فاروق بدران.. قرآنٌ يمشي على الأرض.. حضنه ورحل

فاروق بدران.. قرآنٌ يمشي على الأرض.. حضنه ورحل

عمان – البوصلة

ليس مبالغة أن يقال إن الراحل “فاروق بدران” رحمه الله كان قرآنًا يمشي على الأرض؛ بل إن الذين عاصروه وعايشوا وعملوا معه وعرفوه عن قرب يعلمون علم اليقين أنه يكاد ينتمي لذلك “الجيل القرآني الفريد” الذي اغترف مباشرة من خاتم الأنبياء الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – فكان القرآن رفيقه وحديثه ولسان حاله؛ بل أكثر من ذلك فإنه حضن المصحف على صدره وقال لأهله: “سآخذه معي” قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.

فاروق بدران “قرآنٌ يمشي على الأرض”

يصف ماجد أبو غزاله المدير الإداري لمعهد الفكري الإسلامي فاروق بدران بأنه “من الأوفياء”، ويقول في تصريحات لـ “البوصلة“: “فقدت هذه الأمة، وهذا الوطن، وهذه العائلة رجلًا وفيّاً لدينه وعلمه ومجتمعه، حيث كان له الأثر الكبير من عطائه وتفكيره وجهوده ليلاً ونهاراً.

ويضيف أبو غزاله أن فاروق بدران سخر الأخلاق والتربية في سلوكه وكلامه لخدمة بلده وأهله وأمته، ليكون قرآناً يمشي بين الناس، وسخر العلم والخبرة طيلة حياته لكل من تعامل معه أو عرفه لينهض وينمي ويطور الفكر والمعرفة لديهم، مشددًا على أنه “خدم العلماء والدعاة والمربين وطلاب العلم، وكان بينهم الشخص الوفي في العطاء والتقدم والمعونة”.

وأشاد بمناقب الراحل قائلا: إنه كان رحمه الله صاحب يد بيضاء في المجتمع ساعد في دعم أشخاص عفيفين في طلب الرزق الحلال، وطلب العلم، وطلب العفاف، وطلب العلاج، وغيرهم.

وأضاف كان رحمه الله وفيّاً لوطنه ولقضيته وخدمهما بكل إخلاص وتفاني، بدءاً من مقعد الوظيفة إلى ساحة العمل وميادين العطاء في كل مكان، لينهل المجتمع من انجازته وعلاقاته المتجددة والتي لم تتعبه أو تثنيه عن تقديم ما يستطيع عمله بأكمل صورة وعلى الوجه الذي يرضي ربه ثم عباده.

ويتابع حديثه قائلا: كان رحمه الله نموذج الشخص الوفي لعائلته فقد حصل على رضا والديه وإخوته وزوجته وأبناءه وأحفاده(فهي علامة له من علامات رضى الله عنه)، وأحبه كل من تعرف عليه في بيته أو عمله أو ميادين العلم والعطاء (وهي علامة من علامات محبة الله له)، أراد هذا الوفيّ للناس الخير والمحبة والسلام، وقد عاش فيهم في حياته وترك بصمات كبيرة خلفه لها الأثر الكبير في نفوس الناس.

ويؤكد أبو غزاله أن الراحل بدران كان نموذجاً للوفاء لأهل العلم والعطاء، وحذرًا من الجهل والكسل والخمول والبخل، فكان مربياً ناجح لأجيال قادمة، وقدوة حسنة لهم، كان تعامله مع كل الأطياف بموضوعية وعدم انحياز، فقد كره الظلم والفساد وحاربهما من مقاعد علمه وعمله.

وختم حديثه بالقول: “رحمك الله يا أبا عمر وأسكنك فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا”.

حضن المصحف ورحل

يروي الإعلامي حسام غرايبة عن اللحظات الأخيرة للفقيد الراحل فاروق بدران رحمه الله، فيقول إنه أنهكه المرض لدرجة لم يعد يقوى على القيام، وفي يومه الأخير الذي غادر فيه هذه الدنيا، عزّ على أهله إيقاظه لصلاة الفجر؛ ولكنّه انتبه من النوم للصلاة قبل شروق الشمس، فطلب من أهله أن يقيموه ويوضئوه للصلاة، ثمّ صلى الفجر.

يتابع غرايبة حديثه بالقول: بعد أن أنهى فاروق بدران صلاة الفجر طلب من ابنته أن تقرأ على مسامعه القرآن، فلبت طلبه وبدأت تتلوا عليه من كتاب الله وكانت كلما تحشرج صوتها واغرورقت عيناها بالبكاء يقرأ والدها تتمة الآيات.

وبعد أن أنهت تلاوة القرآن على مسامعه، يقول غرايبة: طلب منها والدها أن تعطيه المصحف فضمّه على صدره، وقال: “سآخذه معي”، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ويسلمها للمولى عزّ وجل.

يسترسل غرايبة في الحديث عن اللحظات الأخيرة، ويصف كيف أن عائلته وأبناءه اجتمعوا حوله بعد وفاته مباشرة وبدأت لحظات الضراعة والدعاء من أبنائه له بأن يرحمه الله ويتقبله في الصالحين، وهو الذي كان حريصًا دائما على اجتماعهم في حياته وأن تبقى صلة الرحم والاجتماع على كل خير عنواناً في حياة الأسرة، مشيدًا بهذا النموذج الراقي من الأسر الأردنية التي تصنع من أصعب اللحظات فرصة لتقوية الأواصر وزيادة المودة والرحمة والتفكر في أحوال الدنيا والرضا بقضاء الله وقدره مهما كان.

يقول الإعلامي حسام غرايبة إن الأردن خسر أحد رجالات وقامات الأردن الكبار، الذين كانوا يمثلون أنموذجًا من الرجولة والوفاء وصدق الوعد والسعي نحو خير الأردن وأبنائه أينما كانت تضعهم مسؤولياتهم وواجباتهم نحو الوطن، ويروي أن فاروق بدران حينما كان مديرا عاما لصندوق المعونة الوطنية جاءه محتاجٌ “حافي القدمين” يطلب المعونة والمساعدة فما كان منه إلا أن خلع حذاءه ومنحه لهذا المحتاج!. 

تضبط الساعات على مواعيده

كل من عرف الراحل فاروق بدران لا يمكنه إلا أن يعجب بدقة مواعيده والالتزام بها إشارة لحرصه على اغتنام كل دقيقة وكل ثانية وشدة احترامه لأوقات الآخرين فلا يمكن أن يتأخر عن موعده أبدًا.

يصفه صديقه الشيخ سالم الفلاحات نائب الأمين العام لحزب الشراكة والإنقاذ بأنه: “الذي تضبط الساعات على دقة مواعيده”.

وكما عرفه الجميع ببيته المفتوح دائمًا العامر بالمحبين والأصدقاء رغم وضعه الصحيّ الصعب، فينشر الفلاحات صورة له مع الفقيد فاروق بدران في ثاني أيام عيد الأضحى، ويعلق عليها بالقول: هذه الصورة ثاني أيام العيد، وكنت حرصت على زيارته ومعي أولادي معاذ وعماد، بالرغم من صعوبة وضعه الصحي.

ويختم حديثه بالدعاء للراحل بدران ويضمّه لقائمة العظماء الراحلين الذين عرفهم، قائلا: “أعظم الله أجركم واحسن عزاءكم وغفر له رحم الله أبا عمر، ود محمد مرسي، وأبا سليمان وأبا احمد وأبا معاذ جرار وأبا فارس و د راجح والقائمة الطويلة اللهم، أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها”.

تقبيل رأس فاروق بدران واجب

يقول الدكتور عبدالله الخباص كلاما في في وداع المفكر والمربي فاروق بدران، ويرفض أن يرثيه: لست أقوى على وداعك فكيف أجرؤ على رثائك؟ رحمك الله يا صاحب القلب الكبير والابتسامة الوضاءة والتصرف العفوي المهذب.

ويصف الخباص اللحظات التي عمل بها مع فاروق بدران في جامعة الزرقاء الأهلية ويؤكد أنه كان “قطب الرحى”، وهو تربوي متميز وإداري مبدع ولمبتسم رحمه الله.

يتحدث عن عمله عندما كان فاروق بدران مديرا عاما للادارة في جامعة الزرقاء الأهلية، فيقول: كان ينقل إلي رسائل إدارية كثيرة بخفة ظل وأدب جم حتى لا يثقل علي بكتب رسمية قد تكون صارمة لأنفذها وأنا مرتاح البال مطمئن النفس. ويتابع مالي لا أقول : كنت أرفض تنفيذ بعضها لأنني غير مقتنع بمضمونها فتبين لي بعد ذلك ان هذه الكتب موقعة وصادرة رسميا فيلغيها الأستاذ فاروق بحصافته وأدبه وإدارته البارعة.

ويتابع الدكتور الخباص حديثه بالقول أتستغربون بعد ذلك أن أقول لكم: إنني ما سلّمت عليه منذ ربع قرن حتى قبيل مرضه الأخير إلا وقبّلت رأسه (أو صلعته كما كان يقول لي) وكان يردّد على الملأ.. إنّ اكثر شخصين يلتزمان تماماً بتقبيل رأسي في كل مرة هما عبدالله الخباص وأخوه الدكتور جمعة الخباص. وكنت وأخي سعيدين بذلك أي سعادة لهذا الاحترام وهذا الوقار وهذه المحبة.

ويقول: كنت يا أبا عمر حبيب المستضعفين في الجامعة، ورفيق المراسلين وعمال النظافة وعمال الزراعة والبسطاء تبتسم في وجوههم وتساعدهم ما – استطعت – ماديا ومعنويا.

ويضيف: كنا نسمع دعاءهم لك دائما بالتوفيق فوفاتك أدمعت عيونهم وعيوننا، وأحزنت قلوبهم وقلوبنا.

ويؤكد: لله درك يا أبا عمر غلبتني دمعتي فراقا لحزنك وأجد نفسي بعفوية وحزن أردّد ما قالته الخنساء في رثاء أخيها صخر (وينضاف إليك على صفات صخر ايمان قوي ومحبة لله كبيرة)..

قذى بعينكِ أم بالعين عوّارُ ام ذرّفت إذ خلت من أهلها الدارُ

و إنّ صخراً لوالينا وسيّدنا

وإنّ صخراً إذا نشْتوئ لنحّار

وإنّ صخراً لتأتمّ الهداة به كأنه عَلم في رأسه نارُ.

 (البوصلة)

Share on whatsapp
Share on facebook
Share on twitter
Share on telegram
Share on email
Share on print

رابط مختصر للمادة:

اقرأ أيضاً

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on telegram
Telegram
Share on email
Email
Share on print
Print

رابط مختصر للمادة: