ياسر الزعاترة
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

عن الطبيب الكاتب و”عامان من العزلة” في ظل “كورونا”

ياسر الزعاترة
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

بعنوان: “عامان من العزلة.. مآلات الجائحة”؛ صدر كتاب جديد ولافت للكاتب الطبيب، والطبيب الكاتب عاصم منصور، وذلك عن “معهد السياسة والمجتمع”، و”الأهلية للنشر والتوزيع” في عمّان.

في العادة لا يبدو من السهل التعامل مع كتاب، هو في معظم مضمونه مجموعة من المقالات المنشورة خلال فترة من الفترات، لكن الأمر يبدو مختلفا حين تتعلق جميعها بحدث كبير ومفصلي لم تعرف له البشرية مثيلا منذ قرن كامل، كما هو حال جائحة “كورونا”.

والنتيجة أنه يركّز على فترة فارقة وبالغة الأهمية من حياة البشرية، حيث لم تعش الأجيال الحالية شيئا مشابها، فيما قرأ بعضها عن “الانفلونزا الإسبانية” في العام 1918، مع فارق أن الأخيرة لم تشمل العالم كله، كما هو حال “كورونا” الذي وصل كل مكان تقريبا.

سيتحدث البعض عن جوائح أخرى لا ينساها الكتاب؛ قبل وبعد “الانفلونزا الإسبانية”، لكن ما بعد الأخيرة وقبل “كورونا”، لم تكن له بذات الحضور والتأثير، وزاد تأثيرها تبعا لمجيئها في ظل ثورة الاتصالات وزمن مواقع التواصل.

وما يمنح الكتاب قدرا كبيرا من الأهمية أيضا، هو عدم اقتصاره على يوميات الحدث أو فصوله التي تابعها بدقة وشمولية؛ وبعيدا عن الانطباعية والإنشائية التي تسم كثيرا من المقالات الصحفية، ووصوله إلى ما هو أعمق في التعاطي مع الجائحة وفصولها وتبعاتها وتداعياتها. وحتى حين كان يمرّ على ما جرى في السياق المحلي الأردني من حيث تقييم التعاطي مع الجائحة، فقد كان يضع الأمر في سياق أكثر عمقا وشمولا، من حيث طرح أسئلة الحاضر والمستقبل في آن، أعني في التعامل مع الملف الصحي الذي يمثّل مسألة حيوية في حياة البشر والدول، ناهيك عن قراءة تجارب الآخرين في التعامل مع الجائحة، وفي مقدمتها “المثال الصيني”، فضلا عن أمثلة أخرى عديدة.

من النادر أن تعثر على مثل هذه المقاربات في الصحافة العربية، أعني تلك التي تجمع بين الطبي والفكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، بل وحتى النفسي أيضا، الأمر الذي يحتاج لثقافة شمولية تجدها واضحة عند صاحب الكتاب الذي يستثمر حديث الجائحة ليكشف الكثير من أمراض مجتمعاتنا وحكوماتنا؛ إن كان في السياقات الطبية والصحية، أم على صعيد الفشل الحكومي المزمن ومنظومات الفساد، أم أنماط التفكير المجتمعي حيال الأحداث الكبرى، كما هو الحال فيما يتعلق بنظرية المؤامرة التي شاعت خلال الجائحة، وصارت وباءً من نوع آخر يهدد صحة المجتمع الجسدية والنفسية في آن، بخاصة حين تجاوز مسألة الاعتراف بوجود الجائحة، إلى التشكيك بطرائق التعامل معها، وصولا إلى تقبّل المطاعيم التي تحاصرها.

وفي حين قد يبدو التعامل مع تفاصيل الجائحة والتعامل معها في البعد المحلي؛ أقل أهمية، تبعا لظهور النتائج على الأرض، من إصابات محدودة تمت مواجهتها بإجراءات أصابت الاقتصاد ومعيشة الناس على نحو لافت، إلا أن الأمر ليس كذلك، لأنه يرسم معالم للتعامل مع الشأن الصحي برمته في المستقبل، لا سيما أن أحدا لا يمكنه الحديث عن نهاية حتمية قريبة للجائحة، في ذات الوقت الذي لا يضمن ظهور جوائح أخرى مستقبلا (دعك هنا من التبعات المدمّرة للتغير المناخي)، فضلا عن صلة الأمر بمنظومة صحية متكاملة، بل وإدارية أكثر شمولا؛ إذا أخفقت هنا، فستخفق هناك.

والكتاب يعالج الأمر في سياقه العالمي أيضا، من حيث فضح الجائحة لأمراض المنظومة العالمية وصراعاتها، وفي مقدمتها الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وقضايا التمييز العنصري، وسوى ذلك.

الكتاب جميل، وهو؛ وإن بدا من اللون الخفيف الذي لا يثقل على القارئ، إلا أن فيه الكثير من العمق في الطرح والغنى في المعلومات العلمية والتاريخية والثقافية، بجانب اللغة الجميلة، وكل ذلك يبدو نادرا في المقالات التقليدية التي تركّز غالبا على ما هو عابر، من دون أن تمنحك مادة ذات قيمة كبيرة على صعيد الربط بين الماضي والحاضر، بجانب الربط بين الأبعاد الثقافية والاجتماعية والطبية والسياسية في آن.

إنه لون من الكتابة لا يتوفّر بكثرة؛ لا في الصحافة، ولا في الإصدارات التقليدية، ما يجعل الكتاب جميلا ويستحق القراءة، بخاصة بعد التصنيف الموفق الذي وُضعت فيه المقالات، والذي يمنح القارئ سلاسة في الانتقال من ملف إلى آخر، ومن مرحلة إلى أخرى من مراحل الجائحة؛ محمولا على مادة علمية وثقافية ليس من السهل العثور عليها بهذا المستوى من العمق.

قيل الكثير عن “كورونا”، وحدث اشتباك عجيب وتناقضات لا تحصى في سياق توصيفه والتعامل معه، ومع تداعياته على كل مختلف الصعد، وما من شك أن لهذا الكتاب مكان في هذا السياق، وذلك نظرا لشموليته في قراءة الجائحة وأسئلتها وتداعياتها على كل صعيد.

فاصل: في العام 1947؛ صدرت رواية “الطاعون” للكاتب الفرنسي الشهير “ألبير كامو”، وذلك بعد 29 عاما على جائحة “الإنفلونزا الإسبانية” (1918).

خلال العامين الماضيين قرأها الملايين في العالم بلغات شتى، تبعا لتشابه الحالة والأحداث. في ظنّي أن أجيالا قادمة، ستجد في هذا الكتاب ما يعينها على فهم ما جرى؛ وإن لم يكن هدف الكاتب هو التأريخ، مع أننا لا نتمنى لتلك الأجيال أن تعيش جوائج أخرى؛ لا أسوأ ولا أقل سوءا.

(عربي21)

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts