حاربوا ودفنوا في القدس.. قصة الخوارزمي وولديه الذين حمت قبورهم مبنى من أطماع الاحتلال (صور)

حاربوا ودفنوا في القدس.. قصة الخوارزمي وولديه الذين حمت قبورهم مبنى من أطماع الاحتلال (صور)

البوصلة – بالخروج من المسجد الأقصى المبارك من باب السلسلة، يصل الزائر بعد عدة أمتار على يساره إلى مبنى المكتبة الخالدية التي تأسست عام 1900، وفي البهو الرئيسي للمكتبة يوجد 3 قبور يعود تاريخها للفترة الأيوبية المتأخرة.

هذه القبور دفن بها الأمير الخوارزمي بركة خان وولداه الأميران بدر الدين وحسام الدين، ويعود الفضل لهذه التربة وللمكتبة الخالدية في عدم قدرة الاحتلال على الاستيلاء على البناء المكون من 3 غرف رئيسية.

عن قصة هذه القبور وكيف حمت البناء، تحدث للجزيرة نت الباحث في تاريخ القدس روبين أبو شمسية، قائلا إن هذه القبور تعود لمجموعة من الخوارزميين الذين استدعاهم آخر السلاطين الأيوبيين الملك الصالح نجم الدين أيوب عام 1244 بهدف إخراج الصليبيين الذين احتلوا القدس للمرة الثالثة.

والاحتلال الثالث للقدس -حسب أبو شمسية- كان بسبب تحالف أحد السلاطين الأيوبيين مع الصليبيين ضد أيوبيي مصر نظرا للانقسام الذي كان سائدا في الدولة حينها بين أيوبية دمشق وأيوبية القاهرة.

فبعد دحر الصليبيين عن مدينة القدس على يد القائد صلاح الدين الأيوبي عام 1187 حدثت الكثير من الانقسامات التي أدت إلى مواقف استسلام كثيرة احتل الصليبيون على إثرها القدس مرة أخرى عام 1229، واسترجعها الملك الناصر مرة أخرى عام 1237 لكنه عاد وسلمها مرة أخرى للصليبيين باتفاق مع ملك ألماني آنذاك.

وبعد سنوات استنجد آخر السلاطين الأيوبيين الملك الصالح نجم الدين أيوب بالخوارزميين وعلى رأسهم الأمير بركة خان، وتمكن بمساعدته واثنين من أبنائه من تخليص القدس من الصليبيين واسترجعوا المدينة عام 1244.

أيوبي أم مملوكي؟
استطاب الأمير الخوارزمي بركة خان وولداه الأميران بدر الدين وحسام الدين الإقامة بالقدس حتى موتهم ودفنوا في هذه المنطقة، وعلت قبورهم نقوش قديمة تم نقلها على القبور بخط أسود حديث بعد ترميمها.

أشار أبو شمسية إلى وجود خلاف بين المؤرخين عن تاريخ البناء الذي يضم هذه القبور والمكون من 3 غرف فيما إذا تم في الفترة الأيوبية -وهو ما يرجحه- أم الفترة المملوكية.

“البناء يميل إلى كونه أيوبيا أكثر من مملوكي لكن لا وجود للوحة تشير إلى البناء الأصلي بل هناك لوحة تشير للترميم من قبل السلطان المملوكي الظاهر بيبرس، وأرجح أن البناء يعود للفترة الأيوبية لأن بابه متواضع يعلوه قوس (الوسائد) الذي اشتهر في تلك الفترة”.

لكن ما يحير المؤرخين أيضا -حسب أبو شمسية- وجود نظام الأبلق عند المدخل والذي اشتهر في عهد المماليك ولا أحد يعلم إذا كان قد أضيف فوق قوس الوسائد أم لا، لكنه يرجح بناء مقام لهؤلاء الأشخاص في الفترة الأيوبية المتأخرة.

وحول كيفية تحول مبنى هذه التربة إلى واحدة من أكثر المكتبات العامة أهمية وشهرة في القدس، قال أبو شمسية إن المبنى كان مصنفا ضمن الوقف العام، وفي الفترة العثمانية أبقت الحكومة المبنى ضمن هذا التصنيف لكنها أعطت سدانته لعائلة الخالدي في القدس.

ومن هنا أتت الحماية لهذا المكان من الاستيلاء عليه من قبل الاحتلال، فالقبور حمته ثم المكتبة بالإضافة لكونه وقفا عاما حرصت عائلة الخالدي على رعايته وسدانته.

وحول حساسية تلك المنطقة وموقعها الإستراتيجي وسعي الجمعيات الاستيطانية للاستيلاء على مزيد من المباني فيها، أشار أبو شمسية إلى أن المبنى يقع من ناحية معمارية في الطريق لأهم أبواب الأقصى (باب السلسلة) كما يقع على الحد الرئيسي الفاصل بين حائط البراق وحي المغاربة من جهة والحي الإسلامي في باب السلسلة من جهة أخرى.

استولى الاحتلال على مبان مجاورة لمبنى التربة وكانت مصنفة كوقف ذرّي، عبر عدة وسائل أحدها التسريب أو عبر الإيجار والاستئجار من قبل العائلات التي سكنت القدس بعد عام 1850، بالإضافة إلى استيلاء الاحتلال على عدة مبان بالقوة.

شرق مبنى التربة والمكتبة الخالدية وخلفه تحول لبؤر استيطانية، وبقي هو مواجها لأكثر المباني أهمية في طريق باب السلسلة وهي المدرسة الكيلانية التي تعيش فيها عائلة دعنا اليوم.

بالإضافة لهذه القبور الثلاثة التي حمت مبنى تاريخيا من أطماع الاحتلال، احتضن تراب مدينة القدس على مرّ العصور نحو 153 جثمانا لشخصيات فلسطينية وعربية وعالمية بارزة، ومن بين هؤلاء أمراء وسياسيون واقتصاديون وعلماء عاشوا في المدينة، وغيرهم دُفنوا بمحيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة تكريما لدورهم في العمل من أجل القدس.اعلان

وعلى مقربة من هذه القبور الثلاثة في طريق باب السلسلة، تقع مقبرة مكونة من غرفتين مقببتين أمرت بإنشائهما الأميرة الأوزبكية تركان خاتون بعد وصولها للقدس بـ 3 سنوات وأوصت أن تدفن بها، وتحولت إحدى الغرفتين لمنزل، واحتضنت الأخرى قبر الأميرة خاتون.

أهمية رعاية القبور
ويشدد أبو شمسية على أهمية الاعتناء في القبور خاصة تلك الواقعة داخل منازل المقدسيين وبمحاذاتها، لأن الحفاظ عليها يكرس مفهوم إسلامية المكان كون هذه القبور من الفترات الإسلامية المختلفة، مؤكدا على ضرورة الحفاظ على الوثائق التاريخية التي تؤكد إسلامية المكان ومحتوياته وإن كانت قبورا لحمايتها من التسريب.

ويعلق بالقول “إهمال القبور وعدم ترميمها يجعل عيونا أخرى غير الوقفية تتفتح على المكان، ويؤدي إلى فجوات تسمح للاستيطان أن يتغلغل في هذه الأمكنة”.

وكان مصير بعض القبور الاستيلاء عليها أيضا، ومن بينها التربة الجالقية الواقعة على المفترق بين طريقي الواد وباب السلسلة، وفي القرن العشرين وضعت التربة تحت إشراف عائلة في القدس ثم بطريقة ما تحولت لمقر للشرطة الإسرائيلية. ورغم أن مدخل التربة غير مستولى عليه، لكن المبنى من الداخل مركز للشرطة، فلا يستطيع أحد الدخول إليه.

وختم أبو شمسية حديثه للجزيرة نت بأن الجمعيات الاستيطانية سيطرت حتى الآن على 8 حوانيت في طريق باب السلسة قرب هذه التربة، كما استولت السلطات الإسرائيلية على الكثير من المباني حولها بحجة إشرافها وإطلالتها على حائط البراق.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: