حلمي الأسمر
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

سحق الإسلاميين: الجمر تحت الرماد

حلمي الأسمر
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

 (1)

لم تتعرّض الحركات الإسلامية في البلاد العربية لعملية تغييب وسحق لا هوادة فيها، كما تعرّضت له خلال العقد الأخير، وحتى تلك “المواجهة” الشهيرة بين الحركة والزعيم المصري جمال عبد الناصر في منتصف القرن الماضي، وانقلابه عليها (ما أشبه انقلاب عبد الفتاح السيسي اليوم بالأمس!) ومحاولة اجتثاثها، لم تكن غير “موقعة صغيرة” مقارنةً بإعلان الحرب الشاملة عليها، في غير بلد عربي، وغربي بالطبع، خصوصاً في ظل ربط الإسلام الحركي بالإرهاب، حتى أصبح الانتماء إلى الإسلام تهمة، وأصبحت كلمة “إخواني” أو إسلامي مرادفةً لكلمة “إرهابي”.

ومن أسفٍ أن الحملات الإعلامية المكثفة، وغسل الدماغ الجماهيري في آلة الإعلام الدولي، أدت إلى نجاح باهر في ربط أي عمل إسلامي نشط بالإرهاب. وما زاد الطين بلة، تماهي النظام العربي الرسمي مع منطوق الخطاب الإعلامي الدولي في هذا الشأن، ولم يعد غريباً على أسماعنا حينما نقرأ أو نسمع عن تصريح لمسؤول عربي كبير يربط المسلمين الحركيين بالإرهاب. ولا أدلّ على الدرك الذي وصل إليه النظام العربي الرسمي من اعتقال أكبر معقل عربي للإسلام (أو هكذا يفترض) التي تحمل رايته عبارة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” أكثر من ستين أردنياً وفلسطينياً بتهمة الانتماء إلى تنظيم “إرهابي”، ويقصد به حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وجماعة الإخوان المسلمين. أسوأ الكوابيس التي يمكن أن تمرّ بالإنسان لم تكن تسمح لتتخيل أن مثل هذا الأمر يمكن أن يحصل في بلد يحتضن الحرمين الشريفين. ولم تقف الرعونة والسفه السياسي عند هذا الحد، فقد أعلن النظام العربي الرسمي حرباً مفتوحة على الإسلاميين، وخصص لهذا مليارات الدولارات، وتسابقت رموزه إلى ذمّ الإسلاميين وملاحقتهم واجتثاثهم، وذاق كل من اشتبه في انتمائه إليهم مرارة القتل والاعتقال والتغييب وحرمان العمل والسفر، وامتلأت سجون العرب بأصحاب الرسالة الإسلامية، بوصفهم “مجرمين” خارجين عن القانون.

أكثر من هذا، دفعت قطر وتركيا ثمناً باهظاً في سياق تلك المواجهة، لأنهما كانتا البلدين الوحيدين اللذين تسامحا مع الإسلاميين، واستقبلا من فرّ بجلده منهم من عسف نظامه وقهر بلاده. وحتى في البلاد التي عرفت باعتدالها “ونعومتها” في التعامل مع الإسلاميين، كالأردن مثلاً، جرت محاصرة هؤلاء والتضييق عليهم، وسلبهم مؤسساتهم، ومنعهم من ممارسة نشاطاتهم الخيرية والدعوية، وحشرهم في زاويةٍ ضيقةٍ من الحركة، وبلغ الأمر محاصرة حزبهم المرخّص، ومنعه من إقامة كثير من نشاطاته، فضلاً عن محاربة أعضائه في رزقهم ومنع توظيفهم، هم وأقربائهم وأنسبائهم البعيدين.

(2)

أخطر ما أصاب الإسلاميين في العقد الأخير، التقاء كل السلطات العربية الرسمية تقريباً مع قوى الغرب والمشروع الصهيوني في فلسطين على محاربة الإسلاميين، حتى بات الإسلامي مطلوب الرأس تحت أي سماء وفوق كل أرض، وهي لحظة تاريخية فارقة ربما لم يشهدها التاريخ العربي المعاصر. ولم يعد غريباً أن تسمع أو تقرأ هجوماً صريحاً على الإسلام الذي يسمّونه “متطرفاً” في كل من تل أبيب وواشنطن والقاهرة والرياض، مع امتداحٍ ملتبسٍ للإسلام “المسالم” الخالي من أي دسم، والإسلام في حقيقته واحد، فلا يوجد إسلام متطرّف وإسلام معتدل. أما تلك التصنيفات، فهي نتاج مختبرات صناعة المصطلح، التابعة لأجهزة المخابرات الكبرى، ومعامل تزييف الوعي وغسل الأدمغة.

وعلى الرغم من هذه الحرب الضروس على الإسلاميين، التي اتفقت فيها سلطات الشرق والغرب، لم يضع هؤلاء الراية، ولم يتخلوا عن رسالتهم، ليس لأنهم مقاتلون شرسون فقط، ولا لأنهم مؤمنون حد الشهادة بهذه الرسالة، بل لأنه لا خيار أمامهم غير هذا المسار، فالدين في بلادنا مكوّن أساس من العقل الجمعي والفردي، وهو مندغم مع الشخصية العربية، ولا انفكاك لها منه، ولا انفكاك له منها. إلى ذلك، يتحرّك الإسلامي الحركي، مهما بلغ حجم الطغيان الذي يواجهه في مجاله الحيوي، وبيئته الحاضنة، فهذا الدين هو ملح الأرض العربية، ومبرّر وجودها، والعقل الجمعي العربي مسكون بالإسلام، ومن المستحيل أن يهزم. صحيحٌ أنه يمكن أن يتحوّل إلى حالة الكمون، وربما الركود، لكنه يبقى كالجمر تحت الرماد، وأي هبّة ريح خفيفة تكشف عن اتّقاده، وهذا هو الوصف الأنسب لواقع الحركات الإسلامية اليوم، فهي في حالة كمون ومراجعة ومدارسة لكل ما مرّ بها، بعد “الهزائم” التي مُنيت بها، ليس بسبب أخطائها الداخلية فقط، بل بسبب شراسة الهجوم عليها وتعدّد مصادره، واتفاق كل القوى والسلطات على محاربتها.

(3)

القراءة المعمقة والاستشرافية لواقع الحركات الإسلامية المعاصرة اليوم تقول إنها على أعتاب مرحلة جديدة من العمل غير التقليدي، فقد علمتها التجارب المريرة أن تبحث عن أساليب عمل وأفكار “خارج الصندوق”، وهي وإن غابت، أو كادت، عن المشهد العام هذه الأيام، أو هكذا يبدو الأمر، إلا أنها تعيش حالةً من إعادة إنتاج الذات، والتموضع، مستندة في هذا إلى إرث “ثري” من التجارب والإخفاقات و”الخيانات!” من الحلفاء المحليين والخذلان من النخب، والإسناد أيضاً من بيئتها الحيوية الجاهزة لاحتضان الراية من جديد، وكلما اشتدّت محنتها اقتربت ساعة الفرج، ولا عجب في هذا، فأشد ساعات الليل حلكةً ما يسبق انبلاج الفجر.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts