حسن أبو هنية
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

ظلال أفغانستان في الشرق الأوسط

حسن أبو هنية
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

عقب سيطرة حركة طالبان على أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي الفوضوي، وتخليها عن حليفتها الحكومة الأفغانية، تنامى شعور القلق لدى حكومات الشرق الأوسط من تكرار السيناريو الأمريكي في المنطقة، وباتت أكثر تحفظا في مواقفها تجاه قضايا عديدة. وقد تعاظمت مشاعر الخوف من تخلي أمريكا عن حلفائها بعد تجاوزها فرنسا وتشكيل شراكة جديدة مع المملكة المتحدة وأستراليا؛ تهدف إلى الحفاظ على توازن ملائم للقوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

إن سلوك الولايات المتحدة بالتخلّي عن أصدقائها أقرب إلى كونه حقيقة، فالوقائع التاريخية تشير إلى حوادث عدة وقعت في الشرق الأوسط تعزز الاعتقاد بأن الأمريكيين أكثر استعدادا للتضحية بالشعوب التي لا تجمعهم معها روابط ثقافية كبيرة، لكن المؤكد أن الولايات المتحدة تعتمد في علاقاتها على حسابات الكلفة والمصلحة، وهو ما دعاها إلى الانسحاب من المنطقة في مناسبات عديدة بعد ترجيح كفة الانسحاب على البقاء، حيث تؤدي السياسات الداخلية والدوافع الانعزالية دورا مهمّا، وقد ظهر ذلك جليا، سواء في بيروت في 1984، أو أفغانستان بعد 1989، أو العراق في 1991.

لا تزال دول الشرق الأوسط في حيرة من موقف الولايات المتحدة، وقد دفع ذلك إلى تبني دول المنطقة سياسات محافظة حد الجمود، وتفاقمت مشاعر النبذ لدى زعماء الشرق الأوسط مع تراجع أهمية المنطقة الاستراتيجية وتحولها تجاه آسيا المحيط الهادي، مع تنامي القوة الاقتصادية لدول منطقة جنوب شرق آسيا؛ بالتزامن مع تنامي قوة الصين التي أصبحت تمثل تهديدا للمصالح الأمريكية في هذه المنطقة. إذ عادت منطقة جنوب شرق آسيا إلى بؤرة اهتمام السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وهو ما ظهر من خلال سياسة “المحور الآسيوي” خلال حقبة إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، بداية من عام 2011.

خلال العقد الماضي، حاول ثلاثة رؤساء تقليص الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، حيث وصفت المنطقة بكونها “مستنقعا استراتيجيا”، لكن الحقيقة أن الولايات المتحدة سوف تبقى عالقة في المنطقة، نظراً لوجود المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية التي تجمعها معها روابط ثقافية، ولأن المنطقة لا تزال تحتفظ بمصالح تهم الولايات المتحدة رغم تراجع أهميتها؛ وهي النفط والموقع الاستراتيجي والإرهاب. ويبدو أنه من غير المُرجَّح أن تغادر الولايات المتحدة الشرق الأوسط نهائيا، لكنها ستحد من وجودها وتدخلاتها في المنطقة.

إن قلق المستبدين العرب مبرر لكنه مبالغ فيه، فالولايات المتحدة ملتزمة برعاية الاستبداد في الشرق الأوسط، ولا تعدو في رؤية الرئيس الأمريكي جو بايدن لإنقاذ السياسية الخارجية الأمريكية بعد رحيل ترامب، عن كونها حبرا على ورق، فقد ذهبت تعهداته التي طرحها في مقاله في الفورين أفيرز في آذار/ مارس 2020 أدراج الرياح، وتبخرت فور انتخابه وعوده بتبني أجندة لمقاومة السلطوية والدفاع عن حقوق الإنسان داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها.

وكان بايدن قد صرح في تغريدة له على توتير في تموز/ يوليو 2020، بأن “لا شيكات على بياض مجددا لديكتاتور ترامب المفضل”، وذلك في إشارة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وكان بايدن مراوغا كأسلافه حين كتب في مقالته: “من هونغ كونغ إلى السودان، ومن تشيلي إلى لبنان، يذكّرنا المواطنون، مرّة أخرى، بالتوق المشترك إلى الحكم الرشيد، والبغض العالمي للفساد”، الذي وصفه بأنه “وباء خبيث، يؤجّج القمع، ويقوّض كرامة الإنسان، ويزود القادة الاستبداديين بأداة قوية لتقسيم الديمقراطيات وإضعافها في جميع أنحاء العالم”.

ويبدو أن ترامب ينتمي إلى الفريق الآخر، ويأخذ كلام المستبدّين بينما يُظهر ازدراء الديمقراطيين، من خلال ترؤسه أكثر الإدارات فسادا في التاريخ الأمريكي الحديث، فقد منح الرخصة للفاسدين في كل مكان.

لا تزال إدارة بايدن تدعي أنها مغايرة ومختلفة، لكن اختلافها لا يخرج عن صنف الرطانة البلاغية. وقد كشفت تصريحات مستشاري بايدن في مناسبات عديدة، أن أهم أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، تتمثل في برامج إيران التي تزعزع الاستقرار في المنطقة، ومن بينها البرنامج النووي، وكذلك تأمين إسرائيل، وتعزيز السلام بين العرب وإسرائيل، وإنهاء الحروب في اليمن وليبيا، وتعزيز وضع حقوق الإنسان. وباستثتاء الالتزام بتأمين إسرائيل، فإن ما تبقى هو كذب صراح.

تكشفت وعود بايدن عن وهم في القضايا كافة؛ ففي ما يتعلق بأزمة اغتيال خاشقجي، ورغم أن إدارة بايدن وفت بوعدها بنشر التقرير الاستخباراتي الذي يشير إلى أن عملية الاغتيال أو الاستهداف تمت بأوامر من الأمير محمد بن سلمان، إلا أن النشطاء الليبراليين بمن فيهم قيادات في حزبه أبدوا خيبة أملهم في عدم فرض عقوبات على الأمير، والاكتفاء بفرض عقوبات على قيادات استخباراتية وأمنية يعتقد بتورطها في العملية. ووصل بايدن لهذا القرار بعد أسابيع من الجدل؛ الذي تلقى خلاله نصيحة من فريق الأمن القومي، بأنه لا توجد طريقة رسمية لمنع الأمير محمد من دخول الولايات المتحدة، أو توجيه تهم جنائية له، دون الإخلال بالعلاقة مع السعودية التي تعد أهم الحلفاء العرب لأمريكا، حسبما ورد في تقرير صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.

أما في ما يتعلق بحرب اليمن، فقد نُصح بأن إنهاء الدعم الأمريكي للسعودية في هذه الحرب، قد يؤدي إلى تنفير الحلفاء التقليديين لبعض الوقت، ولكن هذا لن يستمر بسبب المصالح المشتركة في المنطقة. والأرجح أيضا حسب الصحيفة، أن بايدن سوف يغير قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من المنطقة، نظرا إلى أن هذا قد يقلل النفوذ الأمريكي في المنطقة. ويمكن أن تصير الأولوية الكبرى بالنسبة للسياسة الأمريكية بالشرق الأوسط هي التعامل مع مشكلات إيران، والإبقاء على علاقات معقولة مع إسرائيل.

وأما بخصوص القضية الفلسطينية، فإن بايدن لا يستطيع التراجع عن كل الأذى الذي ألحقه ترامب بالفلسطينيين، وموقفه من القدس غامض رغم تشدقه بإعادة الالتزام بـ”حل الدولتين”.

لقد بات واضحا أن أفكار بناء الدولة ونشر الديمقراطية بالقوة خرافة أمريكية سمجة، وقد فضحت عودة “طالبان” للحكم في أفغانستان كذبة بناء الأمة وتحقيق الديمقراطية والالتزام بحقوق الإنسان، وعادت الرطانة البراغماتية بقبول الاستبداد الشرق أوسطي باعتباره شرا لا بد منه. وكما قالت الواشنطن بوست، فسواء كان حكما عسكريا أم ملكيا أم ديكتاتورية أغلبية، سيتمتع مستبدو الشرق الأوسط بحرية حركة أكثر من أي وقت مضى خلال العقدين الماضيين، وسيتعرض المستبدون للنقد بسبب انتهاكهم لحقوق الانسان، لكن فقط من باب تسجيل المواقف.

فمن غير الوارد أن تقدم حكومة أجنبية على تعريض علاقتها بهؤلاء المستبدين للخطر من أجل حثهم على إدخال إصلاحات ديمقراطية، ولا يعني هذا مزيدا من الاستقرار لنظم الشرق الأوسط، بل مزيدا من الجمود. فكما كان الحال في الماضي، فإن قشرة الهدوء التي يفرضها الاستبداد لا تحل الصراعات الاجتماعية حول التحديث بقدر ما تخفيها.

ينسحب الرئيس جو بايدن من أفغانستان على أساس حسابات معقولة كما تقول بلومبيرغ، إذ تواجه الولايات المتحدة تحديات أكبر في أماكن أخرى، وقد أدَّى تدخُّلها العسكري في أفغانستان إلى نتائج مخيِّبة للآمال. لكن الخروج لن يخفِّف من منابع عدم الاستقرار في المنطقة الأكبر، بل ربما يفاقم منها. ومن المُحتَمَل أن يتزايد التهديد من الجماعات المتطرفة، حيث تتضاءل قدرة الولايات المتحدة على “مراقبة وقمع” هذا الخطر.

ولا يبدو أن ميزان القوى الإقليمي مستقر بشكلٍ خاص، حيث تستمر إيران في نشر نفوذها وتوسيعه نحو القدرات النووية. والآن، بعد سقوط كابول، بالتأكيد يشعر حلفاء الولايات المتحدة الإقليميون بالقلق بشأن موثوقية راعيهم.

كلُّ هذا يعني أن السنوات القليلة المقبلة لن تجلب أيَّ تخفيف للأزمات التي تتطلَّب اهتمام هذه القوة العظمى، فجذور البؤس الأمريكي في الشرق الأوسط أن المصالح الأمريكية هناك حقيقية، وأن التهديدات التي تواجهها أثبتت أنها مستعصية على الحل. والمفارقة في سياسة بايدن أنها قد تزيد من حِدَّة تلك المعضلة.

خلاصة القول: سياسات الرئيس الأمريكي بايدن كارثية في الشرق الأوسط، وتنتمي إلى تقاليد أمريكية راسخة من دعم الاستبداد العربي ورعاية المستعمرة الإسرائيلية، ولا تعدو الالتزامات بنشر الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان وإنهاء الحروب عن كونها دعاية رخيصة.

فالولايات المتحدة كدولة إمبريالية تقوم على مسألة التراكم الرأسمالي عبر الدمار والهدر والعسكرة، حسب علي القادري. والحروب الإمبريالية في المنطقة العربية ليست مجرد محاولات للسيطرة الاستراتيجية على النفط والنفوذ، بل هي في حد ذاتها شكل من أشكال إنتاج الربح. وتبدو الولايات المتحدة أكثر التزاما بنشر الدكتاتورية في لحظة تنتابها مشاعر الأفول، وبروز قوى منافسة، وهو ما يدفعها إلى مزيد من العنف تجاه المنطقة، فالعنف هو نتاج تآكل القوة كما بيّنت حنة أرندت.

(عربي21)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts