بعد 20 عامًا من الغزو.. وضع أفغانستان يعود لنقطة البداية

بعد 20 عامًا من الغزو.. وضع أفغانستان يعود لنقطة البداية

في ليلة باردة من يوم 7 أكتوبر/ تشرين أول 2001، غزت القوات الأمريكية أفغانستان، بهدف القضاء على تنظيم “القاعدة”، والقبض على زعيمه أسامة بن لادن، والإطاحة بنظام طالبان آنذاك، كنتيجة للهجوم الإرهابي الذي استهدف الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/ أيلول من العام نفسه.

دفعت القوة الجوية الحاسمة لواشنطن إلى تحقيق أحد الهدفين الرئيسيين المتمثل بالإطاحة بحكومة “طالبان” في غضون أسابيع وإقامة نظام مختار بعناية في العاصمة الأفغانية كابل.

إلا أن الأمر استغرق عقدًا من الزمن لمطاردة “ابن لادن” وقتله في عملية بمدينة “أبوت آباد” المحصنة شمال غربي باكستان في مايو/ أيار 2011.

ومع ذلك، فإن الإطاحة بنظام طالبان والقضاء تقريبًا على “القاعدة” لم يحفز واشنطن لمغادرة أفغانستان، حيث ركزت مع حلفائها على مهمة “بناء الدولة” في بلد مزقته الحرب وسط تمرد نشط لحركة طالبان.

بعد 20 عامًا بالضبط، انقلبت عجلة التاريخ تماماً مع سيطرة طالبان على أفغانستان في شكل درامي بعد مواجهة من مقاومة متداعية من نظام الرئيس أشرف غني، المدعوم من الغرب.

في النهاية، ثبت أن 180 ألفًا من قوات الدفاع والأمن الوطني الأفغانية، وقوة شرطة قوامها 150 ألف فرد، إلى جانب القوة الجوية والأجنحة الأمنية الأخرى المسلحة بالتكنولوجيا والمدربة من قبل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، لم تكن متكافئة مع قوة طالبان المتنوعة.

عادت العاصمة كابل ومدينة قندهار، مسقط رأس الجماعة، مرة أخرى إلى قبضة طالبان، إلى جانب مكافأة إضافية تتمثل في وادي “بنجشير” الشمالي الذي لم تتمكن الجماعة من ترويضه.

وكلّف الصراع الذي دام عقدين من الزمن الولايات المتحدة مبلغًا ضخمًا قدره 2.26 تريليون دولار، تم صرف 88 مليار دولار منها لتدريب وتجهيز وتمويل الجيش الأفغاني وقوات الشرطة التي استسلمت أغلبها أمام طالبان حتى دون إطلاق رصاصة واحدة.

وأودى الصراع بحياة ألفين و442 جنديًا أمريكيًا، بينما أصيب عشرون ألفاً و666 جنديًا آخرين منذ عام 2001، وفقًا لوزارة الدفاع الأمريكية، كما أسفر عن مقتل ألف و144 فرداً من 40 دولة في حلف شمال الأطلسي “الناتو”.

** مكاسب وإخفاقات

إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، المذهولة، والتي تتعرض لانتقادات بسبب انسحاب “متسرع”، تسعى جاهدة لمعالجة الواقع الجديد في الدولة التي مزقتها الحرب.

ووفقًا لمحللين محليين ودوليين، فإن نهاية الحرب التي استمرت 20 عامًا تحمل مجموعة مختلطة من المكاسب والإخفاقات لواشنطن.

وبهذا الخصوص، قال تيري ماكديرموت، الخبير في الشؤون الأفغانية المقيم في الولايات المتحدة، في تصريح للأناضول، إن “كل شيء تقريبًا ساء بالنسبة لواشنطن بعد طرد طالبان من كابل”.

وأضاف أنه “من الواضح أن 11 سبتمبر كانت مسألة كبيرة وهجوماً مروعاً استحق رداً قوياً، قدمت الولايات المتحدة هذا الرد من خلال الإطاحة بالقاعدة ومستضيفيها من طالبان، إلا أن كل الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة بعد ذلك كانت خطأ تقريبًا”.

وماكديرموت، هو مؤلف اثنين من أكثر الكتب مبيعًا، وهي كتاب “الجنود المثاليون: الخاطفون..من كانوا وماذا يريدون؟”، و كتاب “مطاردة خالد شيخ محمد”.

ووصف المراسل السابق لصحيفة “لوس أنجلوس تايمز” مهمة بناء الدولة التي فرضتها واشنطن على نفسها “بالفشل التام”، قائلاً: “إن غطرسة التفكير في أن أمريكا يمكن أن تعيد بناء أفغانستان بتصورها الخاص كان تهورًا”.

وأضاف أن “هذا الفشل تضاعف بعد ذلك من خلال عدم التركيز على تلك المهمة، ولكن تحويل الموارد إلى حرب العراق عام 2003″، وأكد أن “كل ما فعلته الولايات المتحدة بعد عام 2002 كان خطأ”.

ورأى أعزاز أحمد شودري، وزير الخارجية الباكستاني السابق 2013-2017، أن واشنطن حققت هدفها الأساسي من خلال القضاء على شبكة القاعدة، لكن تحول الهدف إلى بناء الدولة جعل الأمور معقدة.

وقال شودري، الذي شغل أيضًا منصب كبير الدبلوماسيين الباكستانيين في واشنطن، للأناضول: “لقد نجحت الولايات المتحدة في القضاء على القاعدة بفضل تعاون باكستان بدرجة كبيرة، ومع ذلك فإن تحول الهدف إلى بناء الدولة، ومحاولة فرض نموذج غربي للديمقراطية على أفغانستان، والسعي إلى حل عسكري بدلاً من تسوية سياسية، يحتوي على دروس تحتاج الولايات المتحدة إلى التعلم منها”.

وفي نفس السياق، قال سلمان بشير، وزير خارجية باكستان الأسبق: “إن صافي الخسارة أصاب كل مكان بما في ذلك أفغانستان والولايات المتحدة، والمنطقة ككل”.

وقال بشير، الذي شغل منصب وزير الخارجية الباكستاني بين عامي 2008 و2012، للأناضول، إن الانسحاب الأمريكي غير المخطط له من أفغانستان يشكل تهديدًا للاستقرار الإقليمي.

وأكد أن “عودة طالبان بعد 20 عامًا تعني أن الوضع في أفغانستان بدأ من حيث انتهى”.

وأضاف أنه بعد إنفاق تريليونات الدولارات وفقدان أرواح بشرية ثمينة من جميع الأطراف، “تظل التساؤلات حول الاستقرار الإقليمي، ومواقف وسياسات ما بعد الانسحاب الأمريكي، تزيد من المخاوف بشأن مستقبل أفغانستان”.

** الولايات المتحدة لا زالت تتحمل المسؤولية

ورفض ماكديرموت الانتقادات الموجهة لإدارة بايدن بسبب الانسحاب “المتسرع”، قائلاً إن واشنطن كانت لديها خيارات محدودة في ظل ظروف معينة.

وأكد أن “بايدن كان محقًا في المغادرة، لأنه متى ما حدث الانسحاب فمن المؤكد أن تحدث فوضى في أعقابه”.

وقال شودري، الذي يرأس حاليًا معهد الدراسات الإستراتيجية ومقره إسلام أباد، إن واشنطن لا تزال مدينة بالمسؤولية تجاه شعب أفغانستان.

وأضاف: “تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية تجاه شعب أفغانستان، فالتخلي عنهم بعد 20 عاما من العمل العسكري ليس خياراً”، وحث واشنطن على “المساعدة في تجنب أزمة إنسانية تلوح في الأفق في أفغانستان”.

وتابع قائلاً: “إن فرض الإكراه الاقتصادي أو تجميد الأموال المملوكة لشعب أفغانستان ليس عدلاً”، مشيرًا إلى وقف الشحنات النقدية وتجميد الأصول الأفغانية من قبل واشنطن بعد استيلاء طالبان على السلطة.

وتحذر إسلام أباد، الذي يعتقد أن لها درجة من التأثير على طالبان، المجتمع الدولي باستمرار من أزمة إنسانية “تلوح في الأفق” في أفغانستان.

كما أعرب قائد الجيش الباكستاني، قمر جاويد باجوا، خلال اجتماع للقادة الثلاثاء، عن قلقه إزاء “الوضع الإنساني والأمني المتصاعد” في أفغانستان، وحث المجتمع الدولي على دعم الأفغان في هذا الوقت العصيب.

(الأناضول)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: