عبر”أرض الصومال”.. هل تدفع مصر مقديشو لـ”فخ” سد النهضة؟

عبر”أرض الصومال”.. هل تدفع مصر مقديشو لـ”فخ” سد النهضة؟

حذّر محللون صوماليون من أن مساعي مصر لتوطيد علاقاتها مع إقليم “أرض الصومال” المتمتع بشبه حكم ذاتي (شمال) هي محاولة لحرف مقديشو عن موقفها المحايد وجرها إلى “فخ” الأزمة بين القاهرة وأديس أبابا حول مياه نهر النيل.

وقال المحللون، في أحاديث للأناضول، إن مصر تكثف العلاقات والزيارات الدبلوماسية لمدينة هرجيسا، عاصمة الإقليم، ضمن جهودها للضغط على إثيوبيا من أجل الاستجابة لمطالب القاهرة بشأن ملء وتشغيل سد “النهضة” الإثيوبي على النيل الأزرق، أحد روافد نهر النيل.

ويتخذ الصومال موقفا محايدا في أزمة السد بين حليفتيه مصر وإثيوبيا، خاصة مع وجود إقليم حدودي مع الأخيرة هو “أرض الصومال”، إذ ترغب مقديشو بالنأي بنفسها من ارتدادات هذا الصراع المائي.

** مناورة سياسية

محمود محمد، رئيس مركز هرجيسا للدرسات والبحوث، قال للأناضول، إن “مصر كونها دولة محورية في المنطقة تحاول قدر الإمكان اختبار جميع إمكانياتها للضغط على إثيوبيا، ولو عبر تأخير اكتمال مشروع السد، من خلال زياراتها الدبلوماسية لإقليم أرض الصومال”.

وحول احتمال إقامة قاعدة عسكرية مصرية في “أرض الصومال”، استبعد محمد أن “تتحقق مساعي مصر نظرا لارتباط الإقليم الجغرافي والاقتصادي بجارته إثيوبيا طيلة 30 عاما”.

ورأى أن “زيارة الوفد المصري الأخيرة للإقليم (منتصف يوليو/ تموز الماضي) ربما تأتي من باب المناورة السياسية لحفظ ماء الوجه أمام التعنت الإثيوبي في مشروع سد النهضة”.

وتصر أديس أبابا على ملء وتشغيل السد حتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق مع القاهرة والخرطوم، بينما ترفض الأخيرتان إقدام إثيوبيا على هذه الخطوة من دون اتفاق ثلاثي.

وتابع محمد أن “العلاقة المستجدة بين مصر وإقليم أرض الصومال لا يمكن أن تُقرأ بمعزل عن محاولة القاهرة معاقبة مقديشو على موقفها الحيادي من أزمة السد، ومحاولة جرها إلى فخ الأزمة المشتعلة بين الطرفين، وهو ما يرسم منحى جديدا للعلاقات التاريخية بين الصومال ومصر”.

وفجأة، تبدل في مارس/ آذار الماضي موقف الصومال المؤيد لقرار أصدرته جامعة الدول العربية يؤكد على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، ليعلن موقفا محايدا، مع الإعراب عن الاستعداد لمساعدة القاهرة وأديس أبابا في تسوية خلافاتهما سلميا.

** على خطى الإمارات

محمد ابتدون، الباحث في مركز الصومال للدراسات، رأى أن “مساعي مصر لإقامة قاعدة عسكرية في إقليم أرض الصومال تبدو نسخا ولصقا من محاولة الإمارات الفاشلة لإرساء قاعدة عسكرية في الإقليم من دون موافقة الحكومة الفيدرالية في مقديشو”.

وأضاف ابتدون للأناضول أن “موقف الصومال المحايد ربما يدفع مصر إلى اتخاذ موقف سياسي متهور تجاه رغبتها في إيجاد موطئ قدم عسكري في الإقليم، وهو ما ينافي القانون والمواثيق الدولية، فالحكومة المركزية هي المسؤولة عن هذه المسائل السيادية، وإن كانت في موقف ضعف حاليا بشأن تأمين حدودها”.

واعتبر أن “مشروع سد النهضة بات أمرا واقعا بالنسبة لإثيوبيا.. خيارات الضغط على إثيوبيا مفتوحة بالنسبة لمصر عبر قنوات دبلوماسية رسمية، لكن على الصعيد العسكري قد يكلف الأمر مصر وقتا ربما أطول مما تحتاجه إثيوبيا لإنجاح مشروع السد، وهو ما يعزز مبررات إثيوبيا ويضعها في موقف سلمي قد يكسبها مزيدا من الدعم لمشروعها التاريخي”.

وألغت إدارة “أرض الصومال” في أغسطس/آب 2019، اتفاقا كانت قد أعطت بموجبه الإمارات صلاحيات لبناء قاعدة عسكرية في مدينة بربر الساحلية، وذلك تحت ضغط الحكومة الفيدرالية وتوجس داخلي من تداعيات إقامة هذه القاعدة.

** أهمية الإقليم لإثيوبيا

ومنذ 1991، يتمتع “أرض الصومال” بحكم شبه ذاتي، ويطالب باعتراف دولي بانفصاله الكامل عن الصومال، لكنه حتى الآن غير معترف به رسميا كدولة.

وبعيدا عن هوس الرغبة في الحصول على اعتراف دولي، فإنه ليس من الهين على الإقليم فك ارتباطه المتجذر بجارته إثيوبيا.

ووفقا لعبد الرشيد حاشي، رئيس معهد هيراتيج للدراسات السياسية، فإن “الحكومة الصومالية وإقليم أرض الصومال لا يمكنهما حاليا التورط في خلافات إقليمية ربما لا تأمنان ارتداداتها مستقبلا، في حال هدأ غبار تلك الخلافات بين مصر وإثيوبيا”.

وتابع حاشي للأناضول أن “التحرك المصري المتأخر ربما لا يدفع الإقليم، على الأقل في الوقت الحاضر، إلى إدارة ظهره لإثيوبيا بسبب المصالح الاقتصادية والحسابات الاستراتيجية الأخرى، لكنه ليس مستبعدا في الوقت نفسه أن يحاول الإقليم تحقيق مكاسب سياسية مؤقتة عبر اقحام نفسه في هذا النزاع المائي”.

وبحكم الموقع الجغرافي لإثيوبيا، فإنه من الصعب على أديس أبابا خسارة أحد أهم ممراتها المائية (أرض الصومال) بعد جيبوتي، وفقا لمراقبين.

ويقول هؤلاء إن ثمة حلم مشترك بين الطرفين ببناء ممر تجاري يربط بربرة مع أديس أبابا لانعاش الرافعة الاقتصادية للجانبين، إضافة إلى تشكيل قوات بحرية، وهو ما قد يكون جزءا من معادلة إقليمية للأمن البحري في منطقة القرن الإفريقي.

وعقب زيارة الوفد المصري لهرجيسا، قال نائب وزير خارجية الإقليم، إن مصر دولة محورية قد تلعب دورا في مساعدة الإقليم على الحصول على اعتراف دولي.

لكن محمود محمد، قلل من هذا التصريح، معتبرا أنه “مجرد محاولة من الإدارة الحالية للملمة تراجع شعبيتها داخليا وللتأكيد على تعهدها بفتح قنوات دبلوماسية تمكنها من الحصول على اعتراف دولي، من دون التأثير على علاقاتها مع إثيوبيا”.

وبشأن التحذيرات الإثيوبية حول نية مصر إقامة قاعدة عسكرية في “أرض الصومال”، أجاب محمد ابتدون، بأن “إثيوبيا تعيش في حالة بركان ثورة داخلية، ومشروع سد النهضة يشكل بالنسبة للحكومة العصا السحرية الوحيدة لتهدئة هذا البركان”.

ويحاول رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، كسب شعبية عبر السد، في مواجهة أزمات داخلية متصاعدة، عقب تأجيل انتخابات محلية، كانت مقررة في أغسطس/آب الجاري إلى أجل غير مسمى؛ خشية من جائحة “كورونا”.

وختم ابتدون بأن هذا الوضع الإثيوبي الداخلي “هو ما يدفع أديس أبابا للرد على كل خطوة مصرية تجاه المشروع الضخم، رغم أن الإقليم لا يستطيع الرضوخ لضغوط أي دولة أخرى دون علم إثيوبيا”.

ومن المقرر أن تستأنف كل من مصر وإثيوبيا والسودان، الثلاثاء، التفاوض حول السد، عبر العمل على توحيد نصوص اتفاقيات مقدمة من الدول الثلاث.

وتعثرت المفاوضات بين الدول الثلاث على مدار السنوات الماضية، وسط اتهامات متبادلة بين القاهرة وأديس أبابا بالتعنت والرغبة بفرض حلول غير واقعية.

فيما تقول أديس أبابا إنها لا تستهدف الإضرار بمصالح مصر والسودان، وإن الهدف من بناء السد هو توليد الكهرباء بالأساس.

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: