د. رامي عياصره
د. رامي عياصره
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

جرش المسحوقة ترقص قسراً في مهرجان يُقال له “مهرجان جرش”

د. رامي عياصره
د. رامي عياصره
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

على وقع الفقر والتهميش تستقر جرش المحافظة على ثوب الوطن المطرّز بالبؤس والحرمان ، في واحدة من جيوب الفقر – كما تُصنفها الجهات الرسمية وفق دراساتها – يعلو ضجيج المهرجان السنوي المسمى زورا باسم تلك البقعة المنكوبة من وطننا الغالي.
توقد في مراسيم رسميّة شعلة المهرجان، ويأتي الرسمي بقضه وقضيضه ببدلاته الفاخرة وروائح عطره الباريسية الفوّاحة لتفتتح ذلك المهرجان المنسوب الى ” جرش” ليذيع صيتها بأنها مدينة الطرب والغناء ، وليقف على مسرحها الجنوبي ألمع ” نجوم ونجمات ” الفن واشهرهم .
تسطع الاضواء من على أعمدة المدينة الأثرية .. وتسلّط تلك الأضواء على اولائك القادمون من بعيد في ليالي السهر والطرب والفن غير الأصيل ، هكذا فجأة تحيا مدينة جرش من موات وهي التي كان يطلق عليها الآباء والاجداد الى عهد قريب اسم ( خراب جرش ) .. يَعْمُر ذلك الخراب فجأة .. نستيقظ نحن أهل جرش مدينة وقرى ومخيمات على هذا الوهج المُبهر لأيام معدودات .. لا تُسلّط فيها تلك الأضواء على أيًّ من اوجاع واحزان الجرشيين .. لا على ذلك “الحجي” ابو محمود الذي يسكن ربما في قرية عليمون او الفوارة او مقبله ذلك الذي حمل شرف الرتبة العسكرية ذات يوم من شبابه وتقاعد منذ زمن براتب لا يتجاوز ٣٠٠ دينار لا تقيه وهج غلاء المعيشة وتكاليف الحياة.
ولا تسقط بقعة ضوء واحدة على “أبو علي” الذي افنى عمره مدرساً في مدارس المحافظة يربي ويعلّم ويحيي نفوساً بالعلم والمعرفة، لقد جاءه قرار التقاعد دون ادنى تكريم من وزارة التربية والتعليم..لم يسلّم درعا تذكارياً يوماً.. ولم يدعَ الى عشاء تكريم حتى ، لقد وجد نفسه فجأة على هامش الزمان.
لم تقع ولو بالصدفة بقعة ضوء على عائلة “أبو محمد” الذي يتمترس في خندق الوطن ويسكن في قرية الحسنيات او الحدّاده او الشكارة او جبّه .. موظف حكومي على رأس عمله راتبه لا يتجاوز ال( ٦٠٠) دينار بعد خدمة زادت عن ( ١٥ ) سنة ولكنه مسؤول عن تأمين رسوم احد بناته في الجامعة ولدية ولدين اثنين يجلسون في البيت بعد التخرج ينتظرون فرج وظيفة او فرصة عمل ولم يحصلا إلا على رقم فلكي في ترتيب ديوان الخدمة المدنية.. وعنده طالب على مقاعد التوجيهي.
هؤلاء وغيرهم من اصحاب بسطات الخس والرمان والعنب والخوخ .. واصحاب المناجر والحدادة والفلاحين في ارضهم واصحاب ” الحلال ” .. كلهم خارج أضواء ” مهرجان جرش “.

الساحة الرئيسية ليست لهم.. المدرج الجنوبي لصاحبات الركب المعرّاة والخصر المتمايل.. المدرج الشمالي للأصوات الصاعدة التي بدأت اقدامهم تخط طريقها نحو الشهرة ..
شارع الأعمدة لاصحاب التحف والحرف اليدوية التي تُصنع خارج جرش وربما خارج الاردن..

جرش يُراقصون اسمها على ألحان المهرجان ويُسمعونها همساً كلمات ليست كالكلمات .. كلمات ليست في قاموسها ولم يَطرق يوماً مسامعها .. أصحاب تلك الكلمات جاءوا الى جرش من كوكب آخر.. مختلفون عنّا في الاهتمام واللون وطريقة الحديث واللكنة الجرشية المعروفة.. ثم يقولون ” مهرجان جرش ” ..!!!
هل هناك جرش في الاردن غير مدينتي التي أعرفها .. ؟؟!!!
تلك التي ولدت فيّ ومعي قبل أن أولد فيها واعيش طفولتي البريئة وشبابي الجاد ورجولتي الشامخة فيها.
جرش يا سادة التي يتحدثون عنها غير التي نعرفها .

جرش المحرومة من التنمية والمصانع والمرافق والشوارع المعبّدة في مخيماتها وقراها ..
لكم أن تعلموا يا سادة أن جرش هي المحافظة الوحيدة في الاردن التي ليس فيها جامعة او كلية جامعية حكومية..

جرش العطشى التي لم يصل لكثير من مناطقها الماء في شبكات التوزيع .. تخيلوا اننا في القرن الواحد والعشرون وفي بداية المئوية الثانية للدولة الأردنية ونفتقد للماء ليصل الى البيوت والحارات بحجّة شحّ المياة.. فكيف وصلت المياة بسخاء الى موقع المهرجان إذن.. ؟؟!!!
هل هي الكرامات التي كنّا نسمع عنها ولا نراها ..!!!

يا تلك الاصوات الهدّارة الجميلة .. لتعلي وترتفعي من مدرجات جرش ومسارحها وساحاتها.. لعلك تطغي على أنين اهلها وهم يغفون في حضن الوطن الموجوع ليناموا بسلام وأمان رغم انهم مجردون من كلّ شئ إلا من عشقهم للوطن.

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts