولايات المتحدة قد عولت كثيرا على معلومات يمكن أن يقدمها الروس بهذا الخصوص؛ لأنها جربت الاحتكاك مع الجيش العراقي بكامل أسلحته وقوته في حرب الخليج عام 1991”.

ويعرب عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة كانت ترغب بتحييد روسيا، والحصول على موقف منسجم مع التطلعات الأميركية لإسقاط نظام صدام، ولكن الموقف العلني الروسي قد بقي متعنتا ومتشددا إزاء ضرب العراق وإسقاط النظام، وبقي رافضا حتى اللحظة الأخيرة.

ويبيّن حمزة أن روسيا تعلم تماما أنه من الصعب جدا أن يتمكن الجيش العراقي من صد الغزو الأميركي، وإن كانت هي من رعته ومدّته بالأسلحة والتقنيات، ولكن يبدو أنه كانت هناك مخاوف أميركية من مفاجأة عراقية، وبالتالي فإن أي معلومات يمكن أن يقدمها الروس ربما تشكل إضافة نوعية للمعلومات الاستخبارية الأميركية، ولكن لن يكون لها تأثير في حسم نتائج الحرب مع العراق.

ويرى أن الولايات المتحدة ليست بحاجة لبذل المزيد من الجهود لإقناع روسيا بالتخلي عن وجودها ونفوذها في العراق، حيث كان هناك أكثر من 20 شركة روسية تعمل في مجال الاستثمارات النفطية وفي مجال تطوير قطاع الكهرباء منذ مطلع التسعينات حتى عام 2003.

التخلي عن صدام

كان هنالك حلم روسي بأن تتحول الساحة العراقية إلى مأزق أمني قاتل للأميركيين، وخاصة في ظل الامتداد العراقي عربيا وتنوعه عرقيا وطائفيا، وهو ما سيخلق إرباكا فكريا لدى صانع القرار الأميركي، كما يقول الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور حسين عليوي الكردي.

ويضيف للجزيرة نت، أن هناك إفادة كبرى من الغزو الأميركي للعراق الذي كان سيحرر الروس من رقمنة أسعار الطاقة بإرادة أميركية على الصعيد العالمي واستثمار الذاكرة العراقية اتجاه روسيا -بوصفها قوة عظمى- من المردودات الاقتصادية التي ستَخلف الغزو؛ مثل الإعمار والاستثمارات النفطية.

ويعزو الكردي التغاضي الروسي عن غزو العراق لجملة مصالح؛ منها إشغال الأميركيين بأقواس أزمات بعيدة عن المجال الروسي إقليميا ودوليا، وإمكانية الحصول على السكوت الأميركي ومساومة الأميركان على قضايا روسية مصيرية في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، وكذلك تهيئة الفكر العربي للتمدد الروسي مستقبلا.

ويستبعد الكردي ندم روسيا لتغاضيها عن الغزو الأميركي للعراق؛ وذلك لأن الولايات المتحدة تحمّلت تكاليف الغزو المادية والبشرية، إضافة إلى أزمة الديون السيادية، وهو ما أوهن الاقتصاد الأميركي وخلق ارتدادا شعبيا أميركيا، وهذا كله يصب في صالح روسيا.

ويتابع الكردي أن روسيا جنت الكثير من ثمار ما بعد الغزو، مثل تنمية أشواك مؤلمة للخاصرة الأميركية إستراتيجيا كتطوير العلاقات الروسية الإيرانية في المجال النووي، وإبراز الوجه الروسي في عقلية بلدان العالم الثالث وتصديره بديلا أوفق سياسيا واقتصاديا عن الوجه الأميركي، مع فتح آفاق جديدة للتمدد الروسي في الشرق الأوسط، كالوجود على الساحتين السورية والليبية.

من جانبه يقارن الدكتور حمزة بين المستوى الذي عاشته العلاقات العراقية الروسية وبين دولتين أقامت علاقات نموذجية مع روسيا هما إيران وسوريا، وحينما تفهم طبيعة العلاقات الإيرانية الروسية والدعم الكبير الذي قدمته روسيا -وما زالت تقدمه- لإيران وسوريا يمكن الاستنتاج بأن روسيا ضحّت بالعراق مقابل تعزيز نفوذها ومكانتها أكثر فأكثر في كل من إيران وسوريا.

الدور الروسي اليوم

وأدركت روسيا خطأ حساباتها الإستراتيجية بعد خسارة الدولة تلو الأخرى من منظومتها الإستراتيجية في العراق وليبيا وسوريا وغيرهما، فهي فقدت المكانة والدور والموقع والعمق والثروة، وهذا تهديد حقيقي لها، بحسب الأكاديمي والباحث في العلاقات الإستراتيجية الدكتور حازم حمد الجنابي.

ويبّين الجنابي للجزيرة نت أن روسيا سارعت إلى تدارك حساباتها فأسست “مركز المعلومات الرباعي” عام 2015، وأقامت حفلا دبلوماسيا لمضي أكثر من 75 عاما على العلاقات الروسية-العراقية، ووقّعت مذكرات تفاهم اقتصادية وتجارية وتقنية، وأعادت تفعيل 20 اتفاقية قديمة، منها اتفاقية استخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية 1975، وعملت على زيادة حجم الاستثمارات الروسية في مجال الطاقة متجاوزة 14 مليار دولار.

ويضيف الجنابي، أنه مهما يكن من أمر، فإن روسيا ترفض الانفراد الأميركي، وتسعى إلى إعادة تشكيل التحالفات الأمنية الروسية في الشرق الأوسط التي محورها العراق؛ كونها تدرك أن العراق مؤثر في التوازن الإستراتيجي الإقليمي ومسار للتحالفات الإستراتيجية الدولية.

وبناء على ما تقدم، يرى الجنابي أن الدور الروسي في العراق سيكون أكثر تأثيرا مستقبلا؛ نتيجة التغيير الكبير في الدور الروسي بالمنطقة، فالعراق في إستراتيجية الولايات المتحدة يقع في النطاق الإستراتيجي الروسي، وهو ضلع مهم في مثلث روسيا الإستراتيجي (إيران-العراق-سوريا)، بعد أن أدرك الروس أن هناك تغييرا للمكانة الأميركية في القرار السياسي العراقي، ولذلك يوجد الآن محاولة لبناء حلف روسي دولي جديد تحت عنوان “الأمن الجماعي”.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: