د. أحمد زيدان
Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on whatsapp
WhatsApp
Share on email
Email
Share on telegram
Telegram

رابط مختصر للمادة:

في ذكرى 11 سبتمبر.. أفغانستان بين أمريكا والصين!

د. أحمد زيدان
Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، احتلت أمريكا أفغانستان بعد أن شنت عليها- جنبا إلى جنب مع الدول المتحالفة معها- غارات جوية غير مسبوقة.
قالت الولايات المتحدة حينها إنها تريد أن تبني دولة حديثة ديمقراطية يكون السلام فيها نموذجاً للآخرين. ولكنها في واقع الحال، دمرت الدولة القائمة، وقضت على بنيتها التحتية، ومزقت نسيجها الاجتماعي، وعززت الفوضى العارمة، وأيقظت النزعات الطائفية والعشائرية، وأحيت الروح العصبية، وقتلت وأصابت وشردت سكاناً كثيرين، وجندت الآلاف لخدمتها. وعندما قررت مُرغمة الخروج من البلاد، فعلت ذلك فجأة، ودون تخطيط مُسبق، ودون تنسيق مع حلفائها في الداخل والخارج، فتسببت بفوضى لا حدود لها.

كما عكس حال انسحابها صورة جيش ذليل مهزوم خائب، معنويات جنوده في الحضيض. أما حلفاؤها فعاشوا هول المفاجأة، وقوة الصدمة، فخرجوا عن طورهم متهمين أمريكا بالحليف الذي لا يمكن الاعتماد عليه، والركون إليه، واتخذوا خطوات عملية باستخلاص العبر والانفكاك عنها.
مارست أمريكا والغرب معاً ضغوطات عديدة على أفغانستان طوال الفترة السابقة. حاولت أمريكا أن تفرض نمط حياة بقيمه وسلوكاته الغريبة على البلد وسكانه وثقافته، متجاهلة عادات وتقاليد وعقيدة أهله. وضاربة بعرض الحائط خصائصه التاريخية والدينية والوطنية والجغرافية وغيرها.

المهم أنها قضت في هذا البلد عشرين عاماً، أنفقت خلالها ما بين اثنين لثلاثة ترليون دولار أمريكي، وخسرت الآلاف من جنودها القتلى والجرحى المأزومين، وفقدت ثقة حلفائها، وخلفت وراءها أنواعاً كثيرة وكميات كبيرة من الأسلحة النوعية الحديثة. والأهم من ذلك، أنها خسرت رصيدا من نفوذها جراء هذا الانسحاب المهين، تاركة الباب مفتوحاً على مصراعيه للصين وروسيا وباكستان وإيران وتركيا وغيرها لتحل محلها. كما أنها تجد نفسها مضطرة للتعامل مع حركة طالبان بطريقة أو بأخرى حتى لا تترك الأمر كله للصين وللآخرين. وهي بصدد البحث عن وسيلة تعيدها إلى المربع نفسه، للعمل بآليات جديدة، وعلى نحو مختلف، وبصورة أخرى، كما عبرت هي نفسها عن ذلك، لضمان مصالحها في المنطقة، ولتحسين سمعتها بعد كل ما حصل، وللحيلولة دون تحول أفغانستان إلى بؤرة داعمة للإرهاب، تقض مضجعها وتمثل قلقاً دائما لها.

الانسحاب المذل لأمريكا من أفغانستان، كان نصراً بيِّناً لحركة طالبان، التي تمكنت بعد مقاومة عنيفة وشديدة وطويلة وتضحيات جسيمة أن تطرد الغزاة وتحرِّر البلاد. وأثبت هذا النصر أن جهود أمريكا والغرب في فرض نموذجهم ورؤيتهم وثقافتهم ونمط حياتهم وديمقراطيتهم في هذا البلد باءت بالفشل تماماً. هذا النصر الذي جاء بعد سنوات من العمل العسكري الشاق والمضني لطالبان، جنباً إلى جنب، مع ممارسة العمل السياسي وإدارة علاقات الحركة على الصعيد الدولي، أثبت أن طالبان اكتسبت خبرة عميقة وتجربة ناضجة، صارت بموجبها تعرف متى تتحلى بالمرونة وأين ترسم الخطوط الحمراء.
وقد تجلت مظاهر التجربة والخبرة لديها في أدائها الميداني خلال الأيام الأخيرة التي جرت فيها عمليات الإجلاء بمطار كابُل. فقد أعلنت الحركة أن الشعب الأفغاني شريك في الإنجاز الذي تحقق بتحرير البلاد من المحتلين، وأن الحرية والاستقلال حقَّان مشروعان للشعب الأفغاني الذي من حقه أن يكون له قانونه الخاص الذي ينبغي على العالم أن يحترمه ويحترم قيم هذا الشعب، مؤكدة على أن الحركة ستحترم المعتقدات الدينية والقيم الروحية لجميع الأفغان. وتعهدت بمنح المرأة حقوقها الكاملة التي منحتها لها الشريعة والقانون.

وسارعت إلى إصدار عفو عام عن كل من وقف ضد الحركة، وأنها لا تريد تصفية حسابات مع أحد، قائلة إنها لا تريد الحرب، بل تسعى لإزالة كل أسبابها. وأرسلت رسائل طمأنة للعالم بأن الأراضي الأفغانية لن تستخدم ضد الآخرين. وأنها تسعى لمنع اندلاع حرب أهلية في أفغانستان، وتسعى إلى إقامة علاقات ودِّية مع كل الدول الأجنبية، بما فيها الولايات المتحدة. وأنها ستعمل على حل المشاكل عن طريق الحوار، وأنها لن تلاحق أنصار النظام السابق، وأنها ستركز بعد انتهاء الحرب على ترميم البنية التحتية والمشاريع التنموية.
كانت هذه الرسائل موفقة إلى حد كبير. فقد رسمت خريطة طريق مفصلية وواضحة للمرحلة المقبلة. وكشفت عن مواقف الحركة وسياساتها وتوجهاتها إزاء جميع الأطراف والقضايا المنتظرة. وقد بدا واضحاً أن طالبان المنتصرة تتصرف بحكمة ودراية وتواضع. فالتنمية والإعمار يحتاجان إلى الشعب الأفغاني بكل أطيافه ومكوناته. يحتاجان إليه مجرداً من جراح الماضي وآلامه ومآسيه، لأن هذه البلاد المحررة والمستقلة مرشحة لأن تلعب دوراً إيجابياً في المجتمع الدولي، وستبدأ الخطوات العملية الكفيلة ببناء مؤسسات دولة حديثة تليق بتاريخ البلد ومكانته وعراقته، وتكفل عبوره نحو مستقبل واعد.

الصين لم تغز أفغانستان ولم تحتلها ولم تستعمرها. الصين مدَّت يدها للتعاون مع طالبان لإعادة إعمار أفغانستان، لتحويلها إلى بلد مستقر وآمن، ولا يؤوي أي جماعات إرهابية. لقد بدأت الصين بإنشاء مشاريع استثمارية واقتصادية مع أفغانستان في عهد أشرف غني. وهي الآن تتفاوض مع طالبان للتعاون في إعادة إعمار البلاد ومساعدتها على النهوض. وطالبان أبدت رغبتها في الاستفادة من قدرات الصين وإمكاناتها التقنية والاقتصادية بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق. لقد خسرت أمريكا كل أوراقها في أفغانستان، وها هي تخرج منها لتدخل الصين بأريحية تامة، كما حصل تماماً في أفريقيا في السنوات الأخيرة. خرجت أمريكا من مناطق كثيرة هناك، وحلت محلها الصين بهدوء وسلامة.
الصينيون سيأتون بأموالهم إلى أفغانستان، وسيستفيدون أيضا من المعادن الثمينة الموجودة في الأرض الأفغانية، والتي تحتاجها المصانع الصينية. وسيبدأ فصل جديد أكثر أمنا وازدهارا في تاريخ أفغانستان وفي حياة الشعب الأفغاني الذي عانى طويلا وضحى كثيرا.

باحث في الشؤون الصينية

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp
Share on email
Share on telegram

رابط مختصر للمادة:

Related Posts