سمعةُ بلدكَ وعظمة دينك

سمعةُ بلدكَ وعظمة دينك

نشرة ” فَاعتبِرُوا ” 100

د. عبدالحميد القضاة

        يُذكرُ أنّه ﻓﻲ ﻋﺎﻡ 1898م ﺯﺍﺭَ ﺍﻻﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ”ﻏﻠﻴﻮﻡ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ” ﺩﻣﺸﻖَ، ﻓﺨﺮجَ وجهاءُ المدينةِ ﻭﺍﺳﺘﻘﺒﻠوه، ﻭﻋﻨﺪ ﻣﺪﺧﻞِ ﺍﻟﻘﻠﻌﺔِ، ﻻﺣﻈﺖ زوجته ﺍﻻﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﺓُ ﺣﻤﺎﺭﺍً ﺃﺑﻴضاً ﺟﻤﻴﻼً، ﻓﺄﺛﺎﺭ إنتباهها، فطﻠﺒﺖ ﻣﻦ ﻭﺍﻟﻲَ ﺍﻟﺸﺎﻡِ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺑﺎﺷﺎ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻴﻬﺎ ﺑﻪ، ﻟﻜﻲ ﺗﺄﺧﺬﻩ ﻣﻌﻬﺎ ﺫﻛﺮى ﺇﻟﻰ ﺑﺮﻟﻴﻦ.

        بعثَ ﺍﻟﻮﺍﻟﻲ منّ ﻳﺒﺤﺚُ ﻋﻦ ﺻﺎﺣبه ﻭﻛﺎﻥ ﻳُﺪﻋﻰ ﺍﺑو ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺗﻠﻠﻮ، ﻓﻄﻠﺐَ ﺇﻟﻴﻪ ﺇﻫﺪﺍﺀَ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭِ ﺇﻟﻰ ﺯﻭﺟﺔِ ﺍﻻﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭ، ﻓﺎﻋﺘﺬﺭ!، ﻏﻀﺐَ الوالي ﻭﻋﺮﺽَ شراءه ﻣﻦ ﺃبي ﺍﻟﺨﻴﺮِ، ﻟﻜﻨﻪ ﺃﺻﺮّﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻓﺾ ﻭﻗﺎﻝ:” ﻟﺪﻱّ ﺳﺘﺔَ ﺭﺅﻭﺱٍ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻴﻞِ ﺍﻟﺠﻴﺎﺩِ، ﺇﻥ ﺷﺌﺖَ ﻗﺪﻣﺘُﻬﺎ ﻛﻠُﻬﺎ ﻫﺪﻳﺔ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭُ ﻓﻼ”!.

        إﺳﺘﻐﺮﺏَ ﺍﻟﻮﺍﻟﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏِ ﻭﺳﺄﻟﻪُ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﺒﺐِ، ﺭﺩَّ ﺗﻠﻠﻮ ﻣﺒﺘﺴﻤﺎً وقال : ” ﺳﻴﺪﻱ إﺫﺍ أﺧﺪﻭﺍ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭَ إﻟﻰ ﺑﻼﺩﻫﻢ ﺳيتحدثون ﻋﻨﻪُ، ﻭسيسأل ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣن أﻴﻦ ﻫذا اﻟﺤﻤﺎﺭ؟، والجوابُ معروفٌ بالضرورةِ، فيصبح “ﺍﻟﺤﻤﺎﺭُ ﺍﻟﺸﺎﻣﻲ” ﺣﺪﻳﺚُ ﻛﻞِ ﺍﻟﻨﺎﺱِ هناك، فتُعرف الشام به !.

        وسنتعرضُ ﻟﻠﺴﺨﺮﻳﺔِ، ﻭسيقولُ ﺍﻟﻨﺎﺱَ هناك: ﻫﻞ ﻳﻌﻘﻞُ أﻥّ ﺍﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﺓُ ﺍﻟﻤﺎﻧﻴﺎ، صاحبةُ الذوقِ الرفيعِ  ﻟﻢ ﺗﺠﺪ ﻓﻲ ﺩﻣﺸﻖ ﻣﺎ ﻳُﻌﺠﺒﻬﺎ ﻏﻴﺮُ ﺍﻟﺤﻤﺎﺭ؟، ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻦ أﻗﺪﻣﻪُ ﻟﻬﺎ ﻭﻟﻦ أﺑﻴﻌﻪ”! .

        اقتنعَ ﺍﻟﻮﺍﻟﻲ بوجهةِ نظرِ أبوالخير، بل أُعجب بكلامهِ وفطنتهِ، ونقلَ ﺍﻟﺨﺒﺮَ ﻟﻼﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭ ﻭﺍﻻﻣﺒﺮﻃﻮﺭﺓ، ﻓﻀﺤﻜﺎ ﻛﺜﻴﺮﺍً، ﻭأُﻋﺠﺒﺎ ﺑﺎﻟﺠﻮﺍﺏ، ﻭﺃﺻﺪﺭ ﺍﻻﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭُ ﺃﻣﺮﻩُ ﺑﻤﻨﺢِ ﺗﻠﻠﻮ ﻭﺳﺎﻣﺎً ﺭﻣﺰﻳﺎً، تقديراً لإخلاصهِ وحفاظه على سمعةِ بلده … فنحن نمثلُ ديننا وبلدنا وأمتنا بأخلاقنا، فلنكن من أرقى الناسَ سلوكاً، وأحكم الناس تصرفاً، فأنا وأنتَ سفراء بلادنا ورسُل ديننا حيثما كنّا!.

مكارمُ الأخلاقِ

        الأخلاقِ لها مناحٍ ودرجات، فمحاسنُ الأخلاقِ تعتمدُ مبدأ المنفعة، فتُحسنُ لمن أحسنَ إليك، وتُعطي من أعطاكَ، وتصلُ من وصلكَ،  فالإحسانُ مقابلَ الإحسانِ، أمّا مكارمُ الأخلاقِ فهي نمطٌ أرقى لأنه مرتبطٌ بالواقعِ العميقِ للنفسِ البشريةِ، فهو لا يعتمدُ على المنفعةِ المتبادلة، بل يتعداها الى زرعِ الفضيلةِ وإزالةِ الرذيلةِ، كأن تصلَ من قطعكَ، وتُعطي من حرمكَ، وتُحسن لمن أساءَ إليكَ، فهذا النمطُ قطع شوطا في الخيرِ أبعد، لا تُدركهُ إلّا النفوسُ العظيمةُ، ولذلك كانت مهمةُ الرسول صلى الله عليه وسلم الوصولُ إلى القمةِ حيثُ قال:”إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاقِ”.

أطْعِمْهُ أهْلَكَ

        عَنْ أبي هُريرة قَال: بَينماَ نَحن جُلُوس عِنْدَ النبي، إذ جَاءه رَجلٌ، فقَالَ: يَا رَسولَ الله هَلَكتُ!، فقال:”ما أهلَكَكَ؟”، قال: وَقَعْتُ على امْرَأْتِي، وأنا صائمٌ، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : “هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تعتقها؟”، قال: لا، قال: “فهل تستطِعُ أن تصوم شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعْين؟” قال: لا، قال: “فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟” قال: لا، قال: فَسَكَتَ النبي، فبينما نَحْنُ على ذلك، إذْ أُتي النبي بِعَرَق فيهِ تَمرٌ” قال: “أَيْنَ السَّائِلُ؟” قالَ: أنا، قال: “خُذْ هذَا فتصَدَّق بِهِ”، فقال: أعلى أفقَرَ منِّي يَا رَسُولَ اللّه؟، فَوَ الله مَا بَيْنَ لابَتَيْها أهْلُ بَيْتٍ أفْقَر مِنْ أهل بَيْتي!، فَضَحِكَ النَّبِي حتى بَدَتْ أنيابُهُ، ثمَّ قَالَ: “أطْعِمْهُ أهْلَكَ”، فالإسلام دين يُسرٍ، يجعل الحياة سهلةً ممتعةً للغني وللفقير، كلماته دائما التيسير والتبشير بعيدا عن التشدد الذي يُسبب العنت والمشقة للناس ،أيها الدعاة أفلا نتعلم من هذا الدرس العظيم، فنيسر ولا نعسر حتى على المخطئين.

(البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: