تفعيل “قانون الدفاع”.. غطاءٌ قانوني أم تنصل حكومي من الرقابة الشعبية

تفعيل “قانون الدفاع”.. غطاءٌ قانوني أم تنصل حكومي من الرقابة الشعبية

الخبير الإستراتيجي الدكتور منذر الحوارات لـ “البوصلة”:

– تفعيل قانون الدفاع تنصل حكومي من المشاركة والرقابة الشعبية عليها

– لجوء الحكومة لقانون الدفاع سيشكل انتهاكاً صارخًا لحرية الأردنيين

– قانون الدفاع يجب أن يمارس على تصريحات مسؤولي الحكومة المتضاربة

الخبير العسكري الإستراتيجي الدكتور قاصد محمود لـ “البوصلة”:

– تفعيل قانون الدفاع سيشكل غطاءً قانونيا لإجراءات حكومية أكثر صعوبة

– حتى لو فعل قانون الدفاع فهذا لا يعني عودة للأحكام العرفية

– تفعيل قانون الدفاع يحتاج لإجراءات دستورية وإرادة ملكية

عمّان – رائد الحساسنة

أثار حديث وزير الدولة لشؤون الإعلام أمجد العضايلة خلال الإيجاز الحكومي حول القرارات الحكومية المتعلقة بمواجهة “فيروس كورونا المستجد”، مخاوف كبيرة حول إمكانية فرض الحكومة للأحكام العرفية ومصادرة الحريات العامة وذلك وفقًا للمواد التي يحتويها القانون وتمنح رئيس الوزراء صلاحيات واسعة يتم من خلالها تعطيل القانون وفرض حالة الطوارئ التي يمكن أن يواكبها قرارات قوية وغير اعتيادية.

البوصلة” استطلعت آراء خبراء استراتيجيين سياسيين وعسكريين حول ماهية تبعات “تفعيل قانون الدفاع” وانعكاساته على أرض الواقع سواءً كانت سلبية أو إيجابية والحدود القانونية والدستورية التي تحقق المصالح العامة للمجتمع الأردني وتحد من خطورة انتشار فيروس الكورونا “المستجد”، وإمكانية الوصول لإجراءات قد تصل في أسوأ الأحوال لفرض الأحكام العرفية وقمع الحريات العامة وفرض ما تراه الحكومة من قرارات تقدرها لمصلحة الأردن.

وبين من رأى أن أي تفعيل لقانون الدفاع سيعد تنصلاً من الحكومة لأي مشاركة أو مراقبة شعبية على أدائها واستفرادها بالقرار، ومن رأى أن تفعيل قانون الدفاع لن يكون إلا في حدود إيجابية تمنح الحكومة صلاحياتٍ أوسع لمواجهة الأزمة التي نعيشها اليوم دون أن تثير قلق المواطنين وغضب الشارع، يظلّ الأمر مرتهنًا في التطورات المتسارعة التي تراقبها الدولة الأردنية عبر مركز إدارة الأزمات وأجهزة الدولة المختلفة وعلى رأسها وزارة الصحة، فيما يعيش الأردنيون حالة من الترقب والخوف التي تتصاعد كلما زادت أعداد الحالات المؤكد إصابتها بفيروس “كورونا”.

هل تسعى الحكومة للحجر على الرقابة الشعبية على أدائها؟

الخبير الاستراتيجي الدكتور منذر الحوارات يرى في تصريحاته لـ “البوصلة” أن أي تفعيل لقانون الدفاع سيكون إقرارًا رسميا بأن القوانين النافذة التي تعمل بها الحكومة لا تصلح لأن تشكل منظومة متكاملة لإدارة الأزمات التي تمر بها الدولة الأردنية، لأنه من المفترض أن هذه القوانين بصيغتها التي عمل عليها خلال العقدين الأخيرين جاهزة للتعامل مع كافة الأخطار التي يمكن أن يمر بها الأردن.

ويتابع الحوارات حديثه: بالتالي حينما تلجأ لقانون الدفاع فإنها تتنصل من المشاركة الشعبية والرأي الشعبي والمراقبة الشعبية على أداء الحكومة وتضع كل الأمر بيدها لوحدها.

“نحن نرى التخبط الحكومي في القرارات لولا وجود رأي عام مراقب وينتقد ويبث وينشر، باعتقادي كنا في مواجهة مخاطر كثيرة”، يقول الحوارات.

ويحذر من أنه في حال لجوء الحكومة لقانون الدفاع سيشكل انتهاكاً صارخًا لحرية الأردنيين، وتنصلاً من مسؤولية الدولة في ضمان الحرية للمواطنين.

ويقول الخبير الاستراتيجي: إن الأزمة التي يمر بها الأردن اليوم تستطيع الحكومة إذا كان قرارها حصيفًا أن تتجاوزها بمشاركة المواطن الأردني الذي يفترض أنه وصل إلى مستوى مميز في المنطقة كمجتمع متعلم ومجتمع يعمل بشكل جيد، وينتج بشكل ممتاز جدير بأن يستوعب القوانين ويتعامل معها.

ويتابع، لم نلاحظ أي انتهاك شعبي للقوانين، ربما بعض حالات الأزمات في التسوق في اليوم الأول، بسبب الهشاشة التي تعاملت بها الحكومة مع الإعلان قبل يوم كانت تتحدث أنه لا حالات، وفي اليوم التالي تعلن عن عدد من الحالات.

قانون الدفاع يجب أن يطبق على تصريحات المسؤولين

وينوه الحوارات إلى أنه: إذا كان لا بد من ممارسة قانون الدفاع فإنه يجب أن يمارس على تصريحات مسؤولي الحكومة لضبطهم عند نص واحد مقر من هيئة مختارة من الحكومة تنشر التصريحات المحوكمة التي تفيد الرأي العام.

ويقول: نحن نرى كلٌ يغني على ليلاه في أطرافٍ عديدة من الحكومة تنتج أقوال عديدة، وكنا نستمع مثلاً إلى أنّ هناك مستشفى مجهز بـ 500 سرير جاهز للاستخدام في أي لحظة، وإذا بنا نعاني من أسرة عادية لنضع فيها المرضى وأماكن العزل والحجر محدودة.

ويعبر الحوارات عن استغرابه أن نلجأ إلى صيغة فيها ترف كبير في الحجر، فنادق 5 نجوم، وكأن الدولة الأردنية واحدة من الدول النفطية الثرية، صحيح أن المواطن الأردني يستحق ولكنه يدرك المأزق الذي يعاني منه بلده، وهو قادر على استيعاب الحجر الصحي المنزلي، وقادر على التعامل معه.

“أنا شخصيًا وجدت الكثير من العائلات الأردنية لديها حس عالي بالمسؤولية”، على حد تعبير الخبير الإستراتيجي.

ويعيد الحوارات التأكيد على أن الحديث عن قانون الدفاع هو تنصل حكومي من المسؤولية التي قد يحملها المجتمع مع الحكومة، ويراد أن تحمل الحكومة كل القرارات بعيدًا عن رقابة شعبية حقيقية، وبالتالي نقع باعتقادي ضحايا كمواطنين لقرارات هشة في كثير من الأحيان وغير حصيفة.

ويقول: أنا أدرك أن الحكومة الأردنية قامت بخطوات ممتازة في الفترة الأخيرة، ولكن لا أحد يستطيع أنه في بداية الأزمة كان هناك شيء ما من الاستخفاف بالأزمة وكأنها لن تصل إلى الأردن وكان ذلك مؤشرًا خطيرًا باعتقادي.

هل تخفي الحكومة شيئًا عن الأردنيين؟

الحوارات يعتقد أن الحكومة لا تخفي شيئًا عن الشعب، لكنّه في الوقت ذاته يرى أنها لم تتعامل مع المرض من بدايته بشكلٍ حصيف، فهذا المرض معدٍ خلال فترة حضانته والحاضن للمرض يكون مصدرًا للعدوى أثناء سيره في الشارع وأثناء حديثه مع الناس.

ويتابع: بالتالي ربما دخلت أعداد كبيرة في الفترة الماضية وقامت بعملية نقل العدوى للآخرين ولم تكتشف، وسنبدأ باكتشافها في الأيام القادمة وسنلحظ ارتفاعا حادا بشكل تصاعدي لأن المرض يتضاعف كل ثلاثة أيام، فإن كان لدينا 20 حالة بعد ثلاثة أيام يصبح 40 حالة، وبعد ثلاثة أيام يصبح 80 حالة، وهكذا إلى أن يصل لمستوى عالٍ جدًا، لأن هذا المرض طالما المصاب به غير محجورٍ عليه فإنه يكون معديًا.

ويوضح الحوارات أن المواطنين يتعاملون مع الحجر المنزلي بشكل إيجابي، ويكفي أن تقول الناس للمواطنين لا تخرجوا من بيوتكم وسيلزمون بيوتهم وليست بحاجة لقانون دفاع، ولا لحكام إداريين يطبقوا هذا القانون.

فوبيا العزل وأخطاء الحكومة في التعامل مع المصابين

ويشير الحوارات إلى مسألة بالغة الأهمية تغفلها الدولة في التعامل مع المصابين بالكورونا، ويقول: بالأمس حينما ترك الشاب الأردني العزل الصحي، هناك فوبيا في أماكن العزل معلومة لأي طبيب، ومعروف أنه عندما يدخل أي مريض لغرفة عزل فإنه يشعر بالوحدة والاختناق، ويقوم بالهرب، وكان بالإمكان أن يكون هناك “سوشيال ووركر” يتعامل معه وإفهامه أن الأمر ليس أمراً عدائيًا من المستشفى وتنتهي القصة؛ ولكن طريقة التعامل لم تكن مناسبة.

ويتابع حديثه: فهؤلاء الناس سيحجزوا  في مكانٍ واحد لمدة شهر إذا كانوا مصابين وسوف يحجر عليهم إذا كان متوقع إصابتهم 14 يومًا وهذه فترة طويلة، وكل إنسان يوضع بهذا الموقف سيشعر بالضيف، وهذا يفرض مزيدا من تكاتف الجهود الحكومية والشعبية.

ويشدد الحوارات على أنه “حتى الآن أجد أن الحكومة تصرح بأمر اليوم ونسمع عكسه تماما غدًا، والمشكلة أو المعضلة ليست في تنفيذ الناس لتوجهات الحكومة، لكنها تتمثل في عدم ثبات الحكومة على رأي واحد ثابت، فحينما تقول الحكومة أنني أريد من المواطنين أن يجلسوا في بيوتهم وتنظم مواعيد العمل، ومن يحق له الذهاب إلى عمله، وما هي المولات المفتوحة وإجراءات عملية التسوق، أعتقد أن الأردنيين سوف يلتزموا”.

“بتصوري الأردنيون أذكياء وهم يدركون مصلحتهم ويدركون مصلحة بلدهم بدون تنفيذ أي حكم عرفي تريد الحكومة أن تستغله ربما في تحقيق مآرب خاصة لها”، وفقًا للحوارات.

وينوه في نهاية حديثه لـ “البوصلة” إلى أن “الداعين إلى تطبيق قانون الدفاع هم ذاتهم الداعون إلى تطبيق الأحكام العرفية وباعتقادي هؤلاء عليهم أن لا يتحدثوا ويصمتوا لأن كل أردني يحمل قدرا من المسؤولية يؤهله للتعامل مع أي كارثة أو وباء يصيب بلده وهم جزء أصيل من الدولة سيدافعون عنها كأي فرد في الجيش والأجهزة الأمنية، وهم ليسوا بحاجة لعصا فوق رؤوسهم ليدافعوا عن بلدهم”.

تفعيل قانون الدفاع غطاء قانوني لإجراءات حكومية قوية

أمّا الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور قاصد محمود، فيرى في تصريحاته لـ”البوصلة” أنّ تفعيل قانون الدفاع “يحتاج إلى إجراءات دستورية، فيجب أن يتخذ مجلس الوزراء قرارا بذلك ويرفع توصية إلى جلالة الملك وبعدها تصدر إرادة ملكية سامية بتطبيق قانون الدفاع”.

وينوه محمود إلى أنه يوجد حالات منصوص عليها لتطبيق قانون الدفاع، ومنها حالات الكوارث والأوبئة الكبرى وهكذا، وإذا تطورت الحالة التي نعيشها اليوم، يمكن أن تتطور إلى الدرجة التي تستدعي إجراءات قانون الدفاع.

ويقول الخبير العسكري: ما رأيناه من استخدام لباصات الجيش وقيام أفراد من الجيش بتعقيم الفنادق وأماكن الحجر الصحي، يتعلق بتعاون مختلف مؤسسات الدولة في إدارة الأزمة التي نعيشها اليوم، وهو نوع من المهنية فسلاح الهندسة الملكي هو الأكثر قدرة على التعامل مع هكذا واجبات ووظائف ومن الطبيعي أن نلجأ له سواء بتفعيل قانون الدفاع أو عدم تفعيله.

“هذا استخدام طبيعي، وفي مركز إدارة الأزمات يوجد اليوم تمثيل لكل الهيئات والوزارات والجهات المعنية لإدارة الأزمة التي نحن فيها بما فيها القوات المسلحة”، وفقا لقاصد محمود.

ويؤكد أنه شيء طبيعي أن تساعد القوات المسلحة بإمكانياتها بكل النشاطات المتعلقة بالدولة الأردنية سواء النقل أو الهندسة أو غيره فهذا شيء طبيعي جدًا.

وينوه إلى أنه “عندما نريد إحضار مريض من خارج الوطن فإن جلالة الملك يصدر أمرًا لطائرات الجيش لإخلاء الحالة، والمسألة متعلقة بما تملكه الدولة من إمكانيات متاحة تستطيع استخدامها”.

القوانين العادية غير كافية لمواجهة الأزمة

ويقول محمود: “أما بشأن تصريح وزير الإعلام، فحديثه جاء ردًا على أسئلة، حول قانونية الإجراءات التي اتخذتها الحكومة، ويبدوا أن قانوني الدفاع المدني والأمن العام وهما غير كافيان لاتخاذ إجراءات قد تكون أكثر شدة وقوة في المستقبل، مثل إجراء اليوم عندما تضع آلاف الأشخاص في الحجر الصحي، فقد يجري الحديث عن الحريات الشخصية”.

ويشدد على أن “الحديث عن تفعيل قانون الدفاع هو غطاء قانوني لبعض الإجراءات التي قد تكون غير مقبولة أو مريحة بالنسبة للمواطنين”.

ويشير محمود إلى أن حظر التجول ليس مرتبطا بقانون الدفاع، والجيش ليس له علاقة بالنزول للشارع إلا في حال وجود ضرورة فهو لا يتدخل إلا في حالات نادرة جدًا، إذا أصبح الحدث أكبر من إمكانيات القوى الأمنية.

“لا يمكن مقارنة اليوم بأحداث سابقة فرضت فيها الطوارئ والأحكام العرفية، الآن صحيح أن هناك قانون دفاع يمنح الحكومة صلاحيات واسعة يمكن أن تحد من الحريات، لكن حتى لو فعل القانون فلن نعود لعصر الأحكام العرفية”، بحسب الخبير العسكري.

ويستدرك بالقول: لكن سيتم استخدام المواد الضرورية جدًا من هذا القانون لمعالجة ومواجهة الظروف التي تعيشها الأردن مع أزمة كورونا.

ويشدد محمود في ختام حديثه لـ “البوصلة” على أن “المطروح توفير غطاء قانوني للإجراءات، إذا سارت الأمور وفق القوانين الاعتيادية كان بها، وإلا ستكون الدولة مضطرة لتفعيل قانون الدفاع ولكن على نحوٍ إيجابي لا يثير القلق لدى المواطنين”.

(البوصلة)                                                                                                                                                                                                                                                                                     

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: