محمود الريماوي
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

سياحة دينية أم سياسية؟

محمود الريماوي
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

تعرض طهران على السلطات الأردنية إنشاء مطار في مدينة الكرك (جنوب)، بهدف استقبال ألف زائر إيراني يوميا. وهو عرض غريب، إذ كيف يمكن ضمان توجّه ألف زائر كل يوم إلى بلد بعينه وعلى مدار السنين، وقد أفصح عنه السفير الأردني السابق في طهران، بسام العموش. ومع ذلك لم يُرفض الطلب حينها، بل عرض الأردن في المقابل، على ما قال السفير، اتفاقا أمنيا ينظم علاقات البلدين، وهو ما رفضته طهران. مناسبة التذكير بهذه الواقعة التي تعود إلى عام 2002 تجدّد الحديث في الأردن عن السياحة، وخصوصا الدينية، وبالذات منها الإيرانية، حيث يربط بعضهم بينها وبين الحاجة إلى تنشيط السياحة، لتمكين عجلة الاقتصاد الوطني من الدوران بعد جائحة كورونا التي لم تطوِ صفحتها بعد في العالم، ومنه إيران والأردن.. وإنه أمرٌ يثير الدهشة أن ينحصر اجتذاب السياح على بلدٍ بعينه هو إيران لم يُعرف عنه ترويج السياحة أو اجتذاب الزوار إليه، أو الإيمان بقيم التعدّدية والتنوع واحترام الثقافات، التي ينطوي عليها النشاط السياحي، وألا يتم التطرّق إلى بلدان أخرى مثل اليابان أو ألمانيا أو الصين أو روسيا وغيرها من دول العالم المعروفة بـ”تصديرها” السياح بأعداد كبيرة. وقد برز الحديث، بعد زيارة أدّاها أخيرا الملك عبدالله الثاني إلى مقامات الصحابة: جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة، بمناسبة ترميم هذه المقامات. وهو ما أثار الحديث مجدّدا عن السياحة الدينية دون غيرها من السياحات، كالسياحتين الطبية والرياضية وغيرهما.

هناك في الأمر مغزى سياسي، فإيران تتعطش للسياحة في الأردن، والدينية منها بالذات، وسبق أن عرضت على الأردن، في السنوات القليلة الماضية، تزويد الأردن بالنفط بأسعار تفضيلية 30 عاما، مقابل السماح للإيرانيين بالسياحة الدينية، وكان ذلك قبل توقيع العقوبات على النفط الإيراني. وليس خافيا مدى امتزاج ما هو ديني بما هو سياسي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بما يكاد يمحو الفوارق بينهما. حتى أن المشاركة الإيرانية في مواسم الحج اتّسمت غير مرّة بأنشطة سياسية، منها تسيير مظاهراتٍ في الأماكن المقدسة، وأمام أنظار مئات الآلاف من الحجيج، وهو ما لم تلجأ إليه أية دولة باستثناء الجمهورية الإسلامية. وهو ما يثير توجّس عديد من سلطات العالم، ومنها دول عربية كالسودان التي شهدت كرماً في افتتاح مراكز ثقافية إيرانية في مدنها، ولم يكن الهدف منها نشر الإشعاع الثقافي، وفي دول أخرى، منها باكستان حيث يجري إنشاء جامعات إيرانية، وبغرضٍ سياسي أيضا، أو المثابرة على توزيع منشورات دينية كما حدث في الجزائر قبل نحو عامين، وأثار ضجّة كبيرة حينها. والسياحة الدينية ليست بعيدة عن هذا الهدف. وفي مجال التسويق الإعلامي لها على منصّات التواصل، يجري الحديث عن السماح لسياح إسرائيليين ومنع الإيرانيين. علما أن الفئة الأولى تأتي ضمن اتفاقيات منبثقة عن معاهدة السلام، وسبق أن أثار سياحٌ إسرائيليون مشكلاتٍ كما أثاروا الارتياب، وجرى تقييد حركتهم ومنع إقامتهم شعائر دينية أو إحضار معدّات وأدوات للصلوات. ويأتي هؤلاء ضمن أجواء شعبية غير مرحبة بهم، بل تنفر منهم، وضمن بروتوكولات سياحية تضبط حركتهم وتنقلاتهم، وبالطبع مع أخذ الجوانب الأمنية في الاعتبار الفائق.

وبدلاً من التشكّي من منع السياحة الدينية الإيرانية، فإن الأوْلى أن يسأل الإيرانيون أنفسهم: لماذا تنعدم الثقة بهذه السياحة، ولماذا تثور الشكوك ويسود جو من الارتياب حولها؟ والجواب كامن في السلوك الإيراني التدخلي في النسيج الاجتماعي للدول والشعوب الأخرى، ومحاولة اهتبال أي فرصة أو ثغرة أو ممرّ مفتوح، من أجل التسلل ومحاولة إنشاء قوى أو تيارات حليفة سياسيا وطائفيا. والانتقال من ذلك إلى تأليب المكوّنات الاجتماعية والدينية والطائفية على بعضها بعضا، بالحديث مثلا عن قوى سلفية وتكفيرية. وما يتخلل ذلك من محاولات الاستمالة والاستقطاب، وخصوصا في البيئات التي يعاني أفرادها من ضائقة معيشية. بينما في ظروف طبيعية أخرى، فإن مثل هذه السياحة ستكون موضع ترحيب، مثل السياحات الأخرى الوافدة من شتى الدول. ولكن بما أن إيران ترفض أن تكون دولة عادية داخل حدودها، ومعنية في المقام الأول برفاه شعبها وتطوير مجمل أوجه الحياة، وتجنح، بدلاً من ذلك، إلى مختلف أشكال التدخلات في الخارج، وبالذات في العالم الإسلامي، شأنها في ذلك شأن قوى جهادية متنقلة وعابرة للحدود، فإن الشكوك تثور بقوة حول مغزى الحماسة الشديدة لتوجيه السياحة الدينية إلى بلد بعينه، وهي من المرّات القليلة التي تُظهر فيها دولةٌ ما اندفاعها إلى المجال السياحي في الخارج، علماً أن سائر الدول “الطبيعية” تبذل قصارى جهدها لاجتذاب السياح إليها، لما لهذا النشاط من فوائد تعود على الحياة الاقتصادية، وعلى صورة البلد المعني في العالم. لكن إيران، على خلاف بقية الدول، معنيةٌ، ويا سبحان الله، بتصدير السياحة إلى الخارج، وتمكين ملايين الإيرانيين ما وسعها ذلك من سياحةٍ بذاتها، وإلى دولة بعينها.

أما مؤيدو السياسة الإيرانية الذين يتبنّون هذا المطلب، فمن الواضح أنهم مطمئنون على رفاه الشعب الإيراني، وعلى تمتعه بظروف حياة ميسرة وميسورة وآمنة وكريمة، في ظل حكم القانون، وفي أجواء من الحريات الدينية والسياسية والاجتماعية، وإنه لا ينقص الإيرانيين سوى التمتع بالحق بسياحة دينية إلى بلد بعينه. وتشاء المصادفات أن يكون هذا البلد، وهو الأردن، وقد ظل عصيا على الاختراق الإيراني (أو غيره)، خلافا لدول شقيقة وصديقة أخرى، نعمت بالنفوذ الإيراني المتشعب على أراضيها، وفي مفاصل دولها وفي نسيج مجتمعاتها، علما أن كل التدخلات الخارجية مرفوضة.

وخلال ذلك، فإن الأردن وإيران يتبادلان التمثيل الدبلوماسي، وثمة سفير إيراني في عمّان يقوم بمهامه الدبلوماسية على رأس بعثة بلاده، وتواصل السفارة الأردنية في طهران عملها المعتاد، في غياب السفير الذي تم سحبه إثر الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، وضمن موجة التضامن مع الرياض في مطلع 2016، العام الذي عرف طلباً إيرانياً من الأردن باستقبال نصف مليون سائح إيراني! ومن الواضح أنها سياحة سياسية أو لأغراض سياسية، لا دينية محضة، وبذلك فإن طهران تضيف ما هو جديد ونوعي إلى الأنشطة السياحية المعهودة في العالم.

(العربي الجديد)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts