حسين الرواشدة
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

بعد أن تكلموا بالقضية…!

حسين الرواشدة
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

في كاريكاتور مثير نشرته احدى الصحف الفرنسية إبان الازمة التي كانت محتدمة بين فرنسا وألمانيا، ظهر في الصورة الاولى مطعم يرتاده مختلف اطياف المجتمع الفرنسي، وبدت الجلسة دافئة جدا، حيث يأكل الجالسون ويتسامرون بمنتهى الانسجام والألفة، والى جانبها بدت صورة ثانية للمطعم ذاته، وفيها تحول الانسجام الى صراع ومشاكسات، وظهر الوجوم والخوف والكراهية المتبادلة على كافة الوجوه.. وبين الصورتين كتبت عبارة واحدة : «حين تكلموا بالقضية».

الرسام الفرنسي – آنذاك – كان يستمد فكرته من حدث انشغلت به الساحة الفرنسية، حيث اتهم احد الضباط المشهورين بالخيانة لحساب ألمانيا، وانقسم الفرنسيون – وقتها – بين مؤيد للتهمة ومحرض على المحاكمة وبين متعاطف مع الرجل ومقدر لبطولته ومطالب بعدم محاسبته.. والكل كان يدافع عن صورة ألمانيا وسمعتها مع اختلاف الزوايا طبعا.

القضية لم تكن كبيرة لتستحق ما حدث من انقسام في الشارع الفرنسي، والاختلاف حول براءة الضابط من عدمها لم تكن لتبرر مثل هذا الانشطار الاجتماعي، لكن المجتمع الفرنسي كان وقتها بحاجة الى قضية، اي قضية، يعلق عليها ما تراكم داخله من انكسارات او الى قناة مفتوحة ينفس من خلالها احتقاناته السياسية، وحين وجدها ابدع في تحويلها الى قضية كبرى، او الى صراع بين مشروعين، تماما كما حدث في اكثر من محطة من محطات التاريخ المثقل بالتحولات والتغيرات، وغالبا ما كانت بسبب « قشة قصمت ظهر البعير».

في العادة، تستطيع المجتمعات ان تتجاوز المحن الكبرى، او ان تبتلع اخفاقاتها وتبرر اخطاءها، وتتسامح مع المسؤولين عنها، لكن ما يميز الحركات الاجتماعية انها تحتفظ في ذاكرتها بكل ما ابتلعته، وحين تحاول ان تهضمه وتصاب بالعسر تبحث عن تلك القشة او تنتظرها، فتفرغ كل ما بداخلها، سواء على شكل انفجارات او انهيارات، وبذكائها الفطري تمسك بأي طرف للخيط، وتختار فريستها بمزيد من الكلام عنه، فإذا ما جاءت اللحظة المناسبة وعثرت على الضحية المطلوبة ( لا تسأل هنا – عما اذا كان مخطئا او بريئا) اصبح هو القضية وعليه يكون الانقسام، اجتماعيا، وربما سياسيا، وتلك – بالطبع – واحدة من سمات سيكولوجية الجمهور التي لا تظهر الا في الازمات الخطيرة، حيث يأخذ قانون الاستبدال مجراه، ويصنع الناس رمزا خاصا بهم لافتعال نوع ما من الرفض او المطالبة بالتغيير.

 افضل ما يمكن ان نفعله اذا عجزنا عن تقديم ما ينفع الناس ويطمئنهم على ما يراودهم من هواجس ومخاوف هو ان نصمت ونتجنب فتح الموضوعات التي تثير الانقسام في المجتمع، كما انه لا يجوز لاحد منا، مهما كان وزنه السياسي او الاجتماعي، ان يزاود على ولاء الناس لوطنهم وقيادتهم والتصاقهم بأرضهم وتضحياتهم من اجل ان يبقى الاردن واقفا وصامدا، ويتمتع بعافيته وامنه واستقراره الذي ساهم الاردنيون كلهم فيه.

ان الثمن الذي تدفعه المجتمعات حين يتكلم الناس في القضية فادح على المستوى الاجتماعي، وأسوأ مظاهره ما يترتب عليه من شروخات في بنية المجتمع وانقسام في مكوناته، والمشكلة هنا ليست في القضية، اذا ما كانت كبيرة او حقيقية او مفتعلة، ولا في المتهم بريئا كان او مخطئا، مجرما او ضحية، وانما في التربة التي خرجت منها والظروف التي أنتجتها، والتراكمات التي ولدتها، ومع ذلك، فإن التضحية بأي شيء مقابل اسكات الناس عن الحديث مجددا بالقضية، يبدو الحل الوحيد لتجنيب المجتمع دفع ذلك الثمن الباهظ.. واعادة السلم الاجتماعي إليه.. أليس كذلك؟

(الدستور)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts