منير شفيق
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

ظاهرة الإهانة وقبول المهانة

منير شفيق
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

ثمة ظاهرة جديدة ابتدعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السياسة الدولية، وعلى التحديد في التعامل بين أمريكا وكل من خصومها وحلفائها على حد سواء، وهي ظاهرة توجيه الإهانة ووضع الآخر في المهانة، أو ظاهرة سقوط الحد الأدنى من الاحترام في معاملة الآخر، وسقوط الحد الأدنى من احترام النفس من جانب المتعامل مع أمريكا أو الراضي بالاستجابة لما تطلبه منه.

قد يعتبر البعض أن هذه الظاهرة شكلية، وتتعلق بالشكل لا بالجوهر، أو المحتوى. ولكن لا يلحظ هذا البعض أن الشكل يظل مهماً في العلاقات الدولية، ويظل مهماً لعلاقة المعني بشعبية وسمعة دولته وكرامته الشخصية، بل ويظل مهماً حتى للمحتوى أو هكذا كان العرف السابق في الأقل.

فعلى سبيل المثال، فاجأ ترامب العالم، عندما وجه كلامه للقادة السعوديين، قائلاً، بما معناه: لولا حمايتنا لكم لما بقيتم أسبوعين من دوننا. لهذا عليكم أن تدفعوا مقابل ذلك، وأنتم أثرياء.

وفاجأ القادة السعوديون العالم حين ابتلعوا هذه الإهانة، وقابلوها بابتسامة ورضا، كأنهم سمعوا مديحاً وتقريظاً، ونسوا كل ما يدعونه من دور قيادي في العالم الإسلامي، والتحكم بالأمانة العامة لمؤتمر التعاون الإسلامي، هذا من دون نسيان الادعاء بحماية الكعبة وتأمين حج ملايين المسلمين ورعايته.

كيف لا يراعي دونالد ترامب بعض ذلك إن لم يكن كله؟ وكيف لا يهتم بالمحافظة على ظاهر الموقف السعودي في الأقل، وهو الذي يريد أن يكون أداته بين العرب والمسلمين، بما في ذلك في تصفية القضية الفلسطينية؟

حقاً إنه استهتار بالسعودية بلا حدود. إنه استهتار بالشعب أيضاً حين يهين قادته، وحين يبتلعون الإهانة ويقبلون بالمهانة ولا يُرد عليها، ولو بالحد الأدنى. ثم هو استهتار بكل من يتعامل مع السعودية دولاً وأفراداً، أو سياسياً وإعلامياً.

 الإشكال الأهم هنا يتعلق بأمريكا نفسها؛ كيف تحتمل أن يكون لها رئيس يتعامل بعيداً عن كل احترام للنفس، أو لهيبة الدولة، أو للحلفاء؟

على أن الإشكال الأهم هنا يتعلق بأمريكا نفسها؛ كيف تحتمل أن يكون لها رئيس يتعامل بعيداً عن كل احترام للنفس، أو لهيبة الدولة، أو للحلفاء؟

صحيح أن أمريكا قامت على الانتصار في حربين عالميتين، كما على عشرات حروب الغزو والاحتلال والانقلابات العسكرية، ولكنها كانت تغلف علاقاتها بدرجة من مراعاة هيبة حلفائها وعملائها، ولو بالحد الأدنى من الاحترام الشكلي. طبعاً كانت تفلت حالات، أما ترامب فقد راح يتعمد إهانة حلفائه ومن يقترب منه، راضياً أو سُخرة أو ابتزازاً. فإلى متى يمكن أن تحتمل أمريكا مثل هذا الرئيس؟ وإلى متى يمكن للحلفاء أو للخاضعين كرهاً، أو عن رضا، أن يعيشوا مع الإهانة، وفي المهانة، ويكونوا حكاماً من دون احترام للنفس؟

في الأسبوعين الماضيين شهدت تلك الظاهرة مثلين صارخين بالإهانة وقبول المهانة، “كأن شيئاً لم يكن”.

المثل الأول التعامل الأمريكي مع السودان، حكومة مدنية وقيادة عسكرية وشعباً منكوباً.

لندع جانباً المحتوى السياسي الكارثي بانضمام السودان حكومة وقيادة عسكرية للخضوع لدونالد ترامب، والذهاب باتجاه التطبيع مع العدو الصهيوني، وذلك بالرغم من رفض شعبي أكيد، واعتراض نخب وقيادات مرموقة.

فقد صاحب هذا الخضوع توجيه الإهانة إلى حد الإذلال، ليس للقادة المعنيين فحسب، وإنما أيضاً للسودان كله، وذلك حين لم يكتف دونالد ترامب بكل ما قدموه طلباً لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، إذ لم يبق إلا الركوع على الركبتين وتقبيل اليدين. لم يكتف بلقاء رئيس المجلس السيادي الانتقالي عبد الفتاح البرهان بنتنياهو، وإبداء الاستعداد للتطبيع مع الكيان الصهيوني، فكل هذا غير كافٍ إلا إذا قرن بإعلان اتفاق تحالفي مع نتنياهو من نمط اتفاق محمد بن زايد وملك البحرين، يعني التوقيع بالإكراه، وعدم القبول بالتأجيل.

رئيس الحكومة أعطى سبباً يتعلق بكون السودان يمر بمرحلة انتقالية، ويحتاج لاستكمال مؤسساته للشرعية من خلال الانتخابات، مع وعد بالتطبيع.

ترامب لم يقنعه كل هذا الانبطاح، وقرر أن يضع المسؤولين أمام ابتزاز بلطجي مهين بكل ما تحمل الكلمة، وإلا لن يرفع اسم السودان من القائمة السوداء. ما هذا؟ كما فرض أن تدفع الحكومة السودانية، بالابتزاز طبعاً، 350 مليون دولار بمعدل عشرة ملايين دولار تعويضاً لكل أمريكي من ضحايا عمليتين عسكريتين اتهم بهما السودان، بلا دليل أو قرار محكمة، مما اضطر الحكومة لجمعها من شعب جائع، مع وعد بالتطبيع ليُرفع اسم السودان من “القائمة”.

حقاً ما هذا؟ علماً أن ما حدث في السودان من تغيير في السياسة والنظام والقيادات يجعل استمرار إبقائه في قائمة الإرهاب فضيحة ما بعدها فضيحة. فقد سقط، عملياً، السبب الأساسي حتى من وجهة النظر الأمريكية لوضع السودان في تلك القائمة (الابتزازية الإرهابية الأمريكية المخالفة للقانون الدولي).

المثل الثاني في توجيه الإهانة ووضع “الحليف” في موقع “الإهانة” جاء عن طريق نتنياهو، التلميذ النجيب الذي يقلد دونالد ترامب في تلكم الظاهرة الجديدة. فلم يكتف نتنياهو بالإهانة التي وجهها لكل من محمد بن زايد وملك البحرين حين نفى أنه تعهد لهما بوقف الضم أو تأجيله، وذلك ليقول لهما جئتما وفقاً لشروطنا، ولا تنبسا ببنت شفة.

سكتا عن هذه الإهانة وقبلا بالمهانة، ومضيا في التوقيع. ولكن نتنياهو، وقبل أن يجف الحبر الذي وقع به، قرر في منتصف الشهر الجاري بناء خمسة آلاف وحدة سكنية في المستوطنات المعدة للضم. أي صادر أراض جديدة، ليوجه إهانة أخرى أشد من الأولى، مسقطاً نهائياً أية ذريعة يبرران بها التحالف الخياني. وذلك ليقول لهما: جئتما صاغريْن مهانيْن وستبقيان كذلك لتكونا نموذجاً لكل من سيأتي بعدكما؛ بأن عليه أن يتخلى مثلكما عن كل ما يسمح له بأن يسمى عربياً أو مسلماً أو إماراتياً أو بحرينياً، بل عليه أن ينسى أدنى درجة من العزة وكرامة النفس.

(عربي21)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts