بيوم المعلم.. انتهى الإضراب وعاد شريان الحياة للوطن

بيوم المعلم.. انتهى الإضراب وعاد شريان الحياة للوطن

عمّان – البوصلة

سيسجل التاريخ بحروفٍ من نور وفخر تاريخ الخامس من تشرين الأول ليس كيومٍ للمعلم وحسب، بل يوم نصرٍ للأردن بكل تفاصيله وفسيفسائه، بعد أن حبس الوطن أنفاسه أربعة أسابيع على أطول إضرابٍ يخوضه المعلمون بتاريخ المملكة.

وقبل أن تخرج “أزمة إضراب المعلمين” عن سياقها إلى مربعاتٍ أشدّ خطورة على الوطن وأبنائه، ألقى الحوار الجادّ والشفاف والصادق ثماره على أردننا بردًا وسلامًا ليحتفي الجميع بانتصار الوطن وعودة المعلمين إلى صفوفهم مرفوعي الرأس “باعتذارٍ وعلاوة”.

وحين نتحدث عن انتصار وطن؛ فلأننا خضنا تمرينًا بالغ الصعوبة بـ”الذخيرة الحية”، كما يرى كتاب ومراقبون، وإن تبدت مظاهر الفشل في بداياته إلا أنه ظهر ناضجًا في خواتيمه ليضيف لرصيد تجربتنا أمثلة حيّة وبراقة ومثالاً يحتذى للأجيال في تعامل أبناء الوطن مع قضاياهم ومشاكلهم مهما بلغت حدتها ومهما بلغت قسوتها والخروج بالوطن قويًا ناصعًا شعبًا ومؤسسات وقيادة.

الإعلامي حسام غرايبة يرى أن “شريان الحياة” عاد للأردن صباح اليوم بعد انتهاء أزمة إضراب المعلمين، ولمس ذلك في مشهد سيارات المواطنين وهم يقلون أطفالهم للمدارس وهم فرحون، معتبرًا ذلك درسًا عظيما لنا جميعًا.

ويؤكد غرايبة أن “المعلمين عادوا إلى صفوفهم مرفوعي الرأس بعد اعتذارٍ قدمته الحكومة عما جرى لبعضهم يوم الخامس من أيلول الماضي”، مشددًا على أن “الإيجابيات من درس المعلمين كثيرة، فالوطن ينهض بالحوار والحسنى”.

ويقول غرايبة: “رأيت في هذا الوطن خلال أزمة إضراب المعلمين رجالًا مخلصين محبين صادقين مرنين منفتحين، واليوم أشعر بفرح أكثر من الطلاب والمعلمين، لأني رأيت أناسًا في كل المجالات وكل الاعتبارات جادون بأن يبقى الأردن محفوظًا وله هامة مرفوعة وأن يبقى الأردن واقفاً على قدميه مهما اختلفنا ومهما اختلفت آراؤنا”.

“التمترس خلف المواقف” من أي طرف كان الدرس الأول الذي ينبغي أن نفهم جيدًا أنه لا يخدم الوطن، والتراجع خطوات للوراء والمرونة من الحكومة والنقابة في آن واحدٍ صبّ في خانة الحلّ والخروج من الأزمة بالربح الأكبر على صيغة “لا غالب ولا مغلوب”، ولا منتصر إلا الوطن الذي نفديه بالمهج والأرواح.

“الجنود المجهولون” الذين كانوا يعملون خلف ستار ومن وراء الكواليس وعيونهم تغرورق بالدموع على وطنهم والحرص على دفع جميع الأطراف لحل عاجلٍ ينقذ الوطن من أزمته كانوا درسًا ثانيًا بالغ التأثير في أولئك الذين لا يسعون لكسب شعبياتٍ زائفة وظهور كاذب يحصد الإعجاب، وكلهم مواطنون شرفاء وأكاديميون ونقابيون ونواب ووزراء سابقون وحاليون كان لهم يدٌ بيضاء في انتصار الوطن خلال أزمة المعلمين.

“وحدة الصف والموقف” التي أظهرها المعلمون رغم ما تعرضوا له من إساءات وهجمات واحتفاظهم برفعة قدرهم وقيمة دورهم منحنا درسًا آخر في أن هذا الوطن سيبقى بخيرٍ ما دام فيه من يرد الإساءة بالإحسان ويرد الصفعة بالعفو والتجاوز، لكن ليس قبل إعادة السكة إلى مسارها الصحيح وإعادة الحق لأهله والأخذ على يد المسيء والمخطئ لما يحقق قوة الوطن وأبنائه ويخدم “التربية والتعليم” التي هي ذخيرة الوطن وحصنه الأخير الذي يلوذ به لحماية حياض الوطن المستهدف على أكثر من صعيد.

“الاعتذار” شيمةٌ ودرسٌ آخر لا ينتقص من قدر رئيس وزراء ولا من قدر حكومة، و”الكلمة الطيبة” ما زالت في الأردن تأسر قلوب أبنائه الطيبين الذين لا يعرفون سوى شيم الكرام وأخلاق الكبار الذين يعلمون أن للوطن حقًا أكبر بكثير من “شخصنة” المواقف والخوف من تبعات الاعتذار، فكان اعتذار رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز بمثابة “نزع فتيل” الأزمة الذي جنّب الوطن مخاطر لم يكن بمقدور أحد التكهن بعواقبها، وسيسجل التاريخ اعتذار الرئيس كدرسٍ يتذكره الأردنيون في الأزمات ويظهر معدن الرجال الحق.

“الاحتفاء والفرح” ليس الدرس الأخير المستفاد من هذه الأزمة، فمن تابع مواقع التواصل والإعلام يدرك حجم القلق والخوف على الوطن الذي أظهره الجميع بانتظار نتائج الحوار بين الحكومة والنقابة وحجم الفرح بالنهاية الجميلة التي أظهرها بعد استقبال الطلاب والأهالي للمعلمين اليوم بالورود والحلويات والفرح والسرور، وهنا حقنا كأردنيين جميعًا أن نفرح ونبتهج بهذا الإنجاز وهذا النضوج والرقي الذي كشفت عنه “أزمة إضراب المعلمين”.

وقبل كلّ شيءٍ وبعده، علينا نحن الأردنيين أن نتعلم من الدروس والأزمات التي نمر بها لنعكسها على وطننا قوة وتطورًا في الأداء والعطاء ليس في قطاع التربية والتعليم فحسب؛ بل في كل مجالات عملنا، وسيبقى كل ما يقدمه الأردنيون من مهجهم وأرواحهم وحبات عرقهم قليلًا من أجل هذا الوطن رغم قلة “المردود الماديّ”، الذي يجعل الأردنيين يرفعون شعارهم الدائم: “كرامٌ ولكنّا مفاليس”.

الكاتب حسين الرواشدة يرى أننا في الأردن اليوم أمام استحقاق تاريخي يحتاج إلى قرارات تاريخية، فالتحولات التي طرأت على مجتمعنا كما كشفتها أزمة المعلمين لم تتواكب مع تحولات حقيقية على مستوى الدولة و مؤسساتها، مما أفرز حالة من غياب الثقة بين الطرفين.

ويحذر الرواشدة أن الأدوات التي ما نزال تستخدمها مؤسساتنا لم تتطور بما يناسب ما استجد من حركة على صعيد المجتمع والأفكار والأدوات التي يستخدمها، وقد ساهم هذا وغيره في إنتاج انماط جديدة من النخب والمطالب والعلاقات والتصورات، أخطر ما فيها بروز لصراع على قاعدة “الطبقة” والثروة و النفوذ.

 (البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: