توعكت الديمقراطية فعاد الأمر للسلاطين.. قصة الفوضى السياسية بماليزيا

توعكت الديمقراطية فعاد الأمر للسلاطين.. قصة الفوضى السياسية بماليزيا

طبقا للدستور، يملك البرلمان الماليزي حق اختيار رئيس الوزراء، لكن الفوضى السياسية أعادت السلطة للقصر وبات بإمكان الملك فعل كل شيء لضمان الاستقرار، بما في ذلك إعلان حالة الطوارئ وتكليف شخص بقيادة الحكومة دون اعتبار لمخرجات صناديق الاقتراع.

وبعد الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء مهاتير محمد، اتضح حجم التباينات بين الكتل السياسية في البرلمان حيث انقسمت إلى ثلاث لا تملك أي منها أغلبية تمكنها من تشكيل الحكومة، وهو ما يسمى في العرف السياسي بالبرلمان المعلق.

وهذه الكتل هي: كتلة أنور إبراهيم المعروفة باسم “تحالف الأمل” ويقدر أعضاؤها بالبرلمان بنحو 92 عضوا، وكتلة مهاتير محمد التي تقدر بنحو ستين مقعدا، وكتلة التفاهم المشترك لحزبي المنظمة الملايوية القومية المتحدة (أمنو) والحزب الإسلامي (باس) والتي تقدر كذلك بنحو ستين مقعدا، ولا يمكن لأي كتلة تشكيل الحكومة لوحدها ما لم تحصل على 113 مقعدا في البرلمان المكون من 222 نائبا.

مناورات وتقلبات

وبعد استقالة مهاتير وخروج حزبه (أبناء الأرض الموحدة) من “تحالف الأمل” أعلن حزبا “أمنو” و”باس” تخليهما عن الإعلان الدستوري، وهو مشروع تصويت في البرلمان لدعم استمرار مهاتير بالسلطة كامل مدة البرلمان حتى عام 2023.

وكانت عريضة الإعلان الدستوري -التي يجري الحديث عنها منذ أسابيع- تهدف إلى الحيلولة دون وصول أنور لرئاسة الوزراء، وذلك في حال تنازل مهاتير عن السلطة تنفيذا لاتفاق تشكيل التحالف الحاكم قبل انتخابات مايو/أيار 2018.

ويرى محللون سياسيون انكشاف ظهر مهاتير بسحب “أمنو” و”باس” الدعم له وخروجه من تحالف الأمل، لا سيما أن حزبه غير جاهز لانتخابات مبكرة التي يطالب بها حزبا أمنو وباس،

وهذا ما أشار إليه مقرب من رئيس الوزراء بقوله إن الحزبين يريدان لي ذراع كتلة مهاتير وجرها لانتخابات غير مستعدة لها.

أما أنور فيعول -في حال تكليفه بتشكيل الحكومة- على استقطاب عشرين عضوا على الأقل من أحزاب ولايتي سارواك وصباح، وقد كانت بعض هذه الأحزاب أعلنت تأييدها لمهاتير، لكن الولايتين اللتين تشكلان الجزء الشرقي من البلاد تميلان دائما إلى تأييد من بالسلطة المركزية.

وقد أعلن تحالف “أمنو باس” دعم وزير الداخلية السابق محيي الدين ياسين، وهو رئيس حزب مهاتير، لكن “تحالف الأمل” ما لبث أن أعلن دعمه لمهاتير ليتخلى الأخير عن رئيس حزبه (ياسين).

وفسر مراقبون تحولات تحالف الأمل وتقلباته إلى محاولات مستميتة في البحث عن النجاة من قبل “حزب العمل الديموقراطي” الذي يهيمن عليه ذوو الأصول الصينية، وذلك بأي صفقة تمكنه من استبعاد نجاح أي تحالف يضم حزبي “باس وأمنو” أو اللجوء إلى انتخابات مبكرة غير جاهز لها.

إلى القصر

لعل أبرز ما أظهرته الأزمة الحالية هو ظهور دور الملك الحاسم بالسلطة المركزية والسلاطين الثمانية الآخرين في ولاياتهم.

فقد أصبح القصر الملكي مِحجا لجميع الساسة منذ تفجر الأزمة، وعزز دور الملك قراره الاستماع إلى جميع أعضاء البرلمان انفراديا لصياغة تصور شامل عن كيفية الخروج من الأزمة، ومن يحظى بثقة الغالبية.

وحاول مهاتير استباق قرار الملك بدعوة إلى جلسة خاصة للبرلمان لاختيار رئيس الوزراء المقبل.

وقال المحلل السياسي عبد الرزاق السقاف إن سبب خطوة مهاتير الاستباقية علمه بأن معظم السلاطين لا يفضلونه، لا سيما بعد سلسلة معارك خاضها مع بعضهم، والضغط على الملك السابق لتقديم الاستقالة.

لكن رئيس البرلمان ومعظم الأحزاب رفضت عقد جلسة استثنائية بذريعة أنها غير دستورية وليست من صلاحيات رئيس الوزراء ” المؤقت” بل إن بعض الأحزاب رأت فيها تصرفا غير لائق وإهانة لسلطة الملك.

الملك عبد الله رعاية الدين المصطفى بالله شاه أخر إعادة تكليف مهاتير برئاسة حكومة مؤقتة أربع ساعات بعد استقالته الاثنين الماضي، مع الاعتقاد أن طلب إعادة التكليف كان حاضرا مع تقديم الاستقالة، وهو ما فسر برغبة الملك باتخاذ القرار وفق صلاحياته المطلقة بحسب الدستور.

خيارات الملك

نظرا لاستبعاد انعقاد جلسة قريبة للبرلمان، حيث إن أول جلسة له ستكون في التاسع من مارس/آذار المقبل، فإن جميع التوقعات مرهونة بقرار الملك الذي ترأس اجتماعا طارئا لحكام الولايات صباح الجمعة.

وبعد اجتماع مجلس السلاطين، أكد متحدث باسم القصر الملكي أن الملك لم يصل إلى قناعة كافية بقدرة أي أحد على الحصول على الغالبية البرلمانية.

ووسط التجاذبات السياسية، فإن مراقبين يرون أن الملك قد يلجأ إلى تكليف أكبر كتلة في البرلمان لتشكيل الحكومة، وإذا فشل خلال 14 يوما فإن من صلاحياته حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة.

والخيار الآخر هو إقناع مختلف الكتل الحزبية في البرلمان بتشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن المشكلة تبقى في من يقود هذه الحكومة، وقد سرت شائعات كثيرة حول من يمكن أن تجمع عليه الكتل البرلمانية، وإذا ما تحققت فإنها ستكون حكومة ضعيفة مهمتها التمهيد للانتخابات المقبلة التي قد لا يطول انتظارها.

أما المؤكد فهو تحول الأزمة السياسية إلى كسر عظم بين قطبين “أمنو وباس” من جهة والعمل الديمقراطي والأمانة الوطنية الذي انشق عن باس قبل أربع سنوات، ومن الصعب التكهن بكيفية نهايتها.

وبالتزامن مع تصريحات تقول إن الملك يراعي أولوية الاستقرار الأمني والسياسي، دخل مسؤولون أمنيون سابقون وحاليون على خط المشاورات مع القصر، وهو ما أثار تكهنات باحتمال لجوء الملك لإعلان حالة الطوارئ في حال استمر المأزق، تفاديا لأزمة اقتصادية واجتماعية.

ولا يستبعد مراقبون أن يلجأ الملك إلى تكليف شخصية من القسم الشرقي في البلاد ليسجل سابقة تاريخية، إذ لم يسبق أن تولى أي من أبناء هذه المنطقة رئاسة الوزراء.

ويترجم هذا التوجه إخفاق الساسة في شبه الجزيرة الملايوية في تقديم تنازلات تبدد المخاوف المتنامية لدى الشعب الماليزي.

(الجزيرة نت)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: