نشرة ” فَاعتبِرُوا ” 117
د. عبدالحميد القضاة
جعل الله الأفهام والعقول متفاوتة القُدرات في المجال الواحد، متنوعة المواهب بمختلف الفنون والعلوم، فجاء التباينُ بينها واسعاً والاختلافُ كبيراً، فاستوعبت حكمةً الله مختلف الأذواق والميول، وأشبعت جميع المستويات، وغمرت كافة الأفهام.
ورغم كثرة الاكتشافات العلمية وتعددها، إلاّ أنّه مع كل اكتشاف جديد، تتفتح المزيد من الآفاق لإبداع العقل البشري، وتوسيع مداركه، وتضخيم علومه ومن ثم اختراعاته واكتشافاته، وطفرة العلوم والمعارف في هذا القرن أكبر من أن يستوعبها دماغ إنسان.
ولهذا لا يمكننا القول إننا معشر البشر قد بلغنا كمال العلم، في أي مجال من المجالات، فكلّما ازداد الإنسان علماً ازداد معرفة بمقدار جهله، ومن ثم إنّ كان حكيما ازداد تواضعاً، ويبقى دائماً فوق كل ذي علم عليم، تتطاول الأعناق إلى الاقتباس من علمه، وتشرئب إليه القلوب، وتتوق النفوس إلى الاستزادة منه، يقول تعالى ” وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ “.
وهنا يكمنُ السرُ المحفز الذي لا يتوقف؛ لطلب العلم والبحث عن المزيد، واكتشاف ما لم يُكتشف بعد … لأنه دائماً هناك المزيد، وهناك آياتٌ من آيات الله الكونية، تكمن في كل علم من العلوم، تنتظر العالِم الفذ الذي يعقلها، ويُخرجها للناس لعلّهم ينتفعون بها ويعتبرون، ورحم الله أبا العتاهية إذ قال: وفي كلِ شيءٍ لهُ آيةٌ تدلُ على أنّهُ الواحدُ
وهذا يضع كل ذي فنٍّ وعلمٍ وتخصصٍ أمام مسؤولياته، في إعمال كل ما أعطاه الله من قدرةٍ ذهنيةٍ وفكريةٍ في مجاله، للإتيان بالجديد المفيد، على أرضية تفعيل عبادة التفكّر، والمنهجية الإسلامية في التفكير، يقول تعالى “وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ”.
الأجرُ على قدرِ المنفعةِ
قال ابن تيميَّة “وممَّا ينبغي أنْ يُعرَف أنَّ الله ليس رضاه أو محبَّته في عَذاب النفس وحملها على المشاقِّ؛ حتى يكون العملُ كلَّما كان أشقَّ كان أفضل!، كما يحسبُ كثيرٌ من الجهّال أنَّ الأجر على قدر المشقَّة في كلِّ شيء!، لا!، ولكنّ الأجر على قدر منفعة العمل، و طاعة أمر الله ورسوله، فإنَّ الأعمال لا تتفاضَلُ بالكثرة، وإنما تتفاضَلُ بما يحصل في القلوب حالَ العمل”.
نصيحةٌ
يا بُني عوّد لسانك على: اللهمّ اغفر لي، فإنّ لله ساعاتُ لا يُردّ فيها سائلاً، يا بُني لا تكن حلواً فتُبلع ولا مرّاً فتلفظ ، يا بُني لا تأكل شبعاً على شبعٍ، فإنك إن تُلقه للكلبِ خيرٌ من أن تأكله.
(البوصلة)